الادلاء السياحيون

الادلاء السياحيون

25-03-2012 10:39 AM

قبل اكثر من ربع قرن كنت أنجز كتابي محاولة لاكتشاف الوطن, الذي قدمت فيه مسحا للبيئة الاثرية والطبيعية الاردنية, ويومها كانت الشكوى قائمة من اداء الادلاء السياحيين. واذكر انه عندما تولى الاستاذ ينال حكمت منصب وزير السياحة فكر في انشاء أكاديمية لتأهيل هؤلاء.

لا ادري منذها ما اذا كانت هذه الاكاديمية قد انشئت ام لا. وما اعرفه ان هذا القطاع قد تنظم بجمعية هي اشبه بالنقابة. مما يعني ان عملها اصبح اكثر ضبطا ومهنية. غير انني وقد عدت الى تجديد محتوى كتابي, كون وزارة الثقافة ستقوم باعادة طباعته, فانني بدأت زيارات للمواقع, التي كتبت عنها, والتي اكتشفت بعد صدور الكتاب, لغايات التجديد والدقة. غير انني افاجأ باداء لبعض - بل ولاكثرية الادلاء لا يقل سطحية - ان لم نقل سوءا - حيث تردد على مسامع السائحين معلومات إما مسطحة جدا, وانما أشبه بحكايات الجدات الخرافية. حتى اذا ما حاولت تصحيح مقولة لاحدهم, اعتقد انك دليل آخر تنافسه على رزقه, خاصة اذا كان يتقن لغة اجنبية ويحظى بشرف (!!) مرافقة فوج اجنبي. وربما يكون الاداء الذي يقدم لبعض الرحلات المدرسية اسوأ من ذلك, كونهم ليسوا سياحا بما يعنيه السائح.

المشكلة أبدية وهي ذات وجهين : الاول هو آثار وتاريخ البلد هي مصدر فخار وطني للمواطن, وهي اللوحة التي تحدد ملامح الهوية الوطنية بكل ابعادها الحضارية, اذا هي اول وسائل معرفة الذات, من جهة واول وسيلة لكسر عقدة النقص تجاه الاجنبي, من جهة ثانية.

أما الثاني, فهو ان هذه المشاهدات والمعارف نفسها هي الوجه الذي تقدم به نفسك - بلادك, حضارة وثقافة وخصوصية للاجنبي.

واخيرا يأتي التسويق السياحي بالمعنى المادي الاقتصادي, الذي بات القيمون يرون فيه الهدف الوحيد من السياحة, في حين انه يجب ان يكون الهدف الاخير, علما بانه لا يتناقض مع الهدفين الآخرين.

في الوجه الاول, يصر الادلاء على ان ينسبوا كل أثر نجده الى غريب: الرومان, اليونان, البيزنطيين, العثمانيين. وفي ذلك جهل واقعي كبير حول التمييز بين ان يكون الاثر ذو طابع يعود الى احدى هذه المراحل, وذا تاريخ ينتمي الى احدى هذه المراحل, وبين ان يكون هؤلاء المستعمرون هم الذين بنوه. وفي هذا حديث طويل, يختصر بكون معظم المواقع هي طبقات تتوالى منذ المراحل النبطية والاشورية والبابلية حتى تصل المراحل المذكورة, في حين يقدم بديلا على ان السكان المحليين هم الذين كانوا يجددونها في كل عصر من هذه العصور (مع تعديلات طفيفة احيانا كتحويل معبد من اسم اله نبطي او ارامي او عموني الى اسم اله روماني او يوناني من ثم الى كنيسة ومن ثم الى مسجد), كما يختصر بسؤال لا بد لاي مهتم ان يوجهه لنفسه: لماذا لم يبن كل المستعمرين الذين ذكرنا هذه الاثار الضخمة والمهمة في بلادهم الاصلية بقدر ما بنوها عندنا? ومنه: لماذا كانت اهم مدرسة لتعليم الفسيفساء في كل الامبراطورية البيزنطية في مادبا? أليس ذلك ما يبرر انتشار هذا الفن في مئات المعابد منذ ما قبل البيزنطيين بقرون?

اسئلة لا تعد ولا تحصى, طرحتها بالواقعة العلمية منذ خمس وعشرين عاما, وها انا اعيد العمل اليوم, فأجدني أعيد طرحها من جديد وللأسف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد