الوحشية الصهيونية والصمت العربي

mainThumb

13-07-2025 12:55 AM

يستغرب بعض أصحاب النوايا الحسنة في أمتنا العربية من حالة العجز والإحباط التي تهيمن على ما يُسمى بالقمم العربية، خاصة في ظل حرب الإبادة التي تُشن على غزة. فمنذ اندلاع العدوان، عُقدت لقاءات رسمية عدة، اثنان منها في الرياض وحدها، بمشاركة 56 دولة عربية وإسلامية. ومع ذلك، لم تتمكن هذه الجموع من إيصال حبة دواء أو كوب ماء إلى غزة المحاصرة، ليس فقط من العدو، بل من الصديق أيضًا.

هذا الاستغراب، رغم وجاهته، بحاجة إلى مراجعة دقيقة. فالحقيقة الصادمة هي أن من اجتمعوا في الرياض أو غيرها لم يكونوا جزءًا من الحل، بل كانوا جزءًا من المشكلة. إنهم من يدعمون تدمير آخر معاقل الحياة في هذه الأمة، وآخر السيوف المسلولة في وجه البغي والعدوان الصهيوني.

لذا، علينا أن نقف أمام هذه القمم وقراراتها الورقية، ونتأمل ما أنتجته على أرض الواقع. عندما يجتمع هذا العدد من قادة الأمة العربية والإسلامية ويصدرون قرارات منطقية – كفكّ الحصار الوحشي عن غزة، وإدخال الدواء والغذاء والمساعدات الإنسانية – ثم تُلقى هذه القرارات في مزبلة التاريخ أمام تعنت مجرم صهيوني، يمنع تنفيذها، فلابد من مواجهة الحقيقة.

أمامنا خياران: إما أن هؤلاء القادة غير جادين، متواطئون، وداعمون لجرائم العدو وحصاره، أو أنهم بلا وزن ولا قيمة. وأنا أرجّح الخيار الأول: القادة العرب، للأسف، متواطئون بشكل مباشر مع العدو، وهم أدوات في تنفيذ حصاره. وهذه ليست ادعاءات، بل وقائع تؤكدها الأرض.

هذا ما فضحه الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوورد في كتابه الصريح جدًا "الحرب"، حيث عرّى فيه كل الأنظمة العربية، وذكر كل نظام باسمه. وذكر وودوورد أن هؤلاء القادة يقولون شيئًا في واشنطن، ويصرخون بشيء آخر أمام شعوبهم، وكل منهم يزايد من خارج الصندوق بينما هو في البيت الأبيض.

ولو كانت الولايات المتحدة وكلبها الصهيوني المسعور تشعر بأن مصالحها مهددة جراء دعمها لهذا الكيان وجرائمه، لأوقفت هذا الكيان عند حده، وحدّت من قدراته المحدودة.

إن هذا التواطؤ الرسمي من الأنظمة "الناطقة بالعربية" شجّع على زيادة الدعم الأمريكي غير المحدود للكيان، بل وجعل أمريكا ترفع العصا الغليظة في وجه كل من يملك ضميرًا حيًا. وما تعرّض له قضاة المحكمة الجنائية الدولية، من تهديدات هم وعائلاتهم، وما حدث للمنسقة الأممية لحقوق الإنسان، هو خير دليل. بل حتى المواطنون الأمريكيون والغربيون من أصحاب الضمير لم يسلموا من التهديدات والملاحقة.

كل هذا شجّع الكيان الصهيوني على العربدة، والاستهتار بالقانون الدولي الغائب أصلًا. بل بلغ الأمر ببعض الأنظمة العربية إلى التصريح بأن علاقاتها التطبيعية مع الكيان تصب في "خدمة القضية الفلسطينية"! ولم يتأخر الكيان في الرد، حين صفَع ذلك النظام بالقول إن علاقاته مع الأنظمة العربية لا تمت بصلة للقضية الفلسطينية، وإنها علاقات ثنائية بدأت سرًا وظهرت علنًا، وهي غير مشروطة، ولا علاقة للشعب الفلسطيني بها.

لذا، وبصراحة: كلهم متواطئون في حصار غزة وسفك الدم الفلسطيني، والمسؤولية تقع على رقاب الأنظمة العربية والصهاينة معًا.

ولا عزاء للصامتين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد