مقاومة الاستعمار ونظام الفصل العنصري الصهيوني

mainThumb

18-03-2012 10:34 AM

انطلاق مهرجان أرض وكرامة, في عمان مساء الجمعة الماضية, هو ليس مجرد مناسبة لإحياء الذاكرة, وإن كان ذلك مهماً, بل هو شكل جديد من أشكال المقاومة الثقافية, ذات أبعاد سياسية عالمية ضد نظام الفصل العنصري والاستعمار الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة.

أسبوع التضامن العالمي الذي أصبح تقليدا سنويا, يشهد نجاحات مهمة, من حيث جذب المشاركين واستقطاب مناصرين جدد, خاصة في الغرب, ويعتبر من الخطوات الفعالة لمواجهة حملة إسرائيلية واسعة تهدف إلى تحويل الأنظار,عن ممارساتها العدوانية على الأرض الفلسطينية, إلى "الخطر الإيراني" ومحاولة الغرب فك الارتباط بين انتفاضات الحرية والعدالة الاجتماعية وبين قضايا التحرر الوطني في المنطقة العربية.

فمن خلال مقاربة الاحتلال الإسرائيلي, بأيديولوجيته وأعماله, بتفاصيل النظام الفصل العنصري, الذي حكم جنوب إفريقيا حتى عام ,1995 يستطيع الفلسطينيون والعرب ومؤيدوهم, استحضار الصور الإجرامية للنظامين, خاصة أن التضامن والتفاعل في الغرب مع الحملة الشهيرة لمقاطعة النظام العنصري في جنوب إفريقيا, كانا حاسمين في إنهاء ذلك النظام غير الانساني الذي أسسه المستعمر الأوروبي الأبيض لينهب ثروات جزء مهم من القارة السمراء.

غني عن القول أن النضال الجنوب إفريقي, الذي قاده الثائر نيلسون مانديلا, لم ينتصر إلا بعد عقود من المقاومة - المسلحة في فترات مبكرة, والسلمية في سنوات لاحقة - وأن حملة المقاطعة لم تنجح في حشد التأييد الكبير في الغرب, إلا نتيجة صمود المناضلين الأفارقة السود و رفضهم للخضوع والاستسلام, غير راضين إلا بالحرية من نظام سلبهم إنسانيتهم, وحَاصَرهَم وحَصَرهم في تجمعات سميت بالبانتوستان, تحت إدعاء "الحكم الذاتي للسود", تماما كما تفعل إسرائيل من تقطيع أوصال فلسطين, وتجزئتها إلى مجتمعات محاصرة بالمستعمرات الاستيطانية اليهودية, هذه المرة تحت شعار "الدولة الفلسطينية".

الجدير بالذكر أن إسرائيل كانت أقرب حليف لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا, سواء من خلال شراكتهما في سرقة ثروات مناجم جنوب إفريقيا الغنية بالمعادن الطبيعية, أو من خلال صناعة الأسلحة وتطويرها, التجارة بها واستعمالها في قمع الشعوب, إما مباشرة أو عن طريق بيعها للمرتزقة ووكلائهم الذين كانوا منتشرين يعيثون دمارا في القارة الإفريقية, لصالح الشركات و وكالات المخابرات الغربية في تلك الحقبة.

إسرائيل, كانت ولا تزال, ترفض المقارنة مع نظام الأبارتهايد البائد في جنوب إفريقيا, لأن ذلك يفسد الصورة التي روجتها لنفسها "كدولة ديمقراطية", وتأخذ أسبوع "اسرائيل: نظام فصل عنصري " بجدية كبيرة, إذ استقدمت خبراء علاقات عامة من جميع أنحاء العالم ثم أفدت 100 خبير, مع طواقمهم الولايات المتحدة وأوروبا لقيادة حملة إعلامية هدفها وصم الأسبوع التضامني والمشاركين فيه "بالعداء للسامية وكراهية اليهود".

المتتبع لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين, يلاحظ أن كليهما يتعامل مع مثل هذه الفعاليات, :أنها معركة إعلامية وسياسية بامتياز, ترصد لها ألأموال, و توظف لها الأقلام, لأنها بنظرهم جزء من عملية سياسية "لنزع الشرعية عن إسرائيل", إذ أن شرعية إسرائيل مرتبطة بالغطاء الديمقراطي الكاذب, الضروري للتغطية وإضفاء الشرعية على الاحتلال والاستيطان وما يتبعه من اقتلاع وتهجير للشعب الفلسطيني.

كما تحارب إسرائيل وأمريكا, وبكل حدة, ما قد يؤدي إليه تنظيم هذه الأسابيع الفاضحة للجرائم الفلسطينية, من استجابة لدعوات حملة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية العالمية ضد إسرائيل, والتي أجبرت عددا من الشركات بعدم فتح فروع لها في المستوطنات اليهودية, أقنعت عدداً من الفنانين بالغاء عروضهم في إسرائيل.

صحيح أن هذه النشاطات والإنجازات, لا تستطيع أن تحل مكان المقاومة المباشرة ضد الاحتلال الإسرائيلي على الأرض, لكنها من الأهمية بحيث استدعت, تنظيم ندوات متخصصة حول خطر وسبل مواجهة حملات مقاطعة إسرائيل, على هامش مؤتمر هرتزيليا الصهيوني, وهو أهم مؤتمر استراتيجي تعقده إسرائيل لمناقشة خياراتها مع مفكريها, مستعينة باستراتيجيين دوليين, وأن يقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما وعداً أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني "بمحاربتها" ذاكرا حركة المقاطعة باسمها الرسمي الكامل, مما يدل على القلق الإسرائيلي من تنامي الحركة الأممية.

فعاليات أسبوع العز والكرامة, بما تحويه من محاضرات قيمة حول الحقوق الفلسطينية, وأعمال فنية وأفلام, ضرورية جداً لتدعيم صمود العالم العربي, ضد محاولات الخرق الإسرائيلية, المدعومة أمريكياً, لفرض قبول رسمي وشعبي بالاستعمار الإسرائيلي, لأنه يوجد فصل بين ثورات العدالة السياسية والاجتماعية ومقاومة الاحتلال.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد