نُطوّر التعليم في الدول العربية
في زمن تتسارع فيه الأمم نحو المستقبل، يبقى إصلاح منظومة التعليم في العالم العربي أمّ الأولويات وأكثرها حساسية وتأثيرًا، فالتعليم ليس مجرد وسيلة للتوظيف، بل هو رافعة حضارية، ومختبر تُصاغ فيه ملامح الغد. ومع ذلك، لا تزال أنظمتنا التعليمية أسيرة الورق، محاصرة بالشكليات، عاجزة عن إنتاج وعي قادر على التغيير، السؤال إذن ليس كيف نزيد من المؤسسات، بل كيف نُعيد للتعليم معناه وقوته التحريرية.
أولًا: إعادة تعريف غاية التعليم، فحين يصبح التعليم غاية في ذاته، يتحوّل إلى تمرين على الحفظ والمراكمة، لكنه حين يُفهم كوسيلة لبناء الإنسان، تتغيّر بوصلة العملية التعليمية كلها، المطلوب ليس إنتاج الشهادات، بل العقول الحرة. وهنا يتقدّم دور أعضاء هيئة التدريس بوصفهم رسلًا للفهم، لا مكرري كتب، إن الأستاذ الذي يُلهم طلابه أن يسألوا، هو أعظم أثرًا من مئة امتحان تقليدي.
ثانيًا: ربط التعليم بحاجات المجتمع، لا ينبغي أن تبقى الجامعات معزولة عن قضايا أوطانها، تُنتج أبحاثًا لا يقرؤها أحد، بل يجب أن تكون الجامعة في قلب المجتمع، تسمع آلامه وتفكر في معالجتها، الأستاذ الجامعي ليس حارس معرفة، بل شريك في التغيير، ووسيط بين النظرية والتطبيق، فحين ينزل البحث إلى الميدان، تُشفى الهوّة بين العلم والحياة.
ثالثًا: تنمية روح السؤال لا حفظ الجواب، التعليم الذي يدرّب الذاكرة، يُنتج أتباعًا، والتعليم الذي يثير الأسئلة، يصنع روّادًا، لا تنمو الحضارات من تكرار الإجابات، بل من شجاعة السؤال، وعضو هيئة التدريس الحقيقي لا يُخيف طلابه من الخطأ، بل يمنحهم الأمان الفكري للشك والمراجعة، في حضوره تُصبح القاعة ورشة تفكير، لا ساحة امتحان.
رابعًا: الحرية الأكاديمية هي بيئة الإبداع، الإبداع لا يعيش في بيئات الخوف، ولا يولد من قوالب صارمة، لا بد للجامعات أن تكون مساحات حرّة للتفكير، يُمارس فيها الأستاذ دوره دون قيد، ضمن أخلاق المسؤولية لا مقص الرقابة، فحين يُحترم صوت الباحث، تنمو الثقة، ويتحوّل النقد إلى طاقة بناء، لا إلى تهمة.
خامسًا: تطوير المناهج لتواكب المستقبل، لا يمكن لصيغ تعليمية وُلدت في القرن الماضي أن تُربّي أبناء الثورة الصناعية الرابعة، المناهج لا بد أن تعكس روح العصر: من الذكاء الاصطناعي إلى التفكير البيئي، من ريادة الأعمال إلى قيم الانفتاح الإنساني، وهنا يتحوّل عضو هيئة التدريس من منفّذ منهج إلى صانع معنى، يربط بين المحتوى والعصر، وبين الطالب والعالم.
سادسًا: تمويل البحث العلمي بربطه بالأولويات الوطنية، البحث ليس هدفًا بذاته، بل وسيلة لحل المشكلات، والمجتمعات لا تتقدم بكمّ الأبحاث، بل بنوعيتها وارتباطها بالحاجات الحقيقية، يجب أن يكون التوجيه الاستراتيجي للتمويل نحو القطاعات الحيوية، كالماء، والطاقة، والتكنولوجيا، والتعليم، والزراعة، ويجب أن يقترن التمويل بآليات صارمة لتقييم الأثر، وهذا يتطلب من الأستاذ تحسين طرح الأسئلة التي تمسّ الواقع، وأن يرى في كل بحث فرصة لفتح نافذة، لا لحصد رقم، فعندما تلتقي الأجندة البحثية مع همّ الناس، تولد المعرفة التي تصنع الفارق.
سابعًا: بناء علاقة شراكة بين الطالب والمعلم، القاعة الصفية ليست مسرحًا والخطاب الأحادي انتهى زمانه، الطالب اليوم يريد أن يُشارك، أن يسأل، أن يُبدع، والأستاذ الناجح هو من يفسح للطالب مجالًا ليكون جزءًا من العملية التعليمية، لا مجرد متلقٍ صامت، في هذه العلاقة الأفقية، يُولد الاحترام، وتتحرّك الرغبة نحو التعلم الحقيقي.
ثامنًا: استخدام التكنولوجيا بشكل ذكي لا شكلي، التكنولوجيا ليست زينة تعليمية، بل أداة لإعادة تخيّل التعليم كله، حين تُستخدم لتمكين الطالب، لتعزيز تعلّمه الذاتي، ولبناء بيئة تفاعلية، فإنها تتحوّل من شاشة باردة إلى نافذة حرية، والأستاذ هنا ليس منافسًا للتكنولوجيا، بل مَن يُحسن تسخيرها ليكون أكثر تأثيرًا وإنسانية.
تاسعًا: محاربة البيروقراطية والمجاملات في المؤسسات التعليمية، لا يتقدّم التعليم في ظل أنظمة تغلق أبواب التقييم النزيه، وتُكافئ المحاباة على الكفاءة، الجامعة التي لا تحترم المعايير، تفرّغ ألقابها من معناها، والأستاذ الذي يُدافع عن النزاهة في الترقيات، والنقد في اللجان، هو من يحفظ للجامعة رسالتها، الإصلاح يبدأ من الداخل، من ضمير الفرد قبل النظام.
عاشرًا: إشراك المجتمع في رسم السياسات التعليمية، الجامعة ليست فوق المجتمع، بل منه وإليه، لا بد من أن تنفتح الجامعات على الآراء، تسمع لتجربة الميدان، وتتفاعل مع صوت الطالب والأسرة والقطاع العام والخاص، عضو هيئة التدريس الذي ينزل من برجه العاجي، ويتحاور مع بيئته، يُعيد للجامعة بريقها كمؤسسة تغيير لا كمخزن أوراق.
ولا بد أن نؤكد بأن الطالب ليس مستهلكًا بل شريك في الإصلاح، في قلب كل إصلاح تعليمي حقيقي، لا بد من رؤية الطالب بوصفه فاعلًا لا مفعولًا به. الطالب الذي يُمنح الحرية ليبادر، ويُحفّز على النقد والتفكير، يصبح جزءًا من صناعة المعرفة لا مجرد متلقٍ لها، والجامعات التي تستمع لصوت طلابها في التقييم، وتُشركهم في المبادرات الأكاديمية، تخلق أجيالًا واعية، قادرة على البناء والمساءلة، فالنهضة لا يصنعها الأستاذ وحده، بل حين يلتقي ضوء المعلّم بحماسة الطالب.
وفي سياق هذا الحديث، هناك نماذج من الواقع العربي والعالمي تبرهن على قدرة الجامعات على صناعة الفارق، فجامعة النيل في مصر قدّمت مثالًا عربيًا واعدًا في الربط بين البحث والابتكار، حيث أنشأت حاضنات أعمال للطلاب، ومراكز للأبحاث التطبيقية بالشراكة مع الصناعة المحلية، أما جامعة هلسنكي في فنلندا، فاعتمدت نموذج "التعلّم القائم على المشكلات" في كل مساق تقريبًا، لتزرع في الطالب عقلية الباحث لا الممتحَن، كلا النموذجين أثبت أن الإرادة حين تلتقي بالفكرة، يتحوّل التعليم إلى أداة نهضة حقيقية.
كخلاصة لما سبق، لسنا بحاجة إلى تعليم أكثر، بل إلى تعليم أصدق، وأعمق، وأقرب إلى الإنسان، وأعضاء هيئة التدريس هم القلب الذي إذا صدق، نبضت الجامعة بالحياة،
لكن النهضة لا تكتمل دون أن يؤمن الطالب أنه شريك، والمجتمع أنه طرف، والدولة أنها راعية للفكر لا راصدة له، من هنا يبدأ الإصلاح، لا من اللوائح، بل من ضمير المعلّم، وشغف الطالب، وأفق الأمة.
ترمب يلوّح بسحب جنسية روزي أودونيل
قافلة مساعدات أردنية جديدة إلى غزة الأحد
شهداء وجرحى جراء القصف الإسرائيلي في غزة
وظائف شاغرة ومدعوون لإجراء المقابلات الشخصية - أسماء
أسعار الذهب تستقر نسبياً في الأردن الأحد
تدمير 36 مسيرة أوكرانية في أجواء روسيا خلال الليل
ناقشت لجنة السياحة النيابية تراجعًا سياحيًا حادًا يهدد اقتصاد البترا
انخفاض طفيف على درجات الحرارة اليوم
من أحا إلى حبلها يولدها .. ازدواجية تربوية فجّة
بودكاست ما بعد صهيونية الإبادة
استدعاء 350 مالك شاليه بجرش لهذا السبب
مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية .. أسماء
بتوجيهات ملكية .. طائرة إخلاء طبي لنقل عائلة أردنية من السعودية
مهم من التربية بشأن تصحيح امتحانات التوجيهي
مهم من الحكومة بشأن انخفاض أسعار البنزين وارتفاع الديزل والكاز
تفاصيل القبول الموحد في الجامعات الأردنية لعام 2025
دفعة تعيينات كبيرة في وزارة التربية - أسماء
تحذير مهم من مهرجان جرش للجمهور
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور
ما حقيقة فرض عمولات على تحويلات كليك للافراد
تكفيل النائب الرياطي ومنعه من السفر
موجتا حر في تموز 2023 وحرارة تصل الى 40 درجة مئوية
اتفاقية أردنية-أمريكية بقيمة 39 مليون دولار .. تفاصيل