الموازنة العامة .. واستحقاقات الإصلاح

mainThumb

06-05-2011 10:24 PM

بنيت فرضيات الموازنة العامة وفقاً لمنظور ليبرالي وسياسة مالية إنكماشية تستهدف تحقيق مؤشرات نمو لا تنمية تنسجم مع برنامج وطروحات حكومة الليبرالية السابقة ، بينما اقتصر دور الحكومة الحالية على ترقيعها وفقاً لمعطيات الظروف والحراك السياسي والاجتماعي الراهن لتخفيف وطأة منتقديها وامتصاص غضب الشارع ولم تستهدف بنودها مؤشرات تنموية وفقاً لمنظور الاقتصاد الاجتماعي الذي تتبناه هذه الحكومة في طروحاتها... ولا أعرف كيف سيوفق معالي وزير المالية بين هذين المنظورين؟؟ أم أن سخصيته وفكره هلامي يتشكل وفقاً لمعطيات الواقع من خلال إعادة تبويب بنودها لتنسجم مع إستحقاقات المرحلة ومخرجات الحراك السياسي والاجتماعي الراهن؟؟

 

          في ظل التحديات التي تواجه الأردن وبخاصة الاقتصادية منها لابد من إزالة كافة التشوهات الاقتصادية والمالية وإحداث تغيير جذري في إختلالات النظام الاقتصادي في الأردن ومراجعة شاملة لبيئة الأعمال والاستثمار تستهدف بناء مؤسسات اقتصادية وبرامج بفرضيات اقتصاد اجتماعي يراعي خصوصية المجتمع الأردني في مدنه وقراه وبواديه.. وبرنامج تنموي مُجدول يلمس المواطن آثاره ويحفز نشاطه الاقتصادي.

 

          إصلاح النظام الاقتصادي يحتاج إلى سياسات موازية في أنظمة مؤسسات الدولة تتجاوز تحقيق مؤشرات نمو بل تستهدف إعادة النظر في التشريعات الناظمة للإنفاق والقوانين الهادرة للمال العام وفلسفة متجدده في أوجه إنفاقه ضمن معايير وقواعد ضابطة تحقق أهداف تنموية مستدامة وتنطلق من منظور شمولي يحقق العدالة والمساواة في الأجر.

 

          في ظل توفر الكفاءات والخبرات العلمية والعملية في سوق العمل فالحكومة ملزمة بإلغاء جميع أنظمة العقود في مؤسسات الدولة وإخضاع وظائفها وفقاً لنظام الخدمة المدنية أو أنظمة المؤسسات المستقلة نظراً لفقدان مبرراتها وما يشوبها من فساد ومحسوبيات وأحياناً يستهدف شريحة معينة في المجتمع كما هو الحال في هيئة تنظيم قطاع التأمين حيث (52) موظف من أصل (97) موظف من شريحة واحدة في المجتمع ، هذه مؤسسات وطنية وليست مؤسسات شرائح اجتماعية ، وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء مفوض راتبه (5000) دينار وعمره (86) سنة محسوب على رئيس وزراء سابق وخلفيته العلمية لاتمت بصلة لقطاع الكهرباء .. أليس ذلك إختلال وفساد في قواعد المالية العامة في الدولة؟؟!!

 

          مأسسة القرار الاقتصادي إستحقاق وطني ومنهج عمل في مؤسسات الوطن ، فلا يعقل أن تنسف الحكومة الحالية قرارات الحكومات السابقة .. قبل ثلاثة سنوات تم إنشاء صندوق التحوط الذي يهدف الى الحفاظ على سعر توازني في السوق في حالة ارتفاع أسعار النفط عالمياً ، حيث تم ايداع نسبة معينة من عوائد الدولة المفروضة على مشتقات النفط في حساباته وقد أظهرت بيانات وزارة المالية أن مقدار إيراداته الشهرية تقريباُ (11) مليون دينار أردني والسؤال المطروح:

أين ذهبت إيراداته؟ وماهي أوجه الإنفاق منه؟ وهل مازال في حيز الوجود؟

 

          لقد تعددت مرجعيات ومؤسسات الإستثمار في بيئة الاقتصاد الأردني وتنازعت في الاختصاص وخلقت معيقات في تدفق رؤوس الاموال الاجنبية ، وأصبحت بيئة طاردة لا جاذبة للإستثمار المحلي والإجنبي وغير قادرة على تسويق فرص الاستثمار المتاحة ..

والمطلوب دمج هذه المؤسسات في مؤسسة واحدة وهي المرجع الرئيس في بيئة الاستثمار من خلال تشريعات مرنة ناظمة لبيئة الأعمال والإستثمار.

 

          هذه الإصلاحات في المالية العامة للدولة لابد أن يرافقها نظام ضرائب تصاعدي على الدخول والأرباح وإحكام أدواته التنفيذية بما يكفل منع التهرب الضريبي ، وتوظيف استحقاقاتها بتوزيع عادل لصالح قوى الإنتاج الحقيقية في الإقتصاد الوطني ، وإعادة التوازن لإختلالات النشاطات الإقتصادية لتنعكس ثمارها على قوى سوق العمل ، وسوق السلع الإنتاجية وتعزيز روح المبادرة والخلق والإبداع في توجيه موارد الدولة في إطار خطط تنموية تستهدف خصوصية المجتمع الأردني في بواديه وقراه ومدنه ، ووقف مشاريع الخصخصة الذي قادها فهلوي الليبرالية وثبت خسارة الاقتصاد الوطني من موارد مؤسسات مخصخصة كانت ترفد الخزينة بمئات الملايين دون مساءلة من قريب اوبعيد لمجموعته الليبرالية التي فككت مؤسسات الوطن.

 

          وتبقى مشكلة الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي على رأس أولويات أجندة الحكومة ، حيث بدأت مؤشراته تنذر بالخطر بعد أن تجاوزت نسبة (60%) من إجمالي الناتج الإجمالي بالأسعار الثابته المحددة في قانون الدين العام ، وأصبحت سياسة إدارته توجه أنظارها نحو شقه الداخلي لتزاحم القطاع الخاص على السيولة المتاحة في السوق المصرفي.

 

          هذه المعطيات وغيرها تحتاج إلى إعادة هيكلة في أبعادها وحجم ضغوطاتها على خزينة الدولة ليصار إلى بناء استراتيجية مالية وطنية تشتمل على خطط تنموية تعالج هذه الإختلالات في الإقتصاد عبر مؤسسات إقتصادية وبيئة إستثمارية مرنة للمرحلة القادمة قادرة على معالجة إرهاصات المجتمع واحداث تغيير حقيقي في أدائها وفقاً لأبعاد التحديات الإقليمية والسياسية والإقتصادية التي تواجه الأردن. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد