كيف تموت الاخلاق في ليبيا ؟

mainThumb

10-10-2011 09:43 AM

تقول الاسطورة اليونانية بان البشر كانوا يعيشون في راحة وهناء، وذات يوم قام كبير الالهة زيوس باهداء "باندورا" صندوقا فيه كل شرور العالم وطلب منها ان لا تفتحه، ولكن الفضول دفع باندورا لفتح الصندوق فخرجت منه كل الامراض و الآثام والشرور من جشع ونفاق وحقد، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد وجوع وفقر وظلم وملأت الارض، وهنا أسرعت باندورا لإغلاق الصندوق الذي لم يبقى فيه إلا صفة واحدة وهي " الأمل."

كل الاهوال والمصائب التي انفلتت في ليبيا تذكرنا بهذه الاسطورة، فقد فتح صندوق باندورا في مدينة بنغازي التي اصبحت بؤرة الشرور التي انطلقت منها كل الشرور لتعم ليبيا جمعيها، حيث اصبحت هذه المدينة بين يوم وليلة سوقا للقتل والاجرام والحرق والتنكيل والمخدرات والاغتصاب والدعارة وتجارة البشر.

وقد كان الكذب هو سيد الموقف وله انصاعت كل الشرور، سيل جارف من الاكاذيب والافتراءات التي روجت لها وسائل الاعلام والتي لم تتوقف لهذه اللحظة. اما بعد احتلال ليبيا فقد انطلقت العصابات المتمردة وبدات تمارس هواياتها الاجرامية من سرقة ونهب للمتلكات العامة والاعتداء على البيوت، والانتقام وتصفية المؤيدين والتنكيل بهم ، حتى المدن التي سلمت نفسها لم تسلم من الاعتداء عليها من نهب وسلب واغتصاب.

هذا بالاضافة الى جرائم الابادة التي ينفذها حلف شمال الاطلسي والذي تقصف طائراته كل مظاهر الحياة في المدن الليبية، وقد بلغ القصف والتدمير ذروته في استهداف مدينة "سرت " التي تتعرض للابادة وتعاني الجوع ونقص العلاج حتى وصل الامر بالاهالي المحاصرين الى مناشدة علماء الامة الاسلامية في الاستفتاء بشان اكل لحوم الكلاب والقطط والجيفة، وكل ذلك لم يحرك ابناء جلدتهم الذين يشاركون في ابادتهم ولم تتحرك اي دولة عربية تجاه ما يجري.

 لقد اشارت تقارير لجان تقصي الحقائق الى وجود انتهاكات وجرائم خطيرة خصوصا في الفترة الاولى للاحداث في ليبيا من قبل متمردي الناتو من قتل وحرق وتمثيل بالجثث، وتصفية لذوي البشرة السوداء بحجة انهم مرتزقة للقذافي، بالاضافة الى حالات الاغتصاب الجماعي في مصراتة وبنغازي، وتحدثت تقارير اخرى صادرة عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش عن الانتهاكات الخطيرة وجرائم الحرب التي تمارس ضد المدنيين المؤيدين للقذافي او الذين خرجوا بمظاهرات مؤيده، لكن كل هذه التقارير كانت مغيبة وخافتة الصوت ولم تحظ بالاهتمام الدولي في مجال حقوق الانسان.

أسموها ثورة وهي ان كانت ثورة فهي " ثورة بلا اخلاق"، ثورة اتخذت شعارا شيطانيا وهو " من ليس معنا فهو ضدنا " وعليه فلا يحق لاحد في نظرهم ان يكون مترددا او بين بين او محتارا او متجنبا للفتنة، ان هذه المقولة تتيح اسكات اية اصوات اخرى وتبيح التنكيل بها واضطهادها وملاحقتها ، وهذا ما حصل بعد اجتياح مدينة طرابلس من قبل متمردي الناتو، فنحن نرى كيف تموت الاخلاق العربية والاسلامية والمواثيق الدولية في ليبيا. تموت الاخلاق في ليبيا عندما تتواطيء دول عربية مع المستعمر على تدمير بلد عربي. تموت الاخلاق في ليبيا عندما يبتهج البعض لقصف ليبيا واحتلالها.

تموت الاخلاق في ليبيا عندما تمارس كل الجرائم على جماعة لان لها وجهة نظر مختلفة. تموت الاخلاق في ليبيا عندما تصبح مرتعا لبيع الاسلحة والمخدرات وتجارة البشر. تموت الاخلاق في ليبيا عندما يقدم الليبيون على انتهاك كل المحرمات للانتقام من خصومهم. تموت الاخلاق في ليبيا عندما يصبح رجال الدين دعاة للفتنة والاحتراب وصيحات التكبير ملازمة لكل ما هو قبيح .

 تموت الاخلاق في ليبيا عندما يُطارد الاحرار والشرفاء ويصبح الخونة والعملاء هم اسياد الموقف. تموت الاخلاق في ليبيا عندما يصبح الكذب هو الركيزة الاساسية للاعلام الدولي. تموت الاخلاق في ليبيا عندما تعجز دول عربية عن توفير حق اللجوء والجوار لليبين الاحرار. وتموت الاخلاق في ليبيا عندما لا تراعى حرمة الموتى والاطفال والنساء والضعفاء. ان ما يحدث في ليبيا خرج عن اطار المعقول ولم يعد يتقبله اي عقل، بسبب كذبة كبيرة تحولت ليبيا التي كانت تعد من اكثر الدول نماء ورخاء الى عالم يحكمه الخراب والجنون المطبق . لقد تآمر على ليبيا الانس والجان والشجر والحجر ، كل الموبقات والرذائل والجرائم تمارس على هذه الدولة بطريقة ممنهجة ومعده مسبقا، وكل هذه الجرائم تتم تحت تعتيم اعلامي خانق وتواطؤ دولي وتخاذل عربي .

تمتاز المؤامرة على ليبيا بتنوع اساليبها، وبتعدد خيوطها، وبسرعة وتيرتها، وتتابع احداثها المتلاحقة التي تعمل على احداث الصدمة لدى المتابع وتفقده القدرة على استعياب الاحداث الجارية، وذلك بغرض فرض الامر الواقع الجديد بكل همجية، وشل الروح المعنوية للسكان، واحراز اعمق اختراق في الجسد الليبي في فترة قصيرة للقضاء على كل مقومات الدولة واغراقها في حرب اهلية . الحرب على ليبيا لا تقتصر على تدمير كل اشكال الحياة المادية والانجازات التي تمت خلال عقود طويلة، ولا تقتصر ايضا على الاستئثار بالنفط، بل تهدف الى تفكيك منظومة القيم والاخلاق، وتدمير البنية الثقافية للمجتمع واستخدام الدين وتشويهه وتعزيز حالة التشظي والفوضى ، الذي يؤدي الى حالة من السقوط الثقافي والحضاري والانهيار القيمي والاخلاقي، فتكون النتيجة المطلوبة حالة من الضياع والتيه وفقدان الامن والثقة والايمان والثوابت ، وهكذا يتم تحطيم الانسان ليصبح عرضة للانهيارات النفسية والاخلاقية والانسحاب والسلبية والتطرف والاجرام والكثير من الامراض النفسية والاجتماعية التي تؤدي لنخر المجتمع من داخلة ، وبناء عليه يصبح المجتمع مهزوما ويسهل تفكيكه والاجهاز عليه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد