تردي الحال العربي

mainThumb

24-09-2011 03:52 PM

 لم تزل الدول العربية تشكل منطقة تجاذب نفوذ لقوى إقليمية وللقوى الدولية التي تكاد تتوطن في مراكز الثروات الطبيعية التي تكتنزها الجغرفيا العربية , منذ اكتشاف الثروة البترولية في جوفها , وليس في ذلك من غرابة أو مما هو من غير المتوقع .

 ومع أن المرحلة الناصرية التي اشتدت به عزائم المشاعر القومية العربية وأنشطة القوميين الوطنية الساعية الى التحرر من ربقة الاستعمار شهدت ندية في المواقف العربية لمحاولات القوى الإقليمية التي تمثلها تركيا العضو في حلف الناتو , والتي تقيم علاقات تعاون يشمل التعاون العسكري مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين , والشاه "الامبراطور " الذي لعب دورشرطي الخليج العربي منبع الثروة البترولية ومصدرها محافظاً بذلك على مصالح الدول الاستعمارية الغربية والأميركية , وللمواقف العدائية السافرة للدول الغربية الاقتصادية والاعلامية والسياسية المدعومة من مجموعة " الدول العربية الصديقة للغرب والتنظيمات المعادية للفكر القومي بالضرورة العقائدية ".

ودامت هذه الندية حتى منيت الدول العربية بهزيمة الرابع من حزيران عام 1967 التي أفرحت أعداء الأمة الأجانب وأدخلت البهجة الى قلوب المعارضين , ومنهم من شكر الله بالصلاة لهزيمة مصر , وفرح لهزيمة سوريا في تلك الحرب.

 ومنذ ذلك الزمان ,أصبحت ثغرات اختراق " الإرادة الوطنية التحررية لدى الحركات الشعبية العربية " أكثر اتساعا ً وأيسر طريقا ً عندما استسلمت أنظمة وتيارات سياسية عديدة الى منطق المهادنة مع القوى الخارجية ومنافقتها تحقيقا لمكاسب محدودة في الادارة وفي السياسة . ومنذ ذلك الزمان , والقوى الإقليمية تزداد قوة , وتتفق قواها السياسية , وتتوافق على عمليات البناء والاصلاح بالطرق الديمقراطية السلمية وتتماسك وحدة أقاليمها المتعددة والمتنوعة في انتماءاتها القومية والدينية والعقائدية والسياسية والثقافية واللغوية ( تركيا اليوم تسعى إلى أخذ الى إلى أن تكون صاحبة الدور القيادي في الإقليم مدعومة بالطبع بعضويتها بحلف شمال الأطلسي , ولا تعترض القوى الدولية على ما تقوم به من غارات جوية وانتهاك الحدود البرية العراقية بقوات عسكرية تعمل على قتل الأكراد المنضوين مع الحركات التي تقاتل القوات التركية وغير المنضوين منهم , وكذلك تفعل إيران , والحكومة العراقية عاجزة عن أي فعل , والعرب الحكومات منهم والقوى السياسية مغمضمو العيون وفي آذنهم صمم على الرغم من مخاطر ذلك على أراضيهم وسيادة أوطانهم , حيث سيصحو الضمير العالمي فجأة للمطالبة بحق الأكراد في قيام دولتهم المستقلة , التي بدأت بذور نشأتها في العراق ), والقوى العربية بتياراتها وأحزابها وجماعاتها تستمر بضراوة أشد في تنافرها وتصارعها وتناقض مواقفها إزاء كل القضايا الوطنية وإزاء هموم المواطن المعيشية والأمنية .

 فاتسعت أحداث الفتنة الطائفية العرقية في مصر والعراق , وانفك جنوب السودان عن شماله , وما زال السودان مهددا ً بمزيد من التفكك .

وعندما نجحت ثورة تونس السلمية ضد النظام الفاسد ,لتسجل أملا ً لمرحلة تحرر من النظم الدكتاتورية الفاسدة , لحقتها ثورة مصر , فإذا بكلا الحركتين تؤكد على اتفاق الحراك الشعبي على" ما لا يريد " وإنه لم يتفق على ما يريد ( كما أشار الى ذلك الصحفي المصري ابراهيم عيسى ) . ويتحول الحراك الشعبي في اليمن الى مسابقة تحطيم قوى وتكسير أذرع بين قوى السلطان وقوى الحراك ! وإذا بالحراك الليبي بتحول من صراع " التحرر من الاستعمار الى صراع التحرر بالاستعمار " الذي كلف ليبيا عددا ًكبيرا ً من الضحايا ومن الخسائر المادية الضخمة في بناها وفي ثرواتها والتي تأتي كنتيجة طبيعية لتدخل قوى الدول الاستعمارية عسكريا ً بحجة حماية المدنيين , فضاعفت أعداد قتلى المدنيين عشرات المرات, وكبدت الليبيين خسائر بآلاف المليارات ستقوم هي بالطبع بإعادة بناء ما تهدم , بل لنقل ما هدموه بتعمد وفجاجة.

ليس من جيش وطني من يقتل شعبه , وليس من شعب من يقتل جيشه , فالصراع مع القيادات الطاغية يكون بين أعداء الطاغية وبين مناصريه المتكسبين من عطاياه , ولكن طغيان التدخل الامبريالي بقواه الاعلامية والعسكرية هو الأشد فتكا ً وهو الخطر الذي لا تزول أضراره إلا بعد حقبة طويلة من الزمن والجهد الوطني المتنور بالوعي بقيمة الاستقلال الوطني, وليس بمكاسب السلطة المسيرة .

وإذا( بديمقراطية) الحراك في سوريا ترفض التفاوض والبحث في أمور الإصلاح وتأخذ (بديمقراطية الدم والقتال ). وهكذا أخذ الصراع الدولي والإقليمي بين القوى الغربية ذات التاريخ الاستعماري العتيد , والقوى الإقليمية تجد في الأرض العربية مسرحا لتناطحها وتناحرها وتتسابق في اطلاق التهديدات والاعلان بصلافة عن حقها في التدخل المباشر في شؤون بعض الدول العربية , وتقف بعض الدول الأخرى العربية موقفا تبعيا مؤيدا ً ومساندا ً للقوى الخارجية لا استساغة لأهداف قومية فيها مصلحة عربية بل مع الأسف بدوافع خلافية ستنعكس على اللاعبين بها والمسببين كلهم دون استثناء , لإنها لعبة " الجميع فيها على المدى الطويل خاسرون " وإن توهمت بتحقيق مكاسب آنية . نأمل في كل الأحوال و أن يكون هذا التردي قد نشأ عن حقبة تاريخية تنهيها رياح الثورات الشعبية الواعية لمصالح وطنها , والمدركة لحركة التاريخ الذي تصيغه برامجها , والقادرة على إدارة الإصلاح والتغييرنحو قيم الحرية والتعددية والديمقراطية.

samiremeish@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد