ثقافة الزامور

ثقافة الزامور

21-07-2011 05:41 PM

بعيدا عن السياسة ثقافة الزامور صارت لغة الزامور لغة وطنية، ولربما أن تتطور لتصبح لغة عالمية كلغة الرموز الهندسية والجغرافية والنوتات الموسيقية، والأمر لم يقف عند حدود اللغة فقط بل تعداه إلى الثقافة، أي ما يعرف بثقافة الزامور، فإذا كنت في الأردن ولم تتثقف ثقافة الزامور فلن تستطيع التعايش مع الناس ولن تفهم عليهم أو يفهموا عليك، فما عليك أيها القارئ إلا أن تُقبل بكل شغف للتعرف على هذه اللغة وهذه الثقافة لتصبح مواطنا متكيفا متأقلما مع الزامور وثقافته.

قال لي صديق أنه مكث في بريطانيا ثلاث سنوات ولم يستمع للزامور إلا ثلاث مرات واحدة منه، أما نحن في الأردن فصار الزامور لغة التواصل بيننا ولا تكاد تمرّ دقيقة في النهار إلا وتستمع إلى الزامور عشرات المرات، فما هي دلالات هذه اللغة أو هذه الثقافة؟ إذا اردت أن تتجاوز بسيارتك عن مركبة فلا بد من الزامور لأن السيارة التي تتجاوز عنها قد تميل إلى اليسار في أي لحظة، هنا الزامور ضروري لضمان انتباه السائق الذي أمامك بالالتزام بمسربه، وعند الإشارة الضوئية لا بد أن تطلق الزامور قبيل الانتقال الى الاشارة البرتقالية لتنبيه الغافلين في المقدمة الذين يماطلون في الانطلاق، وكثير من السائقين يتجاوزون منطقة الإشارة الضوئية للأمام وهم على يقين أنه لا داعي للنظر للإشارة لأن الزوامير ستنهال لا محالة على مسامعهم لمجرد قرب موعد التحويل إلى اللون الأخضر، وهنا لا بد من الانتباه فبعض الخبيثين يطلقون الزامور فتنطلق السيارة والاشارة حمراء مما يسبب الحوادث المؤسفة.

ولأن شوارعنا في غالبها تخلو من الخطوط الفاصلة بين المسارب وإشارات التنبيه فإن أهم وصية نوصي بها السائق أن تكون يدك جاهزة على الزامور، فقد يميل هذا بسيارته غير ملتزم بمسربه لأنه لا يوجد خطوط ترشده إلى المسرب، هنا لا بد من زامور ينبهه للاستقامة في مسربه، وعندما تقترب من تقاطع طرق فلا بد أن تنتبه كل الإنتباه لأن ثقافة الأولوية معدومة عندنا وأهم شيء جهّز يدك على الزامور لتنبيه المستهتر أو المتجاوز لحدوده، وكذلك الذي يسير ببطء على المسرب الأيسر ولا يهمه طابور السيارات الذي خلفه فأنت أمام خيارين: أن تتجاوز عن يمينه وهنا يكون الزامور سلاح ذو حدين، فقد تنبهه لتجاوزك الخطأ وقد يميل عليك محتجا على تجاوزك الخطأ!! والخيار الثاني أن تبقى مصرا على السير خلفه لكن مع إزعاجه بوابل من الزوامير لعله ينتبه وينتقل إلى المسرب الأيمن. والزامور يستخدم للتحية، فإذا مررت بصديق يمشي على الرصيف أو لقيت آخر في سيارة أخرى، فالزامور هو التحية ويغني عن قول السلام عليكم أو (هاي)، وإذا لقيت صديقا ما وقلت له مثلا أين طول هذه الغيبة ولماذا هذه القطيعة فلا تستغرب أن يوجه لك العتاب بأنه قابلك في الطريق وزمر لك لكنك لم تزمر له أو ترد له التحية، والزامور كذلك مسبّة، فإذا واجهك سائق مخالف أو كاد أن يؤذيك فالزامور الشديد الطويل معناه مسبة مثل: حماااار، تنفس من خلالها جزءا من غيظك وغضبك، وكلما طال الزامور كلما كان التعبير والتنفيس عن الغضب أكثر، وإذا تواعدت مع شخص ما أن يمرّ عليك ليأخذك معه بسيارته فأفضل اتفاق أن يكون بينكما زامور كإشارة وصول، وفي الأعراس لا بد من إطلاق الزوامير تعبيرا عن البهجة، وكذلك عند النجاح في التوجيهي وحفلات التخرج، أما الأندية الرياضية فهناك شيفرة خاصة بزامور كل نادي، وتستطيع أن تعرف أن نادي الوحدات مثلا قد فاز من خلال استماعك لسيمفونية الزامور التي تعتبر علامة تجارية أو ملكية فكرية للنادي، والأجمل من ذلك أنك تستطيع التعرف على أنصار ناديك من السيارات الأخرى بتزمير مقطع من هذه الترنيمة، فإذا أكمل السائق الآخر تتمة المقطع باتقان فأنت مطمئن أنه من أنصار ناديك مما يبعث في قلبك الامن والطمئنينة والزهوّ والافتخار.

 يوميا أنتظر سماع زامور عند بيتي على الساعة السادسة وربع صباحا من باص مدرسة ابن الجيران، ولغة استدعاء حارس العمارة هي الزامور ولا بدّ أن يفهمها ويخرج مسرعا وإلا فإن غضب الله سينزل عليه من صاحب الشقة، وأعود إلى الإشارة الضوئية فإن من يكون في المقدمة تجده لاهيا في الأكل أو مع الأولاد والزوجة أو مندمجا مع أغنية غير مهتم بالإشارة لأنه على يقين أن هناك سيل منهمر من الزوامير سينهال عليه عند قرب موعد فتح الإشارة البرتقالي او الأخضر.

 وحتى المارّة لا يهتمون لخطورة المشي في الشارع لأنهم متيقنون أن هناك زامور سيقيهم خطر الدهس. والزامور كذلك لغة شكر بين السائقين، فأنت تزمّر لسائق سيارة أخرى لتعطيه الأولوية، وعندما يتحرك وينجز المرور يعطيك زامور شكر، وإذا نسي أن يشكرك بالزامور فقد تتهمه بأنه قليل حياء ومروءة لأنه لم يقابل المعروف بالشكر فتندم على صنيعة المعروف مع من لا يستحق مما يستدعي أن تزمر له زامور آخر للعتب هذه المرة. إذا كان معك أطفالك في السيارة فوسيلة الترفيه والتسلية لهم هي الزامور، فيشعر الطفل أنه أنجز إنجازا عظيما، وإذا غضب الولد في السيارة وبكى فإن أفضل وسيلة لتسكيته وترضيته هي دعوته أن يزمّر كيفما شاء، وفعلا يسكت ويفرح، ويقال على سبيل النكتة أن راكبا دفع للسائق مبلغا ولم يكن مع السائق باقي الأجرة، فطلب منه الراكب أن يزمّر بالباقي. بعض السائقين يخيب أمله عندما يكتشف أن زامور سيارته منخفض وغير رنّان، فيبادر إلى تبديله، والبعض الآخر من شدة إعجابه بالزامور يضع زامور إضافي بشكل خفي، ولربما كان شبيها بزامور دورية الشرطة ليتحايل على السائقين وقت الزحام. وحتى راكب الدراجة الهوائية لا يعتبر دراجته مكتملة إلا بعد أن يضع بوق الزامور لينبه المارّة والمخالفين. حاولت أن أستقصي ظروفانتشار ثقافة الزامور، هل تنتشر في بيئة دون أخرى، بين الفقراء؟ بين قليلي الثقافة؟ بين المحرومين؟ فوجدتها عامّة عند الجميع، يمارسها الغني والفقير والجاهل والمتعلم، وتصدر من أكثر السيارات وأقلها رفاهية، لم لا وهي ثقافة ضرورية للنجاة وكسب الوقت ووسيلة فهم الآخر والتقارب معه، فإتقانها يحقق شعاري (تقارب) و (سواقة آمنة).

 أرأيتم كيف تحول الزامور إلى ثقافة، فهو لغة التواصل والتخاطب، ولغة الوصول والوداع، والتحية والشكر، والتنبيه وتنفيس الغضب، والحث على الالتزام بقوانين السير، وتسلية الأطفال وإيقاظ النائم والغافل والتعبير عن الأفراح وغيرها. فما أعظمها من ثقافة وكم هي ضرورية وملحّة. وعودة إلى السياسة من جديد، نحن شعب الزوامير فهل نتغلب يوما ما على شعب المزامير؟ قولوا: إن شاء الله.


 husseinalmajali@hotmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد