المضادات الحيوية لقتل الثورات الشعبية

المضادات الحيوية لقتل الثورات الشعبية

25-07-2011 01:19 PM


لطالما امتازت الثقافة العربية بالعديد من الميزات والتي كان لها الأثر الكبير في إضفاء الخصوصية على الأمة العربية على مر العصور...وتتعدد منابع ومكونات الثقافة العربية بين جغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية..جميعها تترابط وتتشابك في معادلة صعبة ومعقدة كان نتاجها ثقافة عربية خاصة لها سلبياتها ولها ايجابياتها..والتي لن يتسعها مقال ولا حتى الالآف الكتب والمجلدات..

وما يهمني في هذا الموضوع الكبير هو مسالة الحكم أو القيادة في الثقافة العربية...وبالرجوع إلى التاريخ نجد بان أول حكم عربي لدولة بالمعنى التقليدي هو حكم معاوية بن أبي سفيان والذي أسس لقيام أول مملكة عربية فصحيح أنه تولى خلافة المسلمين في ظروف ليس من المحبب الخوض فيها لكن تحت عنوان صون الدولة الإسلامية والحفاظ عليها إلا أنه كان على الواقع حاكما أمويا أسس لملك عضود يحكم فيه هو وأبناؤه من بعده أو من يخلفهم من عائلته، وكان هذا أول تحول لقاعدة مؤسسية الحكم في الدولة الإسلامية والتي بدئها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فكان يختار القادة والولاة على أسس موضوعيه تهدف فقط إلى مصلحة الدولة ورسخ من بعده أصحابه الأبرار هذه القاعدة، فكان معاوية رضي الله عنه أول من كسرها طبعا بحجة الحفاظ على الدولة واستقرارها وصون مصالحها العليا.

مات معاوية ومات من جاء بعده وانتهى الحكم الأموي فجاء الحكم العباسي ثم انتهى وتوالت الدول حكم يأتي وحكم يذهب ودولة تقوم ودولة تزول..والتاريخ يسجل إلا أن الثابت هو ثقافة واحدة عند العرب تحكمها الشخصنة وحب الذات والدمج بين شخصية الحاكم وأسرته ومؤسسة الحكم والدولة...وبعد فترة ركود طويلة لموضوع الحكم والقيادة لدى العرب كسر جمودها وايقض سباتها ثورات شعبية مباركة خرج فيها الناس بأجسادهم وأصواتهم مطالبين بالتغيير بدأتها تونس ثم مصر ثم اليمن ثم ليبيا ثم سوريا..والتي وبلا أدنى شك حازت من حيث المبدأ على تأييد وتشجيع كل أحرار العالم ونجاحها يمثل نجاح لكل من يحمل أشواقا للحرية والكرامة..فهذه الثورات والتي ومن المؤكد لم تكن تهدف في حقيقتها إلى تغيير الأشخاص بقدر ما كانت وما زالت تهدف إلى تغيير ثقافة الحكم لدى العرب والتي وللأسف يبدو أنها فطرية وليست مكتسبة...وما يثبت هذه النظرية هو ما يجري من أحداث على الساحة المصرية..فبعد النجاح الساحق الذي حققته ثورة 25 يناير والمستوى العالي الذي تعامل به شباب مصر وأبناؤها واثبتوا فيه حضارتهم وحبهم لبلدهم وحرصهم عليها ..بدأت في الأسابيع الأخيرة بوادر خلافات بين المجلس العسكري الطنطاوي وبعض الحركات الشبابية والتي دأبت تسعى لاستكمال ما تم انجازه من نجاحات كانت تمثل نموذجا ومثالا يتيما في التاريخ العربي لطالما كان حلما بعيد المنال عند الشعوب العربية كافة..يخاطب وجدناها ويؤنس ظلمات ليل اسود تعيشه وتنتظر انقشاعه فباتت الثورة المصرية لا تتعلق بالمصريين فقط  بل بكل العرب وانتصارها هو انتصار للشعوب العربية وفي المقابل فانتصار المجلس العسكري هو انتصار للحكام العرب وثقافتهم وهذا ما يفسر محاولات الأجهزة الإعلامية العربية والتي تعكس بطريقة مدروسة وعلى جرعات فشل وسوء الأوضاع في مصر إضافة إلى دعم مبطن من أنظمة الحكم العربية لطنطاوي وعصابته والذي لم يقدم على خطوة باتجاه الإصلاح في مصر إلا بضغط من ميدان التحرير ولا يفوت فرصة للالتفاف على الثورة إلا ويغتنمها شر اغتنام تحت حجج وعناوين واهية ومبتذلة لم تختلف عن حجج الأنظمة العربية في ترسيخ حكمها وإضفاء الشرعية عليه تحت مسميات الاستقرار والسلم الأهلي والوحدة الوطنية ومقاومة العدو الإسرائيلي والصمود ...والتي هي في حقيقتها مضادات حيوية لقتل الحرية والديمقراطية والثورات الشعبية.


Alnashmi_qais@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد