نُذُر عاصفة في ذكرى الكرامة!

mainThumb

20-03-2012 11:11 PM

كانت معركة الكرامة علامة تحوّل في التاريخ الأردني الحديث، وصفحة من صفحات الكبرياء الوطني، ورمزا من رموز التضحية والفداء، ومفصلا في تاريخ الوطن، بدأت بعدها مرحلة حيوية من تاريخنا، لقد كانت الكرامة تجسّيدا للتلاحم بين القيادة الهاشمية والشعب في أبهى صوره، فكانت النتيجة نصرا مشرّفا، وبشرت بولادة يوم من أيام الأردنيين المجيدة، رغم صعوبة المرحلة، ورغم صلف العدو، وشراسته.
 
لكن ذكرى الكرامة تأتي هذا العام في ظل أحزان كثيرة، ومشهد سياسي قاتم، بل بحر متلاطم الأمواج من العنف المجتمعي المقلق، وتراجع لهيبة الدولة، وتشكيك بقرارات الحكومة، وتوجهاتها، ناهيكم عن كثرة المظاهرات والاعتصامات، وخوف من الصدامات....خيم منصوبة لنصرة فاسدين، وأخرى مهدومة لمطالبين بمحاربة الفساد... إضافة إلى توتر عام في المنطقة المحيطة.
 
إن مشكلتنا  الكبرى كائنة مع الفساد والمحسوبية وإذا لم نسارع إلى إيجاد الحلول السريعة، ومحاسبة الفاسدين واسترجاع ما نهبوه، سنسير في نفق مظلم لا تُعرف نهايته، وما هذه الاعتصامات غير المتناهية، وارتفاع سقف المطالب جمعة بعد جمعة، وهذه الفوضى التي تدّب في أرجاء الوطن- إلا نُذُر عاصفة قادمة لا محالة.
 
لقد عانى الأردنيون معاناة طويلة ومريرة من هذه الآفة، وصبروا صبرا جميلا أملا في إيقاف المدّ الزلزالي للفساد الذي ابتلع منجزات الأردنيين ومقدّراتهم على مدى سنين طويلة في ظل حكومات متعاقبة، فإذا هم في مواجهة مديونية ضخمة، وبيوعات لأراضي الدولة، وشركات كثيرة، وتورّم بطون الفاسدين، وانحناء أبناء الوطن الكادحين فقرا وعوزا، لقد تمدد الفاسدون في أرجاء الوطن كافة، أما اليوم، فالشعب بدأ يتنادى عبر فضاءات الكون الأردني:لا مكان  للفاسدين بيننا.
إن روح التصميم على مقاومة الفساد ظاهرة، والمطالبة بحقوق كان مسكوت عنها في الماضي أصبحت معلنة، لقد بدأ المواطن يعي أن عليه إجبار الحكومة على تنفيذ مطالبه، وسداد حقوقه، لا أن تجيّر هذه الحقوق لصالح ثلة من الفاسدين، فهو أحق بمكتسبات وطنه؛ لأنها من إنتاج سواعده، وهو أولى بالوظائف العليا؛ لأنه الأقدر على الحفاظ على وطنه من أولئك الذين يهبطون على ثراه فقط لنهب خيراته؛ لذا فإنّ هبّة أبناء الوطن هي هبة في وجه الفاسدين والمتسلقين، وهم مثلما صنعوا نصر الكرامة، فإنهم قادرون على صنع النصر ضد الفساد والمحسوبية.
 
لقد اتفقت القيادة والشعب على ضرورة الإصلاح والحاجة إليه، فإذا توافرت الإرادة، فإن كل شيء بعد ذلك ممكن، ويبقى التنفيذ الذي يُؤمل أن يأتي سريعا، وقبل فوات الأوان؛ لأنه بات من المؤكد أن الشعوب ما عادت تُحسن، ولا تُطيق الانتظار. 
فما أحوجنا اليوم إلى كرامة ثانية نقف فيها وقفة مماثلة لوقفة معركة الكرامة لنحمي وطننا، ووجودنا، فحربنا هذه المرة ليست أقل شراسة من معركة الكرامة، فهي معركة ضد الفساد الذي يئن الشعب الأردني تحت وطأته، وهو لا يقل خطورة عن العدوان الخارجي، بل لعل النخر في الداخل أكثر خطورة؛ لأنه يزحف على الوطن ومكتسباته، فيدمرها تدميرا، وما أحوجنا إلى وقفة ثانية يتحد فيها أبناء الوطن كافة للخروج بأردن منتصر يحتفل بنصره أبناؤنا وأحفادنا؛ نصرا يخرجنا من ظلمة الهزيمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد