الاستقلال وارادة الاصلاح

الاستقلال وارادة الاصلاح

26-05-2011 12:00 PM

بين الذكرى المجيدة والأمل الواعد، يشمخ الوطن أكثر فأكثر، مزهواً بألوان الشهادة والخلود والسلام، وعلى درب التضحية الطويل، يستمر الاردنيون في أداء رسالتهم الوطنية، فخورين بإرث أجيالهم، فالوطن منيعاً بدماء شهدائه، قوياً بثقة شعبه وإيمان رجاله، معاهداً الله والوطن، بأن للاستقلال عيوناً ترعاه وسواعد تحميه إن سعي الشعوب إلى التحرر والاستقلال، هو ظاهرة قديمة تعود إلى بدء تشكل الجماعات البشرية ضمن أقاليم معينة ، والدافع إلى ذلك هو ميل الأفراد والجماعات إلى رفض حالة التبعية والسيطرة بأدواتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وقد شهد عالمنا المعاصر حركة استقلالية واسعة في ظل عوامل مساعدة أبرزها: التعديل الطارئ في ميزان القوى، وتصاعد الوعي القومي والوطني، ووجود الظروف المشجعة.




 وقد تأثرالاردنيون بشكل خاص بأحداث أوائل القرن العشرين، واختبروا معاني وأبعاد التبعية، وما يستتبعه من صراعات يستخدمون من خلالها كأدوات لتحقيق غايات ومصالح الآخرين. كل ذلك أسهم في وعيهم واتجاههم نحو نيل الاستقلال وحرية تقرير المصير، فقاموا بتشكيل نواة فكرية بعثت الروح ضد كل سلطة أجنبية في المنطقة العربية.




 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وفي ظل المتغيرات الدولية ، بدأت الظروف تتهيأ أكثر فأكثر للحرية وحق تقرير المصير، وقد هبّ الاردنيون للمطالبة باستقلالهم وإنشاء دولتهم المستقلة، ولم يتأخروا في ترجمة إرادتهم عملياً، إذ طوعت الظروف للقيام بدور اساسي ليس في استقرار الدولة الاردنية فحسب بل وفي استقرار المنطقة بشكل عام، وكأحد وجوه النضال الوطني. وقد تضمنت عقود تطوعهم بناءً لإرادتهم شرطين أساسيين: الشرط الأول، ينص على أن لا يقاتلوا سوى العثمانيين، والثاني، أنهم انخرطوا في القوات الحليفة في سبيل تحرير المنطقة العربية.




وما لبثوا لاحقاً أن شكّلوا حالة اردنية مميزة، ففي العام 1920 أصبحت شرق الاردن دولة تظهر على الخريطة السياسية العالمية بكل وضوح فنالت الامارة استقلالها منذ العام 1921 وأخذت سرايا العمل الوطني الاردنية تنشر العمران في أرجاء الوطن، حيث قامت بأعمال التعمير وشق الطرقات وإنشاء الجسور ومراكز الهاتف والتلغراف وغيرها، فكان عهد من المحبة والود والتقدير بين ابناء البلد الواحد. عقود خلت على استقلال الوطن في ايار من العام 1946، كانت حافلة بالتجارب والصعاب، وكان الحفاظ عليه هو التحدي الكبير الذي واجهه الهاشميين وبرفقتهم الاردنيون منذ ذلك الحين انطلاقاً من إيمانهم الراسخ بحقيقة الكيان الاردني ورسالته الفريدة في هذا العالم، فأدرك الجميع قيادة وشعبا حجم التضحيات والمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم، وعاهدوا الله والشعب بقَسم أكبر من الحياة، جسدته قوافل الشهداء التي انبرت إلى طريق الشرف والتضحية والوفاء، دفاعا عن تراب الوطن الطهور ودفاعا عن قبلتنا الغربية فلسطين التي بقيت على الدوام قانعة غير آبهة بما تحمله الأقدار، كما جسدته مآثر وجهود أولئك الرجال العاملين بصمت، المثابرين في سباق مع الزمن، واهبين حياتهم وسنيّ عمرهم في خدمة رسالتهم المقدسة.




 ويعتبر الاصلاح بكافة منافذه والذي يقوده جلالة الملك أحد أهم العوامل التي يرتكز عليها الشعب لتحقيق الاستقلال والحفاظ عليه، والاصلاح بمفهومه الواسع إرادة إنما تنبع من وعي مختلف قطاعات وشرائح الشعب لما يتميز به هذا الشعب من شخصية وطنية وقومية تضمن له تحقيق أهدافه وتطلعاته المشتركة في الحاضر والمستقبل. إن وجود الاردن كوطن، محكوم بوحدة أرضه وشعبه ومؤسساته، وبالتالي فلا استقلال للوطن من دون هذه الوحدة التي كرّسها التاريخ وكرستها إرادة الشعب ومبادئ الدستور،كما أن أبناء الاردن هم مواطنو هذه الأرض المقيمون منهم والمغتربون أياً كانت انتماءاتهم أو مناطقهم، تجمعهم هويتهم الاردنية العربية وتاريخهم المشترك وتراثهم الحضاري وتطلعاتهم المستقبلية، كذلك فإن الدولة المتمثلة بالمؤسسات الدستورية هي دولة واحدة للجميع تمارس سلطاتها باسم الشعب ووفقاً للنظام الديموقراطي. أما صيغة العيش المشترك المنبثقة من إدراك الاردنيون على مختلف مشاربهم لمصالحهم الحيوية ووحدة مصيرهم، فهي إحدى ركائز وجود الدولة الاردنية واستمراريته، وهي نتاج طبيعي لتاريخ طويل من التفاعل والتجارب.




 تتجلّى قوة الوطن بأسمى معانيها من خلال وحدة أبنائه وتقاطع آمالهم وتطلعاتهم في إطار رؤية وطنية سليمة بعيدة المدى تضمن مستقبل أجيالهم، وهذا ما يتطلب وعياً عميقاً من الجميع وإدراكاً تاماً للحقائق والإحاطة بها والترفع عن المصالح الضيقة والحسابات الآنية، وفي مطلق الأحوال يجب ألاَّ تستغل الحرية التي ينعم بها الاردن وهي حق مقدس للجميع قد كفله الدستور ورعته القوانين، إلى جانب تعدد وتنوع الآراء في ظل مناخ الحرية، كأداة للسماح للفوضى بالتسلل إلى ثقافة المجتمع الاردني وضرب إنجازاته، وإغراق الساحة الداخلية في بحر من التناقضات والانقسامات الحادة، مما يؤثر سلباً على الاستقرار العام في البلاد وممارسة الحرية نفسها.




 إن مواجهة المرحلة الراهنة تتطلب منّا المزيد من الصمود والتمسك بثوابتنا وخياراتنا الاستراتيجية أكثر من أي وقت مضى، ومن ائتُمن على استقلال وسيادة الوطن وشرف الدفاع عن أرضه وصون أمنه واستقراره، يدرك تماماً دقة المرحلة وحجم الضغوط التي تستهدف الاردن، لكن في المقابل يعي أيضاً أن صلابة القرار الوطني المستند إلى قوة الحق، ووحدة الشعب الاردني والتفافهم حول دولتهم ومؤسساتهم وفي طليعتها الجيش، هي عناصر القوة الكفيلة بمواجهة مختلف التحديات والأخطار التي يتعرض لها الوطن، ومرة جديدة يؤكد الاردنيون، أنهم لن يسمحوا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء والإخلال بالأمن تحت أي شعار ومهما كانت الظروف، وسيبقى الاردن في موقعه الطبيعي المجابه لمخططات العدو الإسرائيلي واعتداءاته المحتملة، ووأد الفتن في مهدها، مستعداً لبذل أقصى التضحيات، حفاظاً على مسيرة الاستقلال، وذوداً عن حماه وحرمة أرضه وكرامة شعبه.



 وكما في الأمـس كذلك اليوم، رجـال يمضون على طريـق الشرف والتضحية والوفاء بخطىً ثابتـة وهامـات شامخة، أوفياء لتضحيات دمـاء شهدائهـم الأبـرار، حراساً لأمانـة شعبهم العريـق، واعـين لمسؤولياتهــم الجسـام، مدركين حجـم ما ينتظرهـم من تحديـات وصعاب، لكنهـم على قدر ذلـك واثقـون أن بإيمانهــم الراسـخ يصنعون قوة الاستمرار، فيتجدد ربيع الوطـن ويصان الاستقـلال


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد