الربيع العربي ثورة أم مؤآمرة

الربيع العربي ثورة أم مؤآمرة

17-11-2011 05:57 AM

  لقد كثر الحديث عن ظاهرة ما أصبح يسمى بالربيع العربي للدلالة على هذا الحراك الشعبي الذي اجتاح كثير من الاقطار العربيه :تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا وألاردن والمغرب وسلطنه عمان والبحرين منذ أوائل هذا العام ,كثر الحديث عنه تعليلا للاسباب وتفسيرا للاحداث,وقد تباينت  الآراء حول هذة الظاهرة غير المسبوقة في التاريخ العربي ,الحديث منه على الأقل, ولم يكن له مثيل معاصر سوى ما حدث في دول  المعسكر الأشتراكي وتفكك الأتحاد السوفيتي ومنظومه حلف وارسو  و دول اوروبا الشرقيه.

    البعض أشار ويشير اليه بارتياب على أنه مؤآمرة غربيه عامه وأمريكيه / اسرائيلية على ألاخص مرددا كلمات  كوندليزا  رايس عن الشرق  الاوسط الجديد  الذي  تسعى الولايات المتحدة الامريكيه الى اقامته عبر الدفع نحو خلق ما يسمى بالفوضى الخلاقه وذلك بهدف السيطرة على كامل المنطقة : مواردها من  النفط والغاز والمعادن الدفينه ,وتأمين الحصانه  والحمايه المطلقه والدائمه لاسرائيل  وتدجين الحركات السياسيه وعلى رأسها الاسلام  السياسي المعتدل والقضاء المبرم على كافه اشكال الاسلام الجهادي واحتواء التيارات والقوى القوميه واليساريه وتبني ودعم  قوى الاصلاح ذات التوجه  الليبرالي العلماني ,  والعمل على  تقسيم الدول العربيه الى دويلات على أسس طائفيه وعرقيه ودينيه.

    أما البعض ألآخر فانه يرى المشهد من زاويه أخرى :على ان الربيع العربي هذا هو المرحله الثانيه في حياه الامه ـ مرحله الثوره الوطنيه الديموقراطيه,حيث كانت قد سبقتها في أواسط القرن الماضي ثوره أخرى هي الثوره الوطنيه التحرريه والتخلص من الاستعمار العسكري المباشر. وهناك الفريق الثالث  الذي يرى في ما يحدث  زوبعه من الفوضى سرعان ما تذهب وتعود الامور الى ما كانت عليه ولكن بديكور مختلف بعض الشيء.

     أمام هذا  المشهد غير  المتجانس لا بد من  اعمال الفكر  بالدراسه المعمقه  والتحليل المقارن  للوقوف  على فهم  منطقي  وادراك سليم للحيثيات والحقائق على أرض الواقع بعيدا عن العواطف الجياشه والانفعالات, وعلينا أن نبدأ بسؤآل أصحاب نظريه المؤآمره : هل كانت اوضاع الامه من قبل على خير ما يرام ننعم بالديمقراطية ونعيش في مجتمعات عربية تسودها الحرية في الفكروالتعبيروتعم فيها العدالة الاجتماعية والمسواة في الحقوق والواجبات ,هل وكنا اسياد انفسنا واصحاب مقدراتناـ ثرواتنا وترابنا  وهوائنا ومياهنا  وكانت حدودنا محصنه  وأرضنا محرره  وكرامتنا بين الامم مصانه ومحترمه, وهل تمكنا بارادتنا الحره وايماننا العميق ان نلملم شظايا انفسنا أمه واحده وترابا واحد في وطن موحد هو حق لنا  ؟  لو كنا كذلك لكان ما يقوله أصحاب نظريه المؤآمره صحيح ومؤكد.

     هل كنا كذلك  ؟ بالتأكيد لا ,بل كنا وما زلنا من المحيط الى الخليج  ليس اكثر من عبيد يحرسون آبار النفط خاصتهم  مقابل حفنه من الدولارات لا نجد لها جيبا  نضعها فيه سوى جيوب جلادينا في الغرب والشرق ,كنا ولا زلنا حماه لمن سرق ارضنا وتاريخنا ويعمل ليل  نهار لسرقه مستقبلنا, ألم يكن يكفهم زين العابدين ومبارك وأمثالهم  اخلاصا وخدمه وامتثالا لأوامرهم  وتحقيقا لاهدافهم أم كان كل هؤلاء مقصرين في أداء الواجب المطلوب منهم  تجويعا  للغالبيه العظمى من الشعب وتكميما للافواة  وترويعا بالسجن والاعتقال والقوى الامنيه وتهديدا بلقمه العيش وتلويث الشرف, أم انهم وقد قاموا بافساد كل شيء ,كل شيء قد انتهت فترة صلاحييتهم فأرادوا استبدالهم بمن هم اكثر فسادا وافسادا منهم  ولكن بأسماء جديدة وأشكال جديدة هل هذا هو الهدف الذي دفع أعداء الامه لافتعال هذا الربيع المزيف ؟
   
ان من يطالع  ما كتبه ابن خلدون  ويقرأ ما في كتب الاقتصاد السياسي والتفاعل المجتمعي يستطيع ان يرى بأم عينه بأن كل الظروف الموضوعيه كانت تشير الى حتميه حدوث التغيير: لقد كان وما يزال ما يسمى بالنظام العربي يمثل أنظمه الحكم المطلق ,حتى ان هذة الانظمه صنعت لنفسها بدعه لا سابقه لها في انظمه الحكم الجمهوري ـ هي النظام الجمهوري الوراثي. وحيث أن (السلطة المطلقه هي مفسده مطلقه) فقد أدى ذلك الى الاستبداد والى احتكار السلطه والثروة عبر منظومات  ما عاد يعرف  بالحزب القائد  والحزب الأوحد  والزعيم  الخالد والقياده التاريخيه ,وعبر هذه المنظومات ومن اجل حمايتها وديمومتها تعاظمت أحجام وأدوار ووظائف الأجهزه الأمنيه وتحولت عن واجباتها الأساسيه في حمايه الدوله الى وظيفتها المصطنعة المستجدة في حماية النظام. وهنا أيضا كان لا بد من اجراء التعديلات الدستوريه ووضع الأنظمه والقوانين غير الدستورية  وقوانين الطواريء وتكميم الافواة واغتيال الرأي ألآخر  ولجم المعارضة   وأحيانا  تدجينها  وتحويلها  الى هياكل مجمدة  لذر الرماد  في العيون والايهام  بأن  هناك ديموقراطية, ثم ظهرت مراكز القوى في الأسرالحاكمه ومنها الى الاقارب دما ونسبا وهذه كلها  تحالفت مع  أصحاب الثروة, فقام ما  يسمى : (تحالف السلطة والثروة)  على أسس المنفعه المتبادله  على حساب الصالح العام  ومصالح الشعب والوطن.    ثم انقسم الشعب طبقيا الى طبقه من الاغنياء والمترفين الذين استحوذوا  على مقدرات البلاد والعباد ,وطبقه اخرى من العامة تعيش على  الفقر والبطاله والمنح والهبات على طريقة العصى والجزره ,وتآكلت الطبقه الوسطى.  ونشأ الفساد بكل صورة القبيحة في ميادين السياسة وادارة المال العام وتوريث المناصب العليا في الدولة وتغولت الواسطة  والمحسوبيه على حساب  قواعد العدالة الاجتماعية  وتكافىء الفرص  وتحول الوطن  بكل مقدراتة الى  بقرة  حلوب واصبح  شعار  الصفوة, مع الاعتذار للشاعر محمود درويش: (وطني أضحى حقيبة وأنا دوما مسافر). وقد طال الفساد بمخالبة المتوحشة ميادين التعليم وخاصة الثانوي وشاعت الدروس الخصوصية  وأما التعليم  الجامعي فحدث ولا حرج عن الأسس غير العلمية في اختيار ألأساتذة والمعيدين وتدني المخرجات التعليمية وأصبحت الجامعات الحكومية  تدار على  أسس تجارية بحتة  مات معها  البحث العلمي القائم  على ألافادة  علميا وعمليا  على المستويات  المحلية والاقليمية والدولية. وتمدد الفساد ليطال حتى المؤسسة الدينية فأصبح استنساخ الفتاوي لتكون على مقاس الحكام ظاهرة منتشرة.

 في هذة الأجواء المحتقنة ازداد الضغط المجتمعي ووصل وجاوز عتبة ألاحتمال فكانت النتيجة الحتمية هي ألانفجار , وكان على شكل انواع متعددة من الحراكات المجتمعية التى وان تشابهت من حيث الشكل والهدف الا أنها اختلفت من حيث قوة الفعل وردة الفعل ونوعه على المستوى القطري المحلي ومن حيث عقلية الحكام وأساليبهم المختلفة في التعامل مع هذة الحراكات سواء كانت بالانسحاب السريع من سدة الحكم كما حدث في كل من تونس ومصر أو بالمواجهة الدموية الجنونية كما حدث في ليبيا أو بالمواجهة الدمويه المنهجية كما حدث ويحدث ألآن في كل من سوريا واليمن والبحرين أو بالمواجهة الخشنة ذات الملمس الناعم مع بعض من الارتباك والتخبط بسبب المفاجئة وعدم الوضوح في فهم صورة المرحلة  واستحقاقاتها والخوف من نتائج التغيير المطلوب مع الكثير من المماطلة وبطىء الاستجابة للضغط  المجتمعي كما هي الحال في كل من ألأردن وعمان والمغرب.

ولكن وبشكل مواز لأحداث ووقائع  هذة الانتفاضة العربية الكبرى وبعد المفاجأة لما بدأ في كل من تونس ومصر, ولو جاء متأخرا بعض الشيء, أخذت القوى الامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية ومعها اسرائيل بالطبع ,أخذت هذة القوى وقد خشيت فقدان مواقعها والحاق الأذى  بمصالحها الحيوية في الوطن العربي ,أخذت تستعمل كل الاساليب التقليدية والمستحد ثة لاحتواء هذة الانتفاضة الكبرى والامساك بمقودها وتحويلها عن مسارها الموضوعي المفترض في الاصلاح الديموقراطي والتغيير الوطني المنشود الى مسار آخر يبقي ويحافظ على مصالحها ومواقعها السابقة ولكن هذة المرة بأساليب غاية في التموية والتقمص والخداع وركوب الموجة ظاهريا والايحاء بأنها فعلا تريد لهذة الامة ان تتحرر من أنظمة الحكم المطلق وأن تنتقل الى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وقد ساعدها البعض مصدقا لاقوالها وافعالها بشكل ساذج فتحولت الثورة السلمية في ليبيا الى احتلال دموي ممنتج على طريقة حلف الناتو وهي الآن تتحول تدريجيا وبخطى متسارعة لتسير على نفس النموذج الليبي في سوريا وربما في اليمن وهنا لا بد لمن يحترم العقل ان يشير الى ان حكام ليبيا سابقا وحكام كل من سوريا واليمن حاليا هم أنفسهم ومن اللحظات الاولى لاندلاع الانتفاضة وعندما اختاروا مواجة شعوبهم المنتفضة سلميا  بالاساليب الامنية والقمع الدموي والقتل وكيل الاتهامات بالعمالة للاجنبي والتخوين وخدمة (الاجندة الخارجية) بدلا من سماع  مطالبهم ودعوتهم للحوار الجاد والمسؤل والاتفاق على الخطوط العريضة للاصلاح والتغيير الديموقراطي السلمي والتحرك الوطني الشامل والسريع لاجراء التعديلات والتغييرات اللازمة على الدستور وكافة القوانين الناظمة للحياة السياسية ووضع البرامج الزمنية المحددة والسريعة للانتقال السلمي الراشد من اسلوب النظام الحاكم الى اسلوب حاكمية الشعب في اطار ديموقراطي متحضر ,أقول أن هؤلاء الحكام  باستعمال الحل القمعي هم انفسهم من فتح الباب وعلى مصراعية لتدخل القوى الاجنبية ,اذ ماذا على الآلاف المؤلفة من الشعب الذين خرجوا بعفوية وطنية وحس صادق واسلوب سلمي ان يفعلوا الآن ؟ هل يستطيعوا العودة الى منازلهم واعمالهم وحياتهم العادية بأمان بعيدا عن البطش والاعتقال والملاحقة بالطبع لا,هل يستمروا في الاعتصامات والتظاهرات السلمية الى ما لانهاية وهل هذا الحراك السلمي الاعزل سوف يوصلهم الى بلوغ اهدافهم النبيلة في الحرية والعدالة والمساواة في نهاية الامر أم ان حالة اليأس سوف توصلهم لا محالة لطلب التدخل الاجنبي جهارا نهارا والذي سوف يفقد ثورتهم ولا شك شرعيتها الوطنية والثورية .

 وهنا لا بد من الاشارة الى الحقائق التالية: ان عمليه التغيير والاصلاح لا بد أن تأخذ مداها طال الوقت أم قصر وأساليب الحكم وأدواتها التي كانت سائده سابقا ما عادت تنفع حاكما أو محكوما اذا أرادت ألدول وألشعوب ان تبقى قادرة على الحفاظ على حاضرها ومستقبلها في ظل هذة العولمة الناعمة المظهر الخشنة الجوهر. أما الحقيقة الثانية فهى أن عملية ألانتقال الى الديموقراطيه لن تكون قصيره وتحتاج الى الكثير من الصبر والمعاناة والنفس الطويل. أما الحقيقه الثالثة فهي أن قوى الاصلاح سوف تبقى في مواجهه ديناميكية مع قوى الشد العكسي وأن هذة المواجهة تحتاج الى كثير من العقل قليل من العاطفه.أما الحقيقة الرابعة فهي أن عملية ألاصلاح هذة سوف تبقى معرضة للاختراق والتوظيف من قبل القوى الغربيه ولا يظنن احد ان الغرب والشرق أيضا يريدون لنا الديموقراطية انهم يسعون دائما  ويتحركون تبعا لمصالحهم فقط.والحقيقة الخامسة هي أن ألاصلاح ومحاربه الفساد هي عملية ثوريه ولكنها في نفس الوقت هي عمليةحضاريه يجب أن تتسم ما أمكن بالسلمية والتفكير الرشيد بعيدا عن العنف والغوغائيه والتخريب وأن تمضي هذة العملية بأقل ما يمكن من الخسائر في ألأرواح والممتلكات.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد