عبد العزيز الخياط .. عمامة السماحة

mainThumb

01-12-2011 05:42 AM

بهدوء يوازي هدوء حياته ووداعة شخصه, رحل عن هذه الدنيا الشيخ والعلامة الجليل الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط, بعد أن أفنى عمره حقا في سبيل الله ودينه ودعوته, فبقي حتى آخر ساعات حياته مصرا على البذل والعطاء, وها هم أصدقاؤه يستذكرون أن كل جهده وحديثه في أيامه الأخيرة انصب على العمل في سبيل العلم, ومات الخياط والقلم في يده.

رحل الشيخ عبد العزيز الخياط أحد آخر جيل العمالقة الحقيقيين عن عالمنا بلا هرج ولا بهرج, فرغم أنه رفيق الإمام حسن البنا وأحد أوائل أتباع دعوته وناشريها في الأردن, ومن بعده رفيق الشيخ تقي الدين النبهاني وأحد مؤسسي حزبه (حزب التحرير), رحل الخياط بعد 70 عاما من العطاء مظلوما كما عاش, وكما قلت في وقت سبق في حق فقيدنا الشيخ نوح سلمان رحمه الله, أنه لو كان عبد العزيز الخياط وهو رائد مدرسة الاقتصاد الاسلامي وأحد أهم فقهاء العصر الحديث, مصريا أو سوريا أو غير ذلك, لقامت الدنيا ولم تقعد لخبر وفاته, ولاسودت صفحات الصحف لكثرة الكتابة عنه وعن مسيرته, ولما بقي برنامج تلفزيوني أو إذاعي لم يذكره, لكنه وطننا المظلوم بظلم أبنائه لأنفسهم ولبعضهم, فلك الله يا وطني.

 أزعم أن علاقة طيبة جمعتني بشيخنا الخياط رحمه الله, وهي امتداد لعلاقة جمعته أولا بجدي الراحل حسن التل رحمه الله, ومن بعده بوالدي حفظه الله, فكان شيخنا عبد العزيز الخياط رغم مكانته وسنه, لا يتحرج من أن يرفع سماعة الهاتف ويتصل بي وأنا في سن أحفاده وربما أصغر مطمئنا عن حالي إن افتقدني, أو معقبا ومعلقا على شيء مما أكتب, وأفخر بأنه كثيرا ما عاملني كأبنائه, فكان لا يتحرج من أن يطلب مني أي شيء يريده, كما لا يغضب إن أنا تقدمت لأعينه في المسير أو صعود الدرج بعد أن أتعبه المرض لكن بقيت روح الشباب التي تسكن جنبيه ترفض أن يعينه في شيء من ذلك إلا من كان يعدهم مخلصي المحبة له.

تميز شيخنا الخياط رحمه الله بسماحة في النفس والتعامل لا تنقطع, وابتسامة لا تفارق محياه, وسرعة بديهة وخفة روح تجعله قريبا من كل نفس وروح, وكان أول من تحدث في الاعتدال والوسطية قبل أن تصبح (موضة), وكان خير من يطبق قاعدة أن الاسلام دين لكل زمان ومكان, فكان أول من تحدث عن الشركات في الإسلام, وكتب في الأمر, وما زالت اجتهاداته وآراؤه مراجع فقهية لا يضاهيها رأي ومرجع, أما على صعيد المسائل الفردية, فأذكر أنه عندما رآني وقد أطلقت لحيتي قبل سنوات, عاتبني مازحا وقال: ((بكير ع اللحية, خليها سكسوكة.. بعدك شب وبدنا انجوزك..)), ولم يكن يتحرج وهو الوزير والمفتي والقاضي من أن يتحدث عن كدّه في سنوات شبابه وطفولته, وأنه يبزّ في صناعة الكنافة النابلسية أمهر صانعي الحلوى في البلد, بل كان إذا دعانا إليه اتصل بنفسه بمحل الحلويات وأملى عليه كيف يصنعها لتكون طيبة وصحية. وقد كان رحمه الله مقاتلا مجاهدا بحق, فحارب بالسلاح وفي الميدان في سنين شبابه وصباه على أرض فلسطين المباركة, ثم جاهد بالمال والعلم والقلم عندما تخلى أهل الحرب عنها, بل وجاهد بنفسه, فلم يتورع يوما عن السفر الى أقاصي الارض ومجاهلها في سبيل الدين والدعوة, وأذكر موقفا عاتب فيه الشيخ الخياط والدي عتابا شديدا لأنه خشي عليه من أن يصحبه في رحلة دعوية الى إحدى أقسى بقاع إفريقيا حيث لا ماء ولا كهرباء ولا سقف يقي من حر, وكان الخياط يومها يقارب 85 عاما من العمر, ويعاني أزمة صحية أوشكت أن تقعده عن الحركة. رحل الشيخ عبد العزيز عزت الخياط وادعا سمحا باشّاً كما عاش, ورغم أن العرب تقول أن كثرة الضحك تذهب الهيبة, إلا أن شيخنا الخياط كان يعلم أن هيبة العلم وعباءته تضفيان هيبة قد تبعد الناس عن صاحبهما, فكان يجعل من الابتسامة رسوله إلى القلوب, فيدخل القلب بلا توجس وتبقى هيبة التقى والعلم حاضرة, ولعل شيخنا الخياط كان أكثر أصحاب العمائم قربا إلى القلب, فهو وحده من مَلَكَ عمامة السماحة..

رحم الله عالمنا وعلمنا وعلامتنا وشيخنا الجليل عبد العزيز الخياط الذي خلّف برحيله في القلب غصة, وفي الروح ثلمة, وفي العلم مقعدا عز من يملؤه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد