الاستقلال الأكبر

mainThumb

25-05-2011 09:17 PM


يحق للأردنيين جميعاً أن يفخروا باستقلالهم، وأن يحتفلوا به كل عام كعيد وطني ويوم من أيام الأردن المفصلية في العصر الحديث، كيف لا، والتخلص من نير المستعمر البريطاني حدث كبير، يجب أن لا ينسى، وأن يبقى في ذاكرة الأجيال إلى الأبد!



ومن أسف أن البعض يفرق بين الاستعمار والانتداب والوصاية والاحتلال، في محاولة للتخفيف من وطأة الظلم الذي يمارس من قبل القوى الغاشمة تجاه الدول المستضعفة، للسيطرة على مقدراتها وثرواتها، أو لاستغلالها لتحقيق أطماعه ومآربه، فكل ذلك استعباد لا شك فيه، وإذلال للشعوب، وتعدٍ على سيادتها، وإنتهاك لحرماتها، واغتصاب لحريتها، حتى وإن أطعمت الشعوب سمناً وعسلاً!



إن استقلال الأردن عن بريطانيا مصدر فخر واعتزاز بأبناء هذا البلد وقيادته، الذين تكاتفوا معاً للتخلص من الاستعمار ورفع وصايته وتحكمه في مقدرات الأردن، وكف يده عن أجهزة الدولة المختلفة، والتي توجت في النهاية بطرد كلوب من قيادة الجيش عام 1956 على يد الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله.



ومع كل الفرح الذي يجب أن لا يغيب عن قلوبنا لحظة واحدة بالاستقلال، لا يجب أن ننسى أن التخلص من الاستعمار البريطاني هو الاستقلال الأصغر، ولكن الأهم والأولى والأعظم أهمية أن ينجز الاستقلال الأكبر الذي هو هدف كل الشعوب في العالم الثالث لتحقيق غايتها في بناء دول قوية تنعم بالحرية والرقي والتطور والعدالة والشفافية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.



صحيح أن الأردن قطعاً شوطاً كبيراً في بناء الدولة الحديثة، والسير بها قدماً نحو المستقبل بخطوات واثقة، ولكن قوى الشد العكسي، ومعاول الهدم الداخلي، واخطبوط المصالح، وحزب النفوس المريضة والضمائر الميتة، تعيق المسيرة، وتجر الأردن للوراء، لأنها تمارس استعماراً داخلياً مموهاً، تحت لافتات خداعة، وشعارات براقة. حيث يتلبس على الناس الحق من الباطل، لأن هؤلاء من أبناء جلدتهم، يعيشون بينهم، يتحدثون بلسان مبين عن حب الوطن والتضحية في سبيله، وتحسبهم وهم يتحدثون، أنهم أحرص الناس، وأخلص الناس، وأكثرهم تضحية ونكراناً للذات، وما هم إلا سوس ينخر في بناء الوطن، وعلق يمتص خيراته ودماء أبنائه، ودخان أسود يحجب الرؤية ويعمي البصر والبصيرة أحياناً.



ولكي يتحقق الاستقلال الأكبر، يجب أن تتكاتف كل الجهود الخيرة، والنوايا الصادقة، والقلوب النظيفة، والأيدي الطاهرة، والعزائم القوية، للقضاء على الفساد والمفسدين وتطهير البلاد والعباد من شرهم. والتخلص من الترهل الإداري الذي يضرب معظم مؤسسات الدولة في مقتل، ويعطل مسيرتها، ويهدر طاقاتها دون منجز حقيقي. وضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، بعيداً عن الوساطات والمحسوبيات والترضيات. ووقف الاعتداء على المال العام وتسيبه بأي صورة من الصور، وتوظيف مقدرات الوطن لصالح أشخاص لا تأخذهم بالوطن شفقة ولا رحمة، يعدون الوطن مزرعة لهم ولأتباعهم، لا يهمهم إلا أنفسهم ومصالحهم، طمعاً وجشعاً!


إن الاستقلال الأكبر لن يتحقق إلا إذا تجذرت ثقافة البناء لا الهدم، وتأصلت قيم العمل الجماعي التعاوني لمصلحة المجموع، والتخلص من الأنانية والذاتية، وتعمق حب العمل الحقيقي المنتج عند الجميع، وإن قيمة المواطن بعمله وليس بنسبه وحسبه وعشيرته. وتوافر مبدأ العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص على ما عداها من ظلم اجتماعي وحرمان وظيفي وتقديم للواسطة والمصلحة. وإيلاء الإصلاح الأولوية القصوى في كل المجالات، وتوفير البيئة الصالحة والمناسبة له.


إن الاستقلال الأكبر لن يتحقق إلا إذا رأينا شوارعنا نظيفة دون وجود لعمال النظافة، وأن المواطن يأبى أن يلقي بورقة في الشارع ولو سار عشرة كيلو مترات من أجل أن يجد حاوية. وحين يرفض المواطن أن يتقدم على غيره في دور أو طابور، أو يزاحم آخر في سيارته، أو يسابق غيره في الحصول على منفعة شخصية. وعندما يقدم المرء ابن جاره الغريب على ابنه لكفاءته، ويفضل التاجر أن يشتري الناس من جاره إيثاراً ومحبة، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه!


إن طرد العدو المستعمر يحتاج إلى وحدة شعبية وصبر وعزيمة وربما إلى بعض الأسلحة، ولكن تحقيق الاستقلال الأكبر يحتاج إلى طاقات عظيمة، وجهود ضخمة وإرادة صلبة، وصبر طويل، وعمل متواصل، وإخلاص وصدق ونظافة، ومواطنة صادقة حقيقية، وإنتماء عملي لا صوتي أو شعاراتي.


لقد تطلب الاستقلال من المستعمر سنوات طويلة، وفي حالة الجزائر استمر قرناً ونصف. بينما الاستقلال الأكبر قد يتطلب زمناً أطول كما حدث في الدول الأوروبية التي كافحت قروناً طويلة حتى تحقق لها ما تريد من الاستقلال الحقيقي بالتخلص من خلافاتها وصراعاتها وفسادها وترهلها وعشوائيتها وأنانيتها وتشتت جهودها. ونحن في الأردن يفترض بنا أن نستفيد من تجارب هذه الدول وأن نؤسس لدولة قوية استناداً على التجارب الدولية الأخرى، وفي المقدمة دولة الإسلام التي تحققت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأخيار.


قد يقول قائل: إنك تريد مدينة فاضلة، لا دولة عصرية. ولم لا ؟! وما المانع أن نحلم بمستقبل زاهر مشرق، فالإنجازات العظيمة والأعمال الرائعة كانت حلماً يوماً ما!

mosa2x@yahoo.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد