كلنا يعرف بان الفرق السياسية الاسلامية التي عملت ولا زالت تعمل على الساحات العربية باستثناء حزب التحرير الاسلامي كانت تمارس نشاطاتها مستخدمة الوسائل التي سمحت لها الانظمة العربية باستخدامها والتي لم تكن بنظر هذة الانظمة تشكل اي خطر عليها بل وربما تفيدها في كثير من الاوجه كمحارية المد الشيوعي والاشتراكي خدمة للانظمة من تصاعد وتيرة ما كان يسمى بالعنف الثوري وتنامي قوة تحالف العمال والفلاحين والحرفيين وصغار التجار والموظفين الذي يمثل الطبقة المستضعفة صاحبة المصلحة الحقيقية في الاصلاح والتغيير . وقد عملت قوى الاسلام السياسي ضمن الحدود المرسومة لها بضبط داخلي من قبل الانظمة الحاكمة وباملاءات خارجية في حقبة ما كان يسمى بالحرب الباردة وقد كانت نشاطاتها محصورة وبشكل واضح في مجالات الوعظ والارشاد والاعمال الخيرية .
لم يكن للاسلام السياسي تواجد مميز وملحوظ في قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والحراكات المطلبية الملحة في حياة الافراد والجماعات بل كانت اما غائبة او مغيبة وقد تبنت منطلقات غاية في الضبابية في ميادين عملية عديدة منها اشكالية الخروج على الحاكم ودرء المفاسد ومفهوم الفتنة وحرية الاتجار والاسعار في ما هو حلال واعتبار الديموقراطية ضربا من المحرمات المستوردة بغرض تدمير الامة والنظر الى حاكمية الامة ومصدر سلطاتها من مفردات الكفر البواح وغير ذلك من المواقف التى تقع في اسس البنيان الذي تقوم علية عمارة الارض ومجتمع الكفاية والعدل الخالي من الظلم والاستبداد والفساد.
وجاءت الانتفاضة العربية من تونس الى البحرين وقد توفرت لها كل الظروف الموضوعية كي تتفجر حيث الاستبداد السياسي والظلم المعيشي والكبت الفكري والفساد المستشري في كل مناحي الحياة وفي ظل القضاء المبرم على انتاجية المجتمع في مجالات الصناعة المتوسطة والثقيلة والزراعة الاستراتيجية والعطاء المطلوب في مناحي الابداع العلمي والتقني وتحويل الامة كلها الى كتل بشرية تأكل مما لا تنتج وتلبس مما لا تنسج واصبح المجتمع منقسما الى اقلية تستأثر بكل شيء واكثرية لا تملك الا القليل . جاءت الانتفاضة وقد اشعل شرارتها واحترق بنارها شباب غير مسيس , شباب ما عاد يطيق الظلم ولا الفقر ولا البطالة فخرج الى الشارع بسلمية نظيفة وصدور عارية يريد انتزاع حقة الطبيعي في حياة محترمة , جاءت الانتفاضة وانطلقت ولم يكن للاسلام السياسي صاحب الحجم الاكبر في المجتمع العربي يد رفعت مشعلا وذراع ضمت مصابا وصدر تلقى ضرب الهراوات ورصاص الامن بل انهم- أي التنظيمات السياسية الاسلامية- في مصر مثلا كانوا ضد الخروج على الحاكم وعندما انتصرت الثورة كانوا آخر من نزل الى ميدان التحرير وأول من غادرة ظافرا بغنائم الشهداء من غيرهم , كان موقف انتهازي بامتياز, وقدمت لهم في مصر وغيرها وسوف تقدم لغيرهم في معظم الدول العربية التي طالها وهج الحراك العربي المبارك مقاليد الحكم على صينية ليست من ذهب بل من أشلاء شهداء الحرية والكرامة والعدل الذين سقطوا على طول وطننا العربي وعرضه من الشباب الوطني غير المسيس .
سوف يصل الاسلام السياسي الى مقاليد الحكم في دول الانتفاضة العربية المباركة ولو بدرجات متفاوتة وسوف يكون وصولهم عن طريق الصناديق الانتخابية التي هي احد اشكال التحول الديموقراطي , وعلى الاسلاميين ان يدركوا ان نجاحاتهم هي ليست فقط لأن الناس يرونهم الافضل بل لأن الناس حتى الآن لم يجربوهم ولكن جربوا غيرهم من حملة الشعارات البراقة الذين اثبتت الايام والممارسات انهم فاشلون . وهنا لا بد لاحزاب الاسلام السياسي ان تخرج من عباءة الوعظ والارشاد الى فضاء السياسة العملية المتعلقة بجوهر الاصلاح في كافة الميادين الاقتصادية والسياسية والتربوية والادارية والمالية والاجتماعية ,وباختصار في الميادين المعيشية المتعلقة بلقمة العيش وفرص العمل ومعالجة المرضى وضمان العيش الكريم لكبار السن والمسكن المناسب للافراد والعائلات ومجانية التعليم والتخلص من مقولة الفئة الاقل حظا والعائلات المستورة ومعالجة قضاياهم .على القيادات في الاحزاب السياسية الاسلامية ان تدرك جيدا بأنها ان لم تنجح في مواجهة التحديات الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات أفرادا وجماعات فانها لن تلق مستقبلا نفس الزخم الذي وجدتة عبر صناديق الاقتراع سابقا.
ان على قوى الاسلام السياسي ان تدرك ان مشاكلنا الكبرى والتحديات التي تواجة المجتمع ليس لها علاقة بالبرقع والنقاب ولا باللحية والشارب ولا باللباس العربي أو الاجنبي ولا بما دون ذلك من شكليات ليست هي من اولوياتنا لكي نضيع عليها الجهد والوقت, وليست من التحديات التي تواجه الامة قلة المساجد والجوامع وأعداد المصلين والصائمين والحاجين وانما التحدي الاكبر الذي نواجهه جميعا هو ضعف المنظومة الاخلاقية والسلوكية في التعامل ليس بين الانسان وربه بل بين الانسان واخية الانسان من حيث الاخلاص في أداء العمل والاتقان في الانتاج والوفاء في انهاء المعاملات والنزاهة في التعامل مع الناس بعيدا عن اعتبارات القربى والمعرفة والمصلحة واحترام الوقت والقانون والنظام والصدق في التعامل مع الذات ومع الآخرين .