لقد كتبت قبل هذا المقال اكثر من مقال بخصوص الازمة التي تمر بها سوريا الحبيبة البلد الذي كلنا الاردنيون نحب , ولزمت الصمت لفترة لا بأس بها حيث ان هذه الازمة يختلط بها الصالح والطالح , الصح والخطأ , الثورة والحرية والمؤامرة وكما قلت ان الحليم فيها حيران , فلا احد ينكر ان بداية هذه الثورة كان عفويا وبدأ محليا وكل عناصره محلية مئة بالمئة ونتيجة لعدم الحكمة بالتعامل مع هذا الحدث و للاسف من قبل الحكومة السورية و بعض الاشخاص المحيطين بالرئيس والذين لم يقدروا الامر وياخذوا بكافة الجوانب المحيطة به محليا وخارجيا وظنا منهم ان الامر بسيط لا يتعدى سهل حوران و تناسوا انه يمثل اركان ودعائم النظام وان هذه المرة الانتفاضة ولدت من رحم النظام وبدل معالجة الامر بهدوء وامتصاص هذه الثورة البسيطة ببداياتها ,تم التعامل معها بعنجهية وغباء ونسي هؤلاء ان هناك من يتربص بهم وبأي غلطة ليدخلوا على خط هذه الثورة باقصى سرعة وخاصة ان ظروف احداث درعا ليست ظروف حماة التي سبقت وان بشار ليس حافظ الاسد والدول العربية ليست هي الدول العربية بزعاماتها, مما سهل الامر على الاعبين الاخرين على الساحة السورية وهم الامريكان واالاوروبيون وبعض العرب والجماعات الاسلامية المروضة ليلعبوا على هذه الاحداث كما يحلوا لهم , فلا يمكن لعاقل او وطني عربي ان ينكر ان هناك هجمة على سوريا ليس بسبب وقوفها بخط المعارضة للمشاريع الامريكية الاسرائلية ولا لانها تدعم الجانب المقاوم من العرب وهم حزب االله وحماس وانما لانها الخاصرة لايران وبسقوطها ستنتهي مشكلة ايران النووية الى الابد واي حلم بمقاومة المشاريع الامريكية والاوروبية والتي جل همها كيفية المحافظة على دولة اسرائيل بالمنطقة والتي تربض على صدور العرب والمسلمين ووتنتهك حرماتهم وشرفهم في تدنيس وهدم الاقصى المبارك ومصادرة القدس الشريف ليل نهار دون ادنى حراك .
نعم هذه ربما نصف الحقيقة واما الحقيقة الكاملة فتكمن بالعداء السافر لكل طموح اسلامي ليعود ويقود العالم من جديد فالكل يعلم ان الازمة الاقتصادية والتي مر بها العالم اسقط كل الانظمة المالية الراسمالية الغير اسلامية وابرز دور النظام المالي الاسلامي كحل والذي للاسف غاب عنه كل كتبة وباحثيين العرب وتبناه للأسف الكثير من الباحثيين الامريكان والاروبيون والذين كتبوا الكتب والمقالات حوله بل وطالبوا وبكل صراحة بأن يتم استخدام الانظمة والتشريعات الاسلامية بالبنوك والمؤسسات المالية العالمية كحل للأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العالم هذه الايام, وجاءت الثورات في الربيع العربي لتدعم بقوة بداية ظهور الامبراطور الاسلامي مرة ثانية فبدأت المحافل الصهيونية والماسونية الامريكية والاروبية وحتى العربية العلمانية بالتخطيط والعمل ليل نهار حول كيفية احتواء هذه الثورات و تقزيمها في بعض البلدان من خلال التأثير على مجرى الانتخابات والمساعدة في غزو للبعض منها وابراز وفرض انظمة اسلامية مروضة مئة بالمئة ,وتجيش الطائفية بين المسلمين و اللعب على ما يسمى المثلث الشيعي المتمثل بايران وسوريا والعراق وحزب الله وتضخيم ما يحصل في بعض من الاقطار العربية المنتفضة من خلال تسخير بعض من ابواق الاعلام العربية والعالمية لترويج وتضخيم فكرة الاختلاف الشيعي السني والهدف واضح بسيط ولا يحتاج الى التفكير هو ضرب المسلمين واشغالهم ببعضهم حتى يجهزوا بانفسهم على الامبراطور الاسلامي القادم ويضمنوا بقاء دولة اسرائيل السيد الوحيد بالمنطقة وانهاء القضية الفلسطينية وتفتيت الدول العربية الى دويلات متناحرة ,لذلك كنت اتمنى ان يلامس خطاب الرئيس بشار الاسد الاخير بعض من الواقعية والحكمة ويغتنم هذه الفرصة ليس للتهديد والتخوين لكل المعارضة والعرب بل احتواء الشباب السوري سواء الثائر او المغرر كما يقول والتقرب الى بعض العرب الذين لا زالوا صادقين معه ويريدون منه فقط الحكمة وحسن التصرف .
ان خطاب الرئيس بشار الاسد بساحة الامويين وامام مناصيريه والذي بدأ فيه واثقا من نفسه قد اربك الكثير من العرب والغرب على حد سواء والذين توقعوا سقوطه قبل هذا الخطاب ,لقد كان بامكاته التركيز على لجنة المراقبين العرب والذين ليس كلهم بالتأكيد خون او متأمرين بل جزيء منهم ادرك واعترف بان هناك مؤامرة , كان المفروض ان يشكرهم وبرحب بهم ويشجعهم وترك الامر لهم, بل كنا ننتظر اكثر من هذا دعوة المعارضة الى الانضمام الى حكومة شراكة لا عداوة والى التعالي عن الجراح الذي وقع بسبب الاخطاء ليس من طرف الحكومة ولكن من جميع الاطراف بما فيها المعارضة, والاعتراف بأن هناك معارضة حقيقة له ولنظامه وهذا ليس عيبا فلا يوجد رئيس او قائد او نظام في العالم يحظى بتاييد اكثر من نصف شعبه او حتى اقل وهذا يكفيه , فلماذا التكابر ؟ نعم بالتأكيد هناك من الشعب السوري من يريدك ولكن هناك من لا يريدك والحكمة تقتضي هو كيف لك ان تحول هؤلاء الغاضبين لك الى راغبين بك ؟وهذا منوط بك وحدك , كان المفروض يا سيادة الرئيس احتضان المعارضة الشريفة التي ترفض التدويل وتشجيعها واعطائها الامن والامان من خلال الافعال وليس الاقوال, ان الاخطاء التي حدثت من قبل المدافعين عنك قد افقدتك الثقة بعيون هؤلاء المعارضين الصادقين الشرفاء ولا بد من خطوات عملية تعيد الثقة تدريجيا لقيادتك , وهذا لا يتم الا بالاعتراف بهؤلاء والجلوس معهم شخصيا والتحاور معهم بعيدا عن لغة الحلول الامنية والنزول عن الشجرة التي وضعك عليها بعض الكذابين والمنافقين حولك .
ان الاعتراف بحقيقة الاخطاء والاعتذار للشعوب هي من شيم الزعماء المقاومين الاحرار وهي ليس عيبا بل على العكس تزيد من شعبيته محليا وخارجيا وتخرس حتى الاعداء ,الحكمة تلزمك بهذا الاعتذار ,هذا لا يمكن ان يتم دون حل الحكومة الحالية والدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تشمل الجميع وتعالج هذه الازمة بكل روية من خلال ترتيب اجتماع خارج سوريا بينكم وبين المعارضة الحرة النزيهة التي ترفض التدويل والتخل الاجنبي البغيض وما المانع من طلب المساعدةة من الاردن قيادة وشعبا ؟ لما لقيادته من مصداقية واحترام دولي ولما لكم من بعض المساندين والداعمين في شعبه , ويمكن ان يشمل هذا الاجتماع ممثلا عن الجامعة العربية وممثل تركيا وايرانيا لما تمثله الجامعة العربية وهذه الدول من ثقة لدى كافة الاطراف سواء الحكومية او المعارضة ولتعرض قيادة هذه الحكومة على المعارضة الداخلية الموثوقة لترشح احد الافراد الموثوقين الوطنيين وهم كثر في سوريا والحمد لله,وتكون مهمة هذه الحكومة اقرار الدستور وقانون الانتخابات وقانون الاحزاب واية قوانين اخرى ضرورية ,مع تحديد مدد زمنية لاقرار هذه القوانين واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وتشكيل لجنة قضاء محايدة يختار عناصرها حسب الانتماء الوطني للنظر بكل اشكال القتل والعنف الذي حصل ومن يثبت ادانته يقتص منه ضمن القضاء فقط ,مع اقرار التعويض لكل متضرر, وتحييد الجيش السوري تماما عن هذه الاحداث حتى يبقى متماسكا ,فهذا الجيش لا يمكن ان يكون كل قياداته وافراده غير نزيهين او مشكوك بهم من اي طرف كان ,و ان يناط به وحده حفظ النظام في المرحلة القادمة مع سحب كافة الاجهزة الامنية الاخرى المختلف عليها وتحييدها بهذه المرحلة, لتنزل يا سيادة الرئيس من اعلى الشجرة الى الارض وتواجه معارضيك بالحكمة والعفوة عند المقدرة ولتخاطب الشعب حيث يريد,بهذا فقط ستنتصر وتنتصر سوريا ,وكلنا ننتصر معك.
اسمح لي هنا ان اقول لك بأن وصفك للمعارضة السورية كلها بانها خونة و كل الدول العربية بالمتأمرة على سوريا ليس في محله وهذا الاسلوب يا سيادة الرئيس لم يعد مجديا ولا يمكن ان تكون انت هذا الذي عودتنا بخطابات كلها اتزان وحكم وضرب على الجرح العربي النازف في معظم المؤتمرات العربية, ليس هذا بشار الدكتور ,لتنظر الى نفسك وتقيمها و لتلملم الاوراق وتفوت الفرصة على اي عصابة ان وجدت وعلى الدول التي تتأمر عليك كما تقول ,فانت وحدك قادر على انهاء هذه الازمة بقرارات حكيمة بعيدة عن التشنج حتى لو ادى بك الى تنازلات مؤلمة فهذه شيم القادة الذين يخلدهم التاريخ , فاذا الشعب يريدك لن يقبل الا بك وستعود منتصرا ولكن باردة الشعب وليس بقهر ارادته فيا سيادة الرئيس الشعوب تبقى والرؤساء يذهبون فاسأل نفسك اين اباك؟ واين بعض زملائك الآن ؟ فهل هذا الخطاب سيكون لبقائك وليس لزوالك؟ وهل لا زالت هناك فرص امامك ؟ وهل لا زال متسعا للوقت امامك؟ كل هذه الاسئلة اجاباتها عندك وحدك ,أسأل الله ان يصوب قراراتك وأن تحسن التصرف ولا اخالك غير قادر , اذا عدت الى الله واعتمدت عليه وحده,خذ هذه النصيحة والكلمات من مواطن عربي اردني بسيط خائف على سوريا ويتحسر قلبه على كل الابرياء من الشعب السوري والذين يسقطون دون ذنب سوى انهم سوريون .
dr.rashad55@gmail.com