الحج ركن متميز

الحج ركن متميز

14-11-2011 08:46 AM

الحج ركن متميز اكثر من ثلاثة ملايين حاج، من اكثر من مئة دولة، يتكلمون مئة وأربعين لغة، ينحدرون من مئة الف عشيرة، وأكثر من نصف مليون فخذ، بينهم من الاختلافات والتناقضات ما لا يمكن حصره إلا أنهم التقوا نحوا هدف واحد وهو طلب الرضى والمغفرة.


ما الذي جمع العربي والصيني والكيني والأمريكي والسويدي وغيرهم في صعيد واحد ومن يستطيع غير الإسلام ان يجعل أقدامهم تتزاحم لتبحث عن موطئ، يلتصقون ببعض بكل رضى وتراحم وقبل ذلك بأيام كانت المساحات الواسعة لا تستوعب احدهم وربما كانوا يقاتلون ليحظى احدهم بجزيرة او فلاة اما في الحج وفي الحج وحده فأن المتر الواحد يتسع لعدد من الاشخاص لا تربطهم صله دم او رحم.


من الذي وحد لغتهم ونسخ من ذاكرتهم اللغة الأم وأبجدية الحروف لتختزل اللغات جميعا بلا اله إلا الله وتسمع نحيب احدهم عند الركن اليماني ليقول " ربنا اتنا في الدنيا سلطه" (يقصد حسنه) عندها تعلم كم جاهد النفس ليتعلم هذه الكلمات البسيطة وكم كانت معاناته واجتهاده لينطق بلغة أخرى وبكلمات ربما لا يفهم منها شيئا.


من الذي جعل الحاج ينادي الأخر "يا أخي" بالرغم من اختلاف اللغة والدولة والقومية ونسوا النزاع المسلح المستمر بين بلديهم وكيف يخفض احدهم للآخر جناح الذل من الرحمة ولوا أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بينهم .. الله الف بينهم . يحدث هذا في الحج ولا يحدث أبدا في أي مكان آخر.


في الحج وفي الحج فقط تقف وجها لوجه مع السماء حتى لكأنك تحس الله فوق رأسك يسمع منك ويفتح خزائن الرحمة والمغفرة وتشعر انك اقرب وان ابواب السماء مفتوحة فوقك حتى تتخيل انك تصعد طبقة بعد اخرى وانك وصلت الى موقع الحشر والناس حولك ولا ترى عن شمالك او يمينك من قريب او حبيب عندها تؤمن بأنك فقير وانك معدوم بالرغم مما امتلكت في دنياك ، في ذلك اليوم تعيش لحظة الحشر والحساب حتى اذا غربت الشمس صحوت من هول المحشر ومن فاجعة السؤال.


في الحج وحده تتحلل من ثوبك الدنيوي الزائف تتحلل من وهم العظمة ومن اساطير السلطة والجاه تتحلل من الصورة المثالية لنبلك وكرمك واخلاقك فتنظر الى نفسك بعين الحقيقة حيث يكشف عنك الغطاء فبصرك اليوم حديد لتكتشف ان لديك من الآثام ما لا يحصى ومن مساحات السواد ما يكفي لنزع ثياب الطهر المضلل ولتبدأ بصدق تبحث عن مزيل الذنوب وغسيل القلوب.


في الحج فقط تنصهر الطبقات وتذوب الفوارق الدنيوية فلا الغني يستطيع ان يلبس الحرير بدل الإحرام ولا الحاكم لديه رخصة ان يقف بسويسرا بدلا من عرفات، ولا الفارس المقدام يملك ان يهدي بأسد ولا ملك تطوف عنه الحاشية او تسعى ولا عظيم تنقل اليه الجمرات ليرمي من فوق كرسيه وهي الحالة الوحيدة في الدنيا التي يتساوى فيها البشر فله الحمد على نعمته.


في الحج وحده تختفي أصوات النفاق والتملق للسلطان والسادة فمن المستحيل ان تناجي ربك الا بصدق عندها تنسى أسماء الملوك والرؤساء وتتوجه الى الله " نفسي يا رب نفسي" فلديك ما تطلبه من المغفرة والاستغفار ما يلهيك عن حديث النفاق بالأمس.


فليت الحاكم اطلع على دعاء عرفه ليعلم كم حاج دعا له وكم صديق نسي ان يدعو له عندها فقط يعلم صدق من صدقه وعندها يعلم كم هو عزيز او ذليل.


في الحج تتيقن انك الى زوال لا محال وان سعيك لأجل الدنيا هباء وانك خارج بما قدمت يداك وسوف تعرض في يوم عسير لا يشفع لك سلطان او امير ولن ترحم بأصل او بنسب فالوزن يومئذ الحق، ولن تستطيع توكيل من يدافع عنك فالكل مشغول بهمه وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا.


لقد كان يوم عرفه صورة دنيوية ليوم المحشر والفرق ان فرصة العمل بعد عرفه موجوده اما يوم المحشر فلا فرصة بعده عندها جفت الاقلام وطويت الصحف.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد