وزاراتنا و المستشارون

وزاراتنا و المستشارون

17-10-2011 07:07 AM

يعود تاريخ وظيفة المستشار إلى الزمان الغابر السحيق ،  وكانت مهام المستشار في بلاط الملوك و السلاطين والقياصرة تنحصر في تقديم النصح و المشورة في الغالب الأعم   ، لكنه كان صاحب التأثير الأكبر في سياسات الحكم ، تأتي أهمية وظيفة المستشار كونه يحول دون التسلّط والاستبداد ، إلى جانب الانفتاح على أفكار الآخرين والتوصّل إلى الأساليب الناجعة و الحلول الإبداعية للتعامل مع بعض الأمور ، أضف إلى الشمولية التي تشهدها كلّ يوم القضايا السياسية والثقافية والتربية والاقتصادية والصناعية وغيرها ، الأمر الذي يجعل استحالة فهمها من أي إنسان ، وبالتالي لا مناص من استشارة ذوي الخبرة والاختصاص ، وأخيراً ، محدودية قدرات الإنسان مهما امتلك من قوّة عضلية وفكر جبّار وذكاء حادّ مقارنة بالآخرين. ويؤكد الشرع الإسلامي على إن الاستشارة عين الهداية ، حيث قال صلى الله عليه وسلم حاثاً وحاضاً على الاستشارة: "لا خاب من استخار ولا ندم من استشار"، و يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه  « مَن استبدّ برأيه هلك ، ومَن شاور الرجال شاركها في عقولها».

يجب أن يكون المستشار من  ذوي الكفاءة والخبرة والتخصص  في مجال معين ، و من صفات المستشار  الأمانة و العلم بما يستشار به لآن المستشار مؤتمن و لكن ليس لديه صلاحيات إدارية ، من واجبه  إعطاء الآراء وإجراء  الدراسات و الأبحاث . إن الغايات المقصودة و الأهداف المنشودة من عمل المستشار هي  تقديم المعلومة الصحيحة الدقيقة في الوقت المناسب لصاحب القرار، و طرح الخيارات لصانع القرار ، بما في ذلك شرح أبعادها  على المدى القصير والمتوسط و البعيد . أي أن المستشار يتركز عمله في إبداء الرأي والمشورة التي يجب أن تتميز بالوضوح والشمول والدقة ، كما يجب أن تتسم بالإبداع والتجديد ، وإن تكون بعيدة كل البعد عن الخيال غير القابل للتطبيق .

في عالمنا  العربي  لا يوجد دور مباشر أو غير مباشر للمستشار في تحسين أداء أصحاب المعالي و السعادة و العطوفة ،  وجوده لا  يفيد وغيابه لا  يضر ، صلاحياته متواضعة إن وجدت ، و الشعار المرفوع دوماً هو المستشار لا يستشار ،  لا يعرف دوره الحقيقي في وزارتنا و مؤسساتنا . و الغريب في الأمر إن وظيفة مستشار لا تدخل ضمن الهرم التنظيمي للوزارات  بل هي درجة منفردة بذاتها ، علماً من المفترض أن تستند هذه الوظيفة إلى أن رؤية المستشار يجـب أن تسبـق رؤى الوزير  بحيث يرى ما لا يراه ، ويتوقع المشكلات ويضع حلولاً لها، ويقدم نموذجاً استرشادياً للوزارة  كي تسير عليه. و من المفترض أن تلجـأ الوزارة  إلى مستشاريها لوضع حلول جذرية لهذه المشكلات التي يمكن أن تضرّ بأعمالها أو تغيير إدارتها والدخول في عدم استقرار إداري، حيث تعاني  المؤسسات العربية من أزمات إدارية بامتياز.

           يوجد أرتال من المستشارين في مختلف وزارتنا ، فمن جهة يتم تعيين الكثير منهم بقصد التجميد و الإبعاد عن ممارسة مهام معينه إذا لم ينل رضا أصحاب المعالي و السعادة ،  و من جهة أخرى ، إذا فشل المسؤول  في إدارة دائرته أو ارتكب مخالفات  إدارية  أو ماليه لا يحاسب على فساده وإنما يتم إعفاءه  من منصبه ووضعه مستشار وركنه في مكتب لكي يتصفح الجرائد ويجري اتصالاته الخاصة .

لا يوجد للمستشارين  توصيف دقيق لطبيعة أعمالهم ، ولا يوجد رغبة حقيقية  في الاستفادة الفعلية من تجاربهم إن وجدت ، وفي معظم الأحيان  لا يكون  القصد وضعهم  في موقع أكثر تفرغاً وإبداعاً و أنما القصد الحقيقي هو  إبعاده عن الموقع الذي كان يحتله بطريقة مقبولة وظيفياً.. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة سهولة إنشاء وظيفة المستشار فهذا مستشار لشؤون الميدان و ذلك مستشار لشؤون التطوير المؤسسي  وهذا مستشار لشؤون المحافظات و هكذا . 

وقد لوحظ أيضاً في وزاراتنا  إسناد المهام التنفيذية للمستشارين ،وهذا لا يجوز  لأن ذلك يلغي ، في كثير من الأحيان، حيادية المستشار ونزاهته في تقديم المشورة الصحيحة المخلصة ، بسبب تعارض المصالح بين تقديم المشورة و القيام بالعمل التنفيذي.. هذه الظاهرة نلحظها بالذات حين يأتي الوزير من خارج الوزارة ويرغب في تجديد بعض القيادات الإدارية من حوله، وتقريب بعض الكفاءات من خارجها.

من المفترض أن تكون كلمة المستشار  كلمة مهيبة و وقورة ، ورغم المهابة  التي  تحظى بها ، فإنها تبقى وظيفة مجهولة المعالم ، رغم أنه لا تخلو أية وزارة  من وجود مستشارين و بأعداد كبيرة ، لقد تجاوزت هذه الوظيفة هدفها الموضوعي العملي والعلمي . مع وافر التحية و التقدير و الحب لأصحاب المعالي و السعادة و العطوفة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد