اتجاه بوصلة العلاقة بين التربوي والسياسي

اتجاه بوصلة العلاقة بين التربوي والسياسي

01-10-2011 03:11 PM

يتزايد الاهتمام بالتربية و التعليم في الدول قاطبة باعتبارها إستراتيجية Strategy ) )  و مصلحة وطنية عليا ، حيث يعد  النظام التربوي الركيزة الأساسية والقلب النابض لأنظمة المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. فالتربية هي عصب الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدول كافة حيث تهدف إلى صناعة الفرد وإعداده إعدادا جيدا وفق معايير ومقاييس محددة.

تتعدد دلالات وأبعاد المقصود بالسياسة و علاقتها بالمؤسسات  التربوية و التعليمية ، فهي قد تعنى السياسة العامة ( Public Policy ) وقد يتسع مفهومها ليشمل مجمل السياسات العامة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية ودفاعية وأمنية .

لقد استخدم مجموعة من الفلاسفة من ذوي الارتباطات بالنخب الحاكمة التربية و التعليم  لخدمة أغراض وأهداف سياسية تنسجم مع رؤية النظام الحاكم ( Ruling Regime )   وتوجهاته ومبادئه . فعلى سبيل المثال ،  عمد أفلاطون إلى  تأسيس نظام تربوي يهدف إلى تثبيت الأوضاع الطبقية في مجتمعه عن طريق التنشئة السياسية المبكرة وذلك بتعليم المواطنين حسب طبقاتهم، وأن يتقبلوا أدوارهم المناسبة في المجتمع، وأن يعملوا وفق اختلافاتهم الفطرية التي تتلاءم مع مختلف الوظائف. ورأى روسو أن التربية وحدها هي التي تتيح قيام عصر جديد، وأن أي إصلاح في المؤسسات الاجتماعية والتقاليد ينبغي أن ينطلق من إصلاح التربية، وأن العالم الجديد الذي يود بناءه يحتاج إلى إنسان جديد. ويقول  أوبير " لا ثورة في الدولة إن لم تسبقها ثورة في التربية ". ويعتقد  بستالوتزي إن هناك  تواصلا بين المسألة الاجتماعية والمسألة التربوية والمسألة السياسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه من يقود من ؟ السياسي أم التربوي ؟ من المفترض أن يقود التربوي السياسي وذلك لأن التربوي هو الذي يتتلمذ على يديه السياسي ، لكن على أرض الواقع ، السياسيون هم الذين يقودون التربويين بصرف الطرف عن خبراتهم و درجاتهم الوظيفية و مؤهلاتهم العلمية .

وبحجة إن التربية شأن عام يلم به رجال المهنة وغيرهم ،   يتحكم بها رجال خارج المهنة و خاصة الساسة ، بل يعين أحياناً  وزير ليس له أية صلة من قريب أو بعيد بالتربية و التعليم ، و المبرر الجاهز دوماً     و أبداً بأن منصب الوزير هو منصب سياسي Political Post ) )  ، والذي يدير الوزارة هو الأمين العام أو وكيل الوزير كما يسمى في بعض الدول ، لا أعرف ما أساس هذه  الحجة الواهية ؟ المخيف في الأمر و الذي يخشى منه هو وضع مصير التربية و التعليم بين أيدي السياسيين الذين تحركهم هواجس غير تربوية، بل أحيانا أمنية ، وهم بالتأكيد لا يدركوا مشكلات و معضلات وقضايا  التربية و التعليم إلا من خلال ما يقال وما يسمع، وهم  منفصلون تماما عن المجتمع وحاجياته، قابعون في مكاتبهم الفخمة  وعيونهم على مساعدات ومنح مالية تقدمها منظمات الدولية من المنطقي أن يكون لها أهداف مشبوهة .

قد  تبتلى التربية و التعليم برجال لا يفكرون في الإصلاح ( Reform ) والتحديث و التطوير والتغيير إلا من خلال ثقافة أجنبية دخيلة  والكل يعلم ما للتربية من خصوصيات محلية ، و كأن الثقافة  و التراث الوطني لا يليق بهما أن يكونا أساسا ومنطلقاً للإصلاح. وقد يحث التطوير من خلال ما يعرف بالمزاجية السياسية. فكم من مشروع مستورد طبق في الوطن باء بالفشل الذريع ، و السبب في ذلك أنه أخذ عن بيئته الأصلية  دون تعديل أو تكييف ودون مراعاة للخصوصية الوطنية و الظروف المحلية والعوامل الاقتصادية المصاحبة.

وقد لا يدرك رجال الساسة إن هناك كثير من القيم بحاجة إلى اجتثاث ، قد لا يدركوا إن كثيراً  من  أمور الوطن تدار بالرشوة التي تسمى إكرامية والواسطة التي تسمي خدمة ، لا يعي رجال الساسة أننا أصبحنا نعتز بخرق القانون و الأنظمة و التعليمات ، لا يدركوا إن التهرب من المسؤولية أصبح يسمى شطارة ،  على السياسيين أن يدركوا- إذا ما أرادوا  إصلاحاً -  إن عملية التنشئة السياسية الحقيقية  تبدأ في المدرسة حيث  يربى النشء   في مرحلة الطفولة على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار والمشاركة والتعاون والانتماء و العدالة و الشفافية  .مما يؤدي في النهاية  إلى بروز ثقافة سياسية تتكفل ببناء الوطن على أسس سليمة .

أن التربية هي عمل سياسي ، غاياته جلية واضحة لصانع القرار السياسي . وبالرغم من هذا الوضوح ، إلا أن الأهداف قد لا تكون واضحة للذين لا يتمتعون بحس سياسي يمكنهم من التعرف إلى  دلالات وأبعاد ما يقومون به من عمل ربما يتجاوز حدود خيالهم و تصوراتهم . إن كل من يتصور حيادية التربية يغالط الحقيقة أو لا يود أن يقر بها، إما لجهل أو سذاجة أو كلاهما معا، فالتربية شئنا أم أبينا ورغم أنوفنا ، عمل سياسي له تصوراته وأفكاره ورؤاه التي يود أن يمررها ويكرسها ويوظفها صانع القرار السياسي  خدمة لعقيدته أو إيديولوجيته وتوجهاته و مبادئه.

 إن علاقة التأثير والتأثر بين التربوي  والسياسي علاقة جدلية فكل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر. وتؤثر ظروف الزمان والمكان والقوى الثقافية والسياسية السائدة في تحديد طبيعة هذه العلاقة ولكن تظل التربية في كافة الأحوال ممارسة غير محايدة من المنظور السياسي. فهناك بعد عقائدي أو سياسي أو إيديولوجي إن شئت يقف خلف كل تربية بغض النظر عن طبيعتها وخصوصيتها وغاياتها . إذا أردنا التربية البناءة علينا أن نبذل جهوداً  جبارة و مضنية في ملاحقة الحلول خارج دائرة القرارات السياسية الفوقية .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد