مكافحة الفساد حلول عملية وناجعة

mainThumb

18-04-2011 01:19 AM

منذ عقود مضت لا يكاد يخلو خطاب وبرنامج أي حكومة أردنية من ترديد عبارة " مكافحة الفساد المالي والإداري واجتثاثه من جذوره " ، في الوقت الذي يتزايد فيه الإحساس والشعور الواسع   لدى الغالبية العظمى من المواطنين بأن الفساد وبأشكاله المختلفة ينتشر في القطاع العام والخاص عرضا وطولا انتشار النار في الهشيم ، حيث أنه قد أصبح يخال للمرء بأن هذه الآفة تنمو وتترعرع وتكبر في الأردن تحت رعاية وتشجيع ودعم وأشراف الحكومات الأردنية المتعاقبة ، لاسيما وأن اهتمام جلالة الملك مؤخراً بهذا الوباء الخطير والإيعاز بمكافحته بمختلف السبل  والوسائل هو بمنزلة إعلان صريح ودليل قاطع على فشل هذه الحكومات وعدم جديتها في " مكافحته واجتثاثه من جذوره " ، الأمر الذي تمخض عنه مؤخراً صدور الإرادة الملكية السامية التي تقضي بمأسسة عملية مكافحة ومحاربة الفساد من خلال العمل على الكشف عنه ووضع وتنفيذ سياسات فعالة لمكافحته وتجفيف منابعه والقضاء عليه بشكل نهائي أو محاصرته والعمل على كبح جماحه ، وذلك بالتوازي مع توفير وتعزيز مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين الأردنيين والحرص على مكافحة ومقاومة مختلف أشكال   الافتراء والظلم واغتيال الشخصية ... .



        لا سيما وأن مفهوم مكافحة ظاهرة الفساد والمحسوبية   يندرج ضمن الإطار الأوسع لمفهوم الحكم الرشيد والذي يمثل أهم عنصر من عناصر إزالة العقبات أمام جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، والأخطر من هذا هو أن مساوئه لا تتوقف عند نخر المبادئ والقيم الإنسانية والثقافية النبيلة ، بل تمتد آثاره الكارثية   لتنعكس سلباً على العلاقات الاجتماعية والإنتاجية بين الأفراد والجماعات ، ومن ثم فإنّه لا يؤدي فقط  إلى خسارة الحاضر الذي نعيشه وإنما سوف يؤدي أيضاً إلى ضياع ال مستقبل الذي نصبوا إليه ، ولأن معظم المفكرين الإداريين والاقتصاديين والقانونيين والسياسيين والاجتماعيين يجمعون على أن الفساد من حيث اللغة هو التلف والعطب والضرر وخروج الشيء عن الاستقامة والاعتدال ، ومن حيث المنظور السلوكي هو الميل الفطري عند الفرد لممارسة السلوكيات الخاطئة والمرفوضة ،   ومن حيث المنظور ال تاريخي والاجتماعي هو نتيجة طبيعية لعوامل الجهل والتخلف والفقر وغياب الوازع الديني والأخلاقي ، ومن حيث ال منظور ال اقتصادي هو المشكلة التي تؤدي إلى تحقيق فوائد ومنافع غير مشروعة لبعض الأفراد أو الجماعات على حساب المجتمع بأكمله ، ومن وجهة نظر منظمة الشفافية الدولية هو إساءة استخدام الوظيفة العامة   لأغراض تحقيق المنفعة والكسب الشخصي  ، وقد يكون   ظاهرة ظرفية أو وقتية يمارسها الفرد وهو على رأس عمله بدافع تحقيق النفع الخاص على حساب المصلحة العامة، وقد يكون ظاهرة عامة تصيب المجتمع بأكمله نتيجة لخلل ما قد أصاب بنيته الثقافية والاجتماعية ، ومن وجهة نظر العبد الفقير لله فأن الفساد في المجتمع الأردني لا يخرج عن كونه وباءً اجتماعياً واقتصادياً وثقافي اً الم بمختلف طبقات وشرائح وفئات المجتمع الأردني ، الأمر الذي أصبح يصح  به القول بأنه " لا يوجد في وطننا العزيز مسئول أردني فاسد وآخر غير فاسد ... وإنما هناك مسئول أردني محظوظ منحت له الفرصة لكي يكون فاسداً وآخر للأسف مظلوم لم تمنح له الفرصة لكي يكون فاسداً !!! " ، وذلك باستثناء من رحم ربي ... لاسيما وأنه لكل قاعدة شواذ ... وما سيجارة دولة الرئيس الأخيرة إلا خير دليل على صحة هذا الكلام !!! .



           والسبب الرئيسي حسب اعتقادنا يعود في مجمله إلى تدني مهنية الأجهزة الرقابية العامة والخاصة القائمة حاليا جراء عدم ارتباطها مباشرة بجلالة الملك ، الأمر الذي ترتب عليه في المحصلة ضعف الحاكمية الإدارية وعدم الكفاءة في تطبيق القوانين والأنظمة المرعية و التردد باتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية الناجعة ، هذا بالإضافة لانتشار وتفشي ظاهرتي الفقر والبطالة وضعف الوازع الثقافي والديني لدى أفراد المجتمع ، و تدني رواتب العاملين في القطاع العام والخاص وعدم قدرتها على تلبية متطلبات العيش والحياة الكريمة ، و انحياز مؤسسات المجتمع المدني   وضعف دورها الرقابي  و تقييد حرية الأعلام والصحافة   وعدم السماح لهما بالوصول إلى كافة البيانات والمعلومات الضرورية والهامة .



               ونتيجة لذلك تردت وانحدرت المبادئ والقيم الأخلاقية النبيلة إلى الدرك الأسفل وانتشرت الجريمة والرذيلة بين الناس ، و تفشى الظلم والتمييز وعدم المساواة بين أفراد المجتمع في التعليم والعمل والوظائف العليا ، وتعاظم الإحساس لديهم بالظلم   و المرارة  و الإحباط والشعور بعدم الانتماء، الأمر الذي ترتب عليه انتشار الحقد والكراهية   والفقر والبطالة والاحتقان الاجتماعي ، وبالتالي تضخم الاهتمام بالمصلحة الخاصة وتراجع الاهتمام بالمصلحة العامة ، وكانت المحصلة النهائية العجز والفشل وعدم القدرة على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية وهروب رؤوس الأموال المحلية   والوطنية إلى الخارج ، وهجرة الكفاءات العلمية والعملية إلى دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا ،  وبالتالي ضعف وانخفاض مستوى الأداء والإنجاز في مختلف قطاعات التعليم والإنتاج   ، وظهور الصراعات العشائرية والنعرات الجهوية وتفشي ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي والشعور بغياب الحرية المنضبطة و الحياة الديمقراطية الحقة .



           وبهدف مكافحة الفساد والقضاء عليه بشكل جذري ونهائي فإنه لابد ـ إن كانت النوايا صادقة ومخلصة و أمينة ـ من العمل الفوري والجاد على ربط السلطة الرقابية ممثلة بدائرة مكافحة الفساد وديوان المظالم وديوان المحاسبة وغيرها من الدوائر الرقابية الأخرى بجلالة سيد البلاد الملك عبدا لله الثاني بن الحسين أدام الله عزه وأبقاه ، وذلك لقناعة الأردنيين الراسخة بأن ماضي وحاضر ومستقبل الأردن يرتبط ارتباطا عضويا ومصيريا بالعائلة الهاشمية ، فهم وبحكم الشرعية الدينية والتاريخية والموضوعية بمثابة الروح بالنسبة للجسد ، وبالتالي فهم الأقدر والأكثر حرصا على رعاية مصلحة البلاد والعباد .



        وإلا فأننا سوف نكون مضطرين للأسف في القريب العاجل إلى المطالبة بالإيعاز بتشكيل وزارة متخصصة لرعاية الفساد والمفسدين ، للعمل على توزيعه بين الأردنيين بمنتهى العدالة والإنصاف والمساواة  دون أن يشعر أيا منهم بالظلم أو التحيز أو المحاباة ، وحينها سوف ينتهي الفساد من البلاد ضمنا وتنتفي الحاجة إلى الجعجعة بمحاربته قولا في وضح النهار والانكباب على ممارسته فعلا في دجى الليل ، لكن بشرط أن يتم تعيين وتوزيع كبار الفاسدين والمفسدين السابقين والحاليين بشكل تنازلي على الهيكل التنظيمي للوزارة المقترحة ، وذلك وفقا لحجم ونوع الفساد الذي سبق وأن قاموا بممارسته ، ويقع على رأس هؤلاء طبعا الجهبذ علامة الزمان والمكان بطل خصخصة حصة الحكومة في شركة البوتاس العربية !!! وطوباك يا فشل ... .



           فالوطن في هذه الظروف الصعبة والحساسة هو بأمس الحاجة لتقديم وتنفيذ حلول واقعية وعملية ناجعة لمكافحة الفساد والمفسدين ، وليس لسماع حلول بالية وعقيمة والاستسلام لقوى الشد العكسي التي استمرأت الدجل والتدليس على الشعب والقيادة دون الشعور بالخجل أو الوجل متسترة بشتى لبوس الكذب والنفاق والتزلف ، وذلك لتنفيذ أجندات شخصية وعائلية مقيتة تحت عناوين براقة ويافطات خداعة تتبناها نظريا في العلن وترفضها عمليا في الخفاء .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد