روايه :" مرايا ابليس " روايه سياسيه بامتياز

mainThumb

31-07-2011 11:52 PM

منتصف ليلة البارحة اتخذت قراري بتفجير رواية "مرايا ابليس" وذلك بأن أطوقها بحزام ناسف من بارود الوجدان, وقد فعلت. وتفجير رواية مفخخة بالوجع والأحزان والمعاناة هي من ضمن مهامي كروائي يتقن جيدا كيفية فك لغم الأحزان في رواية ما.
   في البدء, أنا لا اعرف كاتبة الرواية واسمها منى الشرافي تيم, وكل ما لدي من معلومات عن هذه الرواية أنها تتحدث بإسهاب عن الإرهاب وعن أحداث 11 سبتمبر, وأن الكاتبة كانت تتحدث في سردها لأحداث روايتها بلسان إبليس, وهذا ما استقيته من معلومات صحفيه هنا وهناك كانت قد قيلت عن تلك الرواية وكان هذا قبل قراءتي لها, وبالطبع هذا مما شدني للقراءة والتمعن جيدا في نصها الأدبي مضمونا وفكرا وأسلوبا.
عندما بدأت السباحة في بحر الحبر الذي خلقته الروائية منى تيم على شاكلة حروف وكلمات كانت تشكل التكوينات الأولى لسفينة ورقيه اسمها "مرايا إبليس" أدركت بعض الشئ أن الرواية ستكون عاديه نظرا للرمزية المفرطة لشخوص الرواية: شايلوك, جونز.....الخ والرمزية الواضحة حتى للأمكنة : مملكة بلاد الشمس, القصر الأبيض, ارض القمر....الخ, كان هذا في العشرون صفحه الأولى, ولكن الحال بعد ذلك انقلب رأسا على عقب. لقد أصبحت السباحة الذهنية في مجريات السرد الروائي أقوى بكثير من عضلات الفكر فالسرد في بدايات الرواية جاء ناعما هادئا وكأنه نزهه في يوم مشمس, وهذا مما يشجع القارئ على تناول كرز الكلمات التي كانت ترمي بها الروائية منى تيم على صفحات الرواية هنا وهناك, وقد استخدمت بحرفيه واضحة السرد الروائي المتمهل كطعم ليصل القارئ إلى فخ الوقوع في مخالب التشويق والذي افترسني كقارئ للرواية بلا رحمه. عندها شعرت أن الإفلات من هذه الرواية ليس بالأمر السهل, وهذا يسجل كنقطة إبداعيه للكاتبة وبحرفيه فيها شئ من المكر, ولكي أوضح ما اعني فالرموز واضحة وهي : إسرائيل وأمريكا وجورج بوش وحاشيته وصدام حسين وبن لادن. إن وضوح هذه الرموز يدفع القارئ في البدء لتساءل ماذا قدمت هذه الكاتبة من جديد ؟؟
وبالطبع يتزامن هذا التساؤل مع بداية جريان السرد السريع على ارض الورق حيث القارئ يظن  للوهلة الأولى أن الرواية عاديه, ذاك انه في حقيقة الأمر كان قد عاش سابقا أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من أحداث تاريخيه على ارض الواقع, حيث شهدنا جميعا احتلال أفغانستان واجتياح العراق أيضا.
السرد والتشويق بعد الصفحة الأربعون يبدآن بالهطول على ارصفه ذهن القارئ زخات زخات, ما تلبث أن تحدث تلك الزخات السردية عاصفة من مطر التساؤلات الهائجة, فالقارئ أي أنا يتشوق لأن يعرف ماذا ستقدم الكاتبة من جديد فيما يتعلق بمصير الخلية الإرهابية التي أرسلها علي بابا والمكونة من سندباد وغول وشاطر وعفريت, ذلك أن مصيرهم بالنسبة لي كقارئ لأحداث 11 سبتمبر هو الاصطدام بأبراج نيويورك بطائرات مخطوفة. وهنا تبدأ الكاتبة بإجراء أول صعقه كهرباء إنسانيه في خلايا ذهن القارئ وذلك عن طريق افتعال صراع نفسي داخلي مرير يعيشه سندباد احد إفراد الخلية الإرهابية مع زوجته كارمن, فكلاهما مسالم ولا يؤمن بشرعيه قتل الأبرياء.
بالنسبة لي, عشت عقدة الصراع هذه وأظن إنني بدأت أتعايش مع سندباد وهو شخص من شخوص الرواية, وفي تلك الصفحة تحديدا أؤكد بأن الكاتبة قد وضعت جرعة إنسانيه مركزه من إكسير السلام والممتلئ به ضمير تلك الكاتبة.
بعد ذلك تخرج الرواية عن طوع القارئ, وتبدأ مرحلة الغرق القسري في أعماق الكاتبة بعدما كانت وكأنها سباحه استجماميه في يوم مشمس, لكنه غرق جميل يعاني فيه القارئ من سكرات الصراع الإنساني العنيف والذي تبدو معالمه واضحة في سلوك وتصرفات شخوص الرواية جميعا. لقد أبدعت الكاتبة الروائية منى الشرافي تيم في وخز القارئ بالصراع, وهو عنصر مهم في الرواية, فالصراع اشتعل كالنار في موقد ممتلئ بالحطب. الموقد هو راويه "مرايا إبليس" والحطب هو أنا القارئ, والنار التي اشعلتني هي الصراع بين إبليس وضحاياه.
ليس ذلك فحسب, بل إن الكاتبة تتحكم بالقارئ وكأنه دمية متوهجه بالحياة وذلك بأن تقلبه بين آمال وأحلام ساكني تلك الأبراج. أولئك البؤساء بمختلف شرائحهم وعقائدهم ودياناتهم تارة, وبين الروح العقائدية الظلامية للخلايا الإرهابية تارة أخرى. بالفعل عنصر الحياة في تلك الرواية عجن أحاسيس القارئ بمصير الشخوص في الرواية, وهذه مهارة فنيه عاليه في كتابة الرواية ربما لا يتقنها إلا القليل.
   تستمر الرواية في سحقها المتواصل لأرصفه الذهول مترامية الأطراف في عوالم القارئ, ولكنها لا تكتمل تحطيما وعذابا إلا بقصه حب سندريلا وعلاء الدين, وتراجع سندباد عن فعله الإجرامي المزمع. إنها بحق لوحه إنسانيه رسُمت بألوان القلب حيث تبدوا البراءة على حقيقتها, وكأنها ملكة جمال فاتته لا يمكن لها أن تشيخ. بالطبع, براءة الحب الصادق بالرغم من رائحة عفن الواقع. وبراءة السلام بالرغم من اهتراء جدران الضمائر الميتة. سندريلا التي تنشد الحب وسندباد الذي ينشد السلام, كلاهما فيهما شئ من تلك البراءة والتي لا تنبت شجرتها إلا في ارض الضمائر الخصبة بالحب والسلام.
في الثلث الأخير من الرواية تتكشف الأحداث ببعد إنساني مدهش وتصبح عمليه الغرق في بحر الشعور الداخلي للكاتبة شيئا مذهلا جدا, حيث يرى القارئ ألف محارة من محارات الإنسانية الخالصة, وألآف الهكتارات من مرجان الأحلام المنمقة الجميلة اللذيذة, إذ تختلط المشاعر الجياشة المتوهجة كالذهب بالأحاسيس النقية الصافية كالثلج.
    تلك الروائية الشابة أتقنت وبإبداع كبير مزج صراع الخير بالشر معا من حيث الحدث والعقدة والحركة وبقالب واحد, لدرجه أنني كقارئ شعرت أن هناك حربا بين الشياطين والملائكة, بين الأبيض والأسود, بين الليل والنهار, لقد أوصلتني تلك الرواية إلى درجه الانفعال والانحياز إلى بعض شخوصها دونما علم مني.
     في الثلث الأخير من الرواية انفجرت أنا كقارئ للنص الأدبي كما انفجر برج التجارة العالمي, انفجرت حزنا ووجعا وألما على مصير الضحايا وعلى الصراع العقائدي الطائفي الديني العقيم والقذر والذي تحركه فنئه ضالة في هذا العالم. لقد انفجرت ألف مرة ومع كل انفجار شعوري داخلي تُحدثه تلك النصوص الأدبية التي كُتبت في أبراج ضميري العربي الحر اتشظى لكنني لا اسقط, فالذي يقرأ هذه الرواية السياسية لا يسقط, لأن شظايا أوجاعه تلك ما تلبث إلا أن تكون مشروع برج إنساني شامخ أطول بكثير من برج التجارة العالمي.
   الربع الأخير من الرواية يكاد يكون ملحمة أدبيه إنسانيه كبيره, لقد صورة الكاتبة بإتقان مشاهد الموت المجاني, ومشاهد قتل الإنسان لأخيه الإنسان. لقد ارتكبت منى الشرافي تيم بحق  بحيرات عيوني كقارئ للنص مجزرة دموع كبيره هيمنه على مملكة إحساسي بأصابعها - أي أصابع الكاتبة - التي كتبت هذه الرواية عندما علمت بأن علاء الدين لم يزل على قيد الحياة, وكان هذا ذروة الحزن والعقدة في الرواية ولكنها بحق كانت دموع فرح عظيم وانفراج مفاجئ في مصير شخص مهم من شخوص تلك الرواية.
بالفعل إن قراءة تلك الرواية جعلني اشعر كما لو أني أقف أمام مرآة من حبر و ورق, الفرق أن تلك المرآة لم أرَ فيها نفسي, بل رأيت فيها الروائية منى الشرافي تيم  بأوجاعها وفكرها وتسامحها وموهبتها, ولذا أنا أقول وبلا أدنى شك بأن هذه الرواية هي رواية سياسيه ناجحة بامتياز وتستحق القراءة. علاوة على أنها كتبت بقلم جرئ يؤكد بأن الكاتبة ليست من أولئك المرتزقة اللذين يتسلقون جدران أوطانهم وجدران دياناتهم من اجل الحصول على حفنة دولارات ملطخه بجرذان منتصف الليل, أو للحصول على زر قميص في إحدى الوزارات.
الروائية منى الشرافي تيم كاتبه حرة تكتب بقلم حر ولديها ضمير حر, وروايتها هذه تندرج ضمن الأدب السياسي, وقد أثمرت قراءتي لصفحات تلك الرواية كاملة بأنه يوجد في عالمنا العربي نموذج للمرأة العربية المثقفة المتسامحة الواعية الراقية المدركة لمشكله إرهاب الدول, وما يعرف حاليا بصراع الحضارات.


الروائي والكاتب
أكرم خلف عراق
Akramiraq77@yahoo.com 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد