قدمنا الأرض وقدموا الرجال وتمكنا من الدولة وتمكنوا من الإقتصاد

قدمنا الأرض وقدموا الرجال وتمكنا من الدولة وتمكنوا من الإقتصاد

16-11-2011 07:16 PM

" قدمنا الأرض وقدموا الرجال وتمكنا من الدولة وتمكنوا من الإقتصاد " لله درك يا دكتور عبد الله النسور و "لا فض فوك" والملافظ سعد يا دكتور ! ورفقا بنا قليلا وأنت تتحدث عن "الوحدة الوطنية" وإني لأظنك تعني هنا الوحدة الوطنية في المفهوم الرسمي الأردني وليس بما نعيشه ونعرفه نحن الشعب عنها.

 كلمات العنوان سالفا تلفظ بها الدكتور عبد الله النسور في معرض حديثه عن الوحدة الوطنية فيما يسمى بالمؤتمر "لملتقى تجمع الخط الساخن" والذي كان بنظري "مسفا" وناقصا بكل المعايير.

بكل صراحة وللحقيقة وللدكتور النسور أقول, أن الأردن لا أرض لديه يقدمها لأحد, نحن لدينا أربعة وتسعون ألف كيلومتر مربع هي مساحة هذا الوطن والتي يملكها ويحملها في قلبه وجوارحه كل أردني, وليس لديه الإستعداد أن يمنحها لأحد أي كان , حتى ولو كان "نبيا" .

وهل كان الأردن "خاليا من الرجال" عندما حضر المهاجرون أيها الأخ الدكتور النسور؟ إذن من استقبل ورحب وقدم العون وتقاسم مع الضيوف ما يملك "غير المحرمات" ؟ من غير الرجال الرجال أحفاد حاتم الطائي؟ وكم منهم ذبح حصانه لأجل وليمة للإخوة المهجرين قسرا عن وطنهم وأرضهم؟ ومن غير الرجال الأردنيين هؤلاء وأبنائهم وأحفادهم قدم الدم فوق ثرى فلسطين وهو يذود عنها ويحاول بكل الإمكانات المتواضعة التشبث بها رغم خذل العرب والرسميين الأردنيين له بالهدنة تلو الهدنة.

حتى وآلاف اليهود يفاوضون القائد الشجاع عبد الله التل على الإستسلام له بعد حصارهم في القدس؟ "وتمكنا من الدولة" ؟ أية دولة تقصد التي تمكنا منها يا عبد الله النسور؟ بالمطلق لا تستطيع أن تعني الدولة الأردنية التي نعرفها جميعا.

وعد بالذاكرة قليلا إلى فجر الدولة وباكورة حكوماتها وحتى يومنا هذا الخامس عشر من تشرين أول للعام 2011 , ومرورا بكافة السلطات التي تشكل الدولة, من أبو الهدى وحتى أيمن الصفدي, وكلمنا بعدها عن تمكننا من الدولة.

أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة في دولتنا, أسعد الله أوقاتكم بكل خير إن ما حمل المعدون لهذا المؤتمر من أفكار وأهداف وبمن جمع لأجله من رجالات دولة وطباخي السياسة الأردنية لجامع وشامل وحامل لكل القضايا والهموم الوطنية التي تخصنا جميعا وتمس مستقبل الوطن والأجيال.

وإني لأعتقد والحالة هذه أن لا طبيب يصف علاجا لمريض قبل أن يشخص مرضه, وإن أردنا هنا أن نجد حلولا لمعضلات وطنية ذات جذور غائرة في التاريخ, فعلينا أولا أن نضع أيدينا على الجرح والسبب. وبعيدا عن كلام الدبلوماسية والإلتفاف على الأشياء والمسميات والتي هي بنظري فن الكذب والدهلزة والتسويف وتسويق الرديء كالشاعر الذي سوق للتاجر بائر بضاعته من الخمر السود.

وأرجو هنا أن يتسع صدركم لبعض ما أراه موضوعيا مجردا لتشخيص المشكلة الأردنية, ولدنا وكبرنا وترعرعنا ونحن نغني لانتصارات عربية ضد الاستعمار وأعداء الأمة وعدونا الأول إسرائيل. هذا من جهة,

ومن جهة أخرى تجرعنا المر وكظمنا الغيض عقودا طويلة ونحن نسمع من أشقاء لنا أن الأردن أضاع فلسطين, بل باعه. وقد عاشت سياسة الدولة الأردنية كل تلك العقود وهي تائهة بين أن تعزز اعتقادنا بانتصاراتنا وبين أن تبعد عنها شبهة التضييع والبيع وتبرأ نفسها من ظلم ذوي القربى. ويبدأ مسلسل الغبن والظلم الحقيقي الرسمي والآن لأنصار هذا البلد, كونوا فلاحين فكنا, وكونوا عسكرا لحماية الوطن والنظام فكنا, وكونوا معلمين فكنا, وكونوا متقاعدين وبوابين حراسا على أبواب الشركات والمؤسسات فكنا, وكل هذا لم يجعلنا أغنياء ولا حتى بلا هم عشاء الغد وكتاب التلميذ وصحة المريض إلا بمكارم لا تفي بالغرض وتمتهن كرامة متلقيها, وحتى هذه صارت مشاعا لكل من سكن هذه الأرض. وتمكن من لم يقبل أن يكون أيا مما سلف من الإقتصاد, على حد قول الدكتور النسور. لأنه سافر وتاجر وصنع وتلقى الدعم من كل حدب والمكارم والمبادرات من كل صوب.

 وفي هذه الأثناء أيها السيدات والسادة, ينهب الوطن وتباع مقدراته وتستباح ثرواته بلا مسائلة أو حساب, ويعمل بمنهجية واضحة على أن تطيب الإقامة لمن وعدناهم عند الخروج أن عودتهم لن تتأخر عن أسابيع أو أشهر على أسوأ تقدير, وكذبنا عليهم في الأمس. وكأننا اليوم نريد أن ننسيهم وطنا ينتظرهم يحملون مفتاحه وتحريرا ينتظرونه ويتوقون اليه. ويختزل الأردن في عمان, وتختزل عمان بعشرات من البيروقراط الفاسد وأحياء بعينها منها, وتموت بقية الوطن. ويعم البلى والفساد وتغور الجروح ويستفحل المرض والدولة ماضية بتغطية الجمر بالرماد وإعطاء المسكنات لا مشخصة للعلة معالجة لها, تماما كما فعل بعض الإخوة المتحدثين في "مؤتمر الخط الساخم" وبدل أن نحل قضيتنا الأولى قضية فلسطين, التي كانت أصلا حلا لمشاكل أطراف في الحربين الكونيتين, راكمنا المشاكل حتى صار لدينا قضية الأردن التي تطلب الحل. بيع للوطن, السكوت على تزوير تاريخه ونضال أهله وشهداءه, استرضاء مقيت وغير شرعي لكل من طمع ببعض لحم الضحية وتحت مسميات حق أريد بها باطل, منها وفي مقدمتها "الوحدة الوطنية" والأخوة والأردن للجميع والمحاصصة والحقوق المنقوصة. وفساد لا يشابهه فساد إلا في دول جمهوريات الموز لا يجد من يحاسبه أو يوقفه عند حده.

والمشكلة الأخرى التي طبعت حياتنا في هذا البلد ونغصت عيشنا ودفعتنا إلى هاوية الفقر والعوز, هي أن دولتنا قد حملت شعبها وزر كل أزمات المنطقة ومشاكلها وويلات حروبها دون سياسة قوية وموضوعية, حالت دوننا وقبض الثمن المناسب لمعاناتنا وصبرنا وتقاسمنا ما تيسر مع من حولنا من دول المنطقة التي عانت من الحروب والأزمات, اللهم إلا إذا احتسبنا ما قبضه الرسميون وبعض التجار تعويضا مناسبا لصبرنا.

 أعتقد أن الدولة الأردنية وحكوماتنا المتعاقبة قد أخفقت بشكل سافر بإدارة الأزمات والإستفادة منها بقدر المعاناة وبحكم الأذى. فمالت كثيرا على الشعب حتى أثقلت كاهله ولم يعد لديه ما يعطيه إلا الاحتجاج والمطالبة بالإصلاح والتغيير.

وبدل المصارحة والإصلاح الحقيقي, لجأت الحكومات المتعاقبة إلى الترقيع وسياسة العصا والجزرة, وبدل العمل على وحدة وطنية حقيقية, أرسلت البلطجية والمطبلين إلى الشارع فعمقت الشرخ وأساءت للعشائر الأردنية والوحدة الوطنية في نفس الآن.

 الشعب أيها السيدات والسادة, مثل شلال دافق غزير, إن لم يرشد ويوجه إلى قنوات خير ساقية للزرع والضرع ومولدة للطاقة المفيدة ورافدة لأسباب الحياة فإنه سيأتي بالدمار والغرق والسوء. لقد أمضينا شتاءات طفولتنا وشبابنا في "التقنية" للأبار لمنع السيول والاستفادة من مياه المطر, وأكثر ظني أن حكوماتنا قد أمضت هذه العقود للتقنية هي الأخرى, ولكن لأهداف خاطئة ومسارب أدت بنا إلى التهلكة والضنك.

لا إبداع ولا حلول خلاقة ولا مصارحة وموضوعية سياسية وأخفت الدولة بالإستفادة القصوى من أمطار الأزمات الدولية التي تستخدمنا كثيرا لتحمل الأعباء. صارحونا الآن وقد أحجمتم وأخفقتم بالماضي, وهل علينا أن نتحمل وزر ذنوب لن نقترفها, وجرائم نحن منها براء؟ وهل نحن عاجزون تماما عن الدفاع عن مصالحنا الوطنية وأخذ حقوقنا؟ ولماذا استثنيت شرق الأردن من وعد بلفور؟ وهل لمخططات الوطن البديل جذور في ذلك الوعد المشؤوم؟ وهل للماسونية العالمية دور في معاناتنا وتخبطنا وحكم وتحكم بمفاصل دولتنا؟ وهل يستطيع من لا يحمي التاريخ أن يصنع المستقبل؟ ولماذا تباع آلاف الدونمات في الصحراء الأردنية لغير أردنيين؟ وهل السكوت على نواب يسبون الشعب ولا يمثلونه من الحكمة والرشاد ما يبشر بخير؟ وهل توريث المناصب وتنفيع المستشارين الذين لا يستشارون وتبديد المال العام على السفر والمياومات وفلل السكن الحكومية ما يبرر للحكومة أن تطلب من الشعب ترشيد الاستهلاك وشد الأحزمة على البطون؟ وهل استملاك الأراضي للنفع العام وبيعها للخاصة (أراضي العلوم والتكنولوجيا) مثلا, وتسجيل أخرى بطلب من الديوان الملكي وتبرير ذلك على شاشات التلفزيون بالعمل الحكومي الرائد لحل مشاكل المواطن ومنحه بعض حقوقه وحماية ممتلكاته من العبث والطمع؟ وهل في عودة حماس ما يطمئن الشارع الأردني على مستقبله, اللهم إلا إذا اعتقدت الحكومة أن الشارع الأردني هو فقط الشارع الإسلامي.

 وأن الشيخ حمزة منصور يمثل ستة ملايين أردني بلا منازع؟ وهل في خرق القوانين والسيادة الوطنية في مطاراتنا ومينائنا الوحيد ما يعود بالنفع على الأردن وهيبة الدولة فيه؟ وهل في تصريح رئيس حكومتنا الجديد جدا جدا, بأن ملف الفساد لن يكون أول أولويات حكومته, ما يفرح وينفس الاحتقان ومطالبة المواطن الأردني برؤوس الفاسدين والحرامية؟ أقسم لكم يا أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة, أنني أطرب وأدبك على وقع أغاني اللواء الركن عمر العبداللات والعميد الركن متعب الصقار والمرشح طيار حسين السلمان, ولكنني لا أجد فيها الحل والمخرج, ومثلما لا أجد أن دويتو "لا شرقية ولا غربية" هو الداعم الحقيقي والأساس المكين لصرح الوحدة الوطنية.

 الوحدة الوطنية تمثلت أيها السادة بحق منذ "غابر الأزمان" فوق تراب فلسطين عندما امتزجت الدماء وتوحدت الشهادة مرة, وأخرى عندما تصاهر الغرب والشرق وجنودنا هناك يذودون عن مطمع المؤامرة الدولية الدنيئة, والتي تستكمل مراحلها اليوم شرقي النهر فيما يدعى بالوطن البديل, حتى ولو أنكر الكاذبون.

حق أريد به باطل هو الحديث اليوم عن الوحدة الوطنية والعدل والمساواة. ولماذا الحديث والتركيز الرسمي اليوم وبكل شراسة عن هذا المصطلح المطاط لو لم يكن هناك وراء الأكمة ما ورائها, ولولا أن رسميونا ومن معهم يدفعون من الوطن الأردني ثمنا لسلطتهم وحكمهم للتنازل مرة أخرى عن الوطن الفلسطيني. وما دام الأردنيون والأردنيون الفلسطينيون قد تقاسموا وتصاهروا وتصادقوا وتقاربوا وتزاملوا وتعايشوا وتوحدوا, فما الداعي للعزف السخيف المتواصل على هذا الوتر النشاز؟ وحدتنا قائمة, فهل وحدتكم هي الوطن البديل؟ أيها السادة, الموحد لا يوحد. إرحمونا بالله عليكم فحديثكم المبتذل عن الوحدة الوطنية يقتلها ويقسمنا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد