الإعلام لا يمكن أن يكون حيادياً

mainThumb

03-05-2011 12:07 AM

بعد أن تجاوز الإعلام في العقد الأخير تحديداً، مشكلة الحدود واللغات أصبح يلعب دوراً فاعلاً في تجييش العواطف والأفكار لدى الجماهير المستهدفة، خصوصاً بعد حالة الاستنفاع السياسي التي يعيشها العربي وبالأخص منزوع الدسم الأيديولوجي.والإعلام اليوم لم يعد كما كان سابقاً في حالة عدم تجانس وتفاوت في مفاهيمه وما يبثه أو ينشره، فالمسألة اليوم تجاوزت النبوءات والتوقعات إلى تسيير للأحداث وصناعة للتغيير ورسم للجغرافيا السياسية القادمة.



بعد هذا الحراك الشعبي العفوي الذي تشهده المنطقة انتقلت عدة فضائيات من كونها مصدراً للأخبار إلى محرك ثورات، وهذه المعادلة بديهية كون اللسان جزءا من الجسد كذلك الفضائية جزءا من جهة أو مؤسسة ما تتبع لها ماليا وإداريا أو سياسياً، بالتالي تسليط الأضواء في منطقة وتغييبها في منطقة أخرى يتحدد بما تقتضي مصلحة الممول المالي للوسيلة الإعلامية والإعلانية قبل ذلك، إذ أصبح تسليع الضحايا الخطوة التالية بعد تشييعهم حيث اتخذت عدة قنوات عربية الجانب الموضوعي والمحايد في نقل الصورة والحدث إلى أن تسقط الضحايا فتبدأ بتبني مراسيم الجنازة العلنية أمام الملأ، ثم تُحّول المأتم إلى عرس وطني، وكما هو متداول إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، كذلك هي رحلة الألف شهيد تبدأ أيضا بطلقة لكن الفارق الوحيد هنا، أن هنالك مئات من قناصي الصورة واللقطة الآنية ينتظرون هذه الرصاصة لتبدأ رحلة المليون متظاهر...




واليوم كل القنوات الإخبارية تتعرض لاختلاف حكم المشاهدين حول مصداقيتها، فهل هي مؤسسة إعلامية مستقلة تبحث عن التغيير والإصلاح أم أنها منحازة إلى جهة أخرى، أم هي من تصنع الحدث وتفبركه وتقوم بتضخيمه والتلاعب بمجرياته لتحقيق غايات غربية أو تحقيق أجندات مؤسساتية خاصة، وفي وسط هذه الشجون يظهر المشهد الكوميدي المتكرر دائما، حيث تقوم الفضائية المتبنية لثورة ما باستضافة إعلاميين أو محللين لا تختلف رؤيتهم عن سياسة المؤسسة ولو بفارق بسيط، ومنهم من كثرة اطلالته تكوّنت صورة للمتلقي ان هؤلاء ليسوا الا امتداداً لطاقم المؤسسة الوظيفي، وما شاهدناه في خطابات الناطقين باسم الحكومات أو بخطابات الرؤساء أن بعضهم في ثنايا خطابه تخللت إشارة إلى قناة الجزيرة، كما فعل القذافي ومن بعده الرئيس بشار الأسد، وكأنّ دولة قطر وقناة الجزيرة هي الطرف الثالث في كل ما يحصل، ورغم كل ما يُقال حول الجزيرة ووصفها بالماكينة الإعلامية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكل ما يُبث من تشكيك في مصداقيتها يظل في أُطر الفرضيات والتحليلات الشخصية، رغم أن البعض يرى دلالات عدة تشير إلى عكس ذلك لكن بكل المقاييس المسألة تظل غير محسومة للآن حتى بعد استقالة موظفين كبارا من قناة الجزيرة مؤخراً.





أما الحيادية التي يزعمها الإعلام إن كان عربياً أو غربياً لا يمكن أن تتحقق ما دام من ينقل المعلومة هو إعلامي وبالتالي هو إنسان ينتمي لبقعة ما على هذه الأرض، وأحيانا تفضح كلمة واحدة انحيازا خبيئاً للمتحدث بها حيث تتعدى العموميات والشمول إلى إضافة منظور شخصي لا يمكن تجاهله، لأن في الإعلام تحديداً التعميم النمطي والقوالب الفكرية الجاهزة مرفوضين وحتى في تقدير أعداد المتظاهرين في ساحاتنا العربية قد تكون الأرقام بعيدة عن الواقع، إذ أن ثلثها غالبا ما يكون من رجالات الدولة وعناصر الاستخبارات وغيرها، وما كان يجري قديما من تسخين للأحداث عبر التدرج في زيادة الخطب تجاوز الآلية التقليدية وأصبح الخبر يُعد في مايكروويف سياسي يتسع لأكثر من اثنين وعشرين دولة، كما أن وقوده مُرتهن بدولة واحدة فقط.




واليوم أصبح لكل ميدان تحرير أو ساحة تغيير بيارق خاصة من رحمها تولد الأنظمة وفي حناجرها يُجهض البقاء، والمؤسف حقيقة ان ما يحمله الإعلام العربي المتلوّن الذي تناط به مهمة إيصال صوت الشارع والرأي العام بدأ اليوم يدق الطبل ويهتف في وسط الشارع ليردد الحشد وراءه ثم ينقل للحشد الذي لم يكن حاضراً صوت هتاف المحتشدين، وهنا لا يسعنا سوى أن نُذكّرهم بمقولة لبنجامين فرانكلين حين قال إن ذلك الذي ينفخ في نار النزاعات ليس من حقّه الشكوى إذا تطاير الشرر في وجهه


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد