في الزمن الصعب

في الزمن الصعب

21-03-2012 10:45 AM

كما تجرأ السادات على البابا شنودة يتجرأ اليوم سمير جعجع, على البطريرك الراعي. القاسم المشترك بين القيادتين الدينيتين, هو موقفهما من القضايا العربية ومن اسرائيل.

فان يكون بابا الاقباط او بطريرك الموارنة متمسكين بدور المواطنة, يمارسانها قيادة وتوجيها, لامر يتجه عكس التيار المرسوم دوليا واقليميا. حيث ان هاتين الطائفتين هما المرشحتان لادعاء الحماية الاجنبية, لروحية التقسيم ولتسويق اولوية الانتماء الديني الطائفي على الانتماء الوطني. وهذا ما يفسر تجاهل الاصوات التاريخية الوطنية والقومية, ودعم الاصوات الطائفية الانعزالية التحريضية, بل وحتى بثمن نسيان ماضيها المجرم..

لذا فان اصرار قيادة دينية على دور المواطنة وعلى تثبيت المسيحيين في مشرقهم وفي ارضهم, ضد كل مشاريع التهجير, هو تصد لهذه المشاريع التي تهدف الى تهجير المسيحيين, إغراء او قسرا لإقامة دول دينية مسيحية او اسلامية, حول اسرائيل, تبرر يهودية الدولة المغتصبة. الموارنة والاقباط مرشحون, لاسباب ديمغرافية وجغرافية لإقامة كيانات دينية تنفصل عن دولتها وعن امتها وترتبط بأمريكا وإسرائيل, أما بقية مسيحيي الدول العربية فمرشحون للتهجير كي تقوم دول اسلامية صرف, لا يكون بعضها بعيدا عن اسرائيل.

لذا كان موقف البابا الراحل استثنائيا لحماية الكيان الوطني المصري والعربي (خاصة ان مصر هي دولة الاقتراح لكل العالم العربي): موقفه من المواطنة المصرية. وموقفه من اتفاقية السلام هو الذي تبوأ قمة مقاومة التطبيع عندما افتى بتحريم الحج الى القدس تحت الاحتلال واصر على تلك المقاومة حتى في سجن السادات.

مواقف شكلت الاستمرار التاريخي لمواقف الوطنيين المصريين الاقباط كمكرم عبيد الذي قال يوما: "اذا كان الانجليز قادمين لحماية الاقباط فليمت الاقباط ولتحي مصر". مثله مثل موقف الزعيم السوري فارس الخوري القائل: "انا مسيحي دينا مسلم حضارة", او مواقف الوطنيين اللبنانيين الكبار الذين اسسوا لمفهوم القومية ولمفهوم المواطنة. هؤلاء الذين يعود البطريرك الراعي بالبطريركية المارونية, الى خطهم. فيما يذكرنا بموقف البطريرك المعوشي في نهاية الخمسينيات, يوم اندلعت الاحداث الطائفية في لبنان, واتخذ البطريرك الراحل موقفا جعل الانعزاليين يطلقون عليه لقب: محمد المعوشي غير ان الفارق الكبير بين هذه المواقف التاريخية هو طبيعة الزمن, زمن عصر النهضة وزمن المد القومي, وزمن اخر.

لذا نقول ان البابا شنودة رحل في الزمن الصعب, زمن تقسيم السودان على اساس ديني, زمن الضغط على الاقباط لزرع الفرقة ان لم يكن لتقسيم مصر - على المدى البعيد - على اساس ديني, وذاك ما وصفته معاريف غداة احتلال العراق ب¯ "هديتنا الكبرى" زمن احتلال العراق وتهجير مسيحييه, وزمن الاستدعاء المحموم للتدخل الاجنبي في سورية .. وسكوت الاعلام العربي عن عمليات الارهاب الموجهة ضد مسيحيي هذا البلد لاجبارهم على الهجرة, خاصة الى لبنان, وصولا الى تحقيق شعار "المسيحيين الى بيروت", الذي رفع في العاصمة اللبنانية منذ الاسبوع الاول لاحداث سورية, كي تحقق دولة سمير جعجع, وبهذا نفهم الصراع بين منطقين احدهما يريد تثبيت المسيحيين في ارضهم كمواطنين عاديين والاخر يريد تجميعهم في حظيرة واحدة لتنفيذ خطة الاوطان الدينية.

واخيرا انه زمن تحول من كان يتصدر مقاومة التطبيع الى تبرير التطبيع

رحل بابا العرب, وكل املنا ان ينتخب الاقباط بابا يشبهه .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد