سناء محيدلي

سناء محيدلي

27-03-2012 10:40 AM

منذ كنت طالبة صغيرة, لم ارتعش ولم اتلعثم امام ميكروفون, تماما كما يتقن البعض الرياضيات او الرسم.

لكنني بالامس, وفي رابطة الكتاب الاردنيين, تعثرت بما تدفق وتقاطع في رأسي, من المخ الى مجاري الدمع وانا اتسلم درع الشهيدة سناء محيدلي. طالعتني ابتسامتها الشهيرة المشرقة, شعرها المنشور حرا تحت طاقيتها السوداء الحاملة للرمز الاحمر الدال على معنى شهادتها. ارتجفت يداي وانا اتسلم علبة من خشب تراءى لي وللحظة انها تضم رفاتها التي لم تسلم للبنان ولاهلها الا بعد اكثر من عشرين سنة من استشهادها, في اطار صفقة التبادل الشهيرة. اختلطت في رأسي اصوات الانفجار المدوي الذي نفذته بلحظة ضغطة قدمها, الصغيرة, تدوس الموت وهي تضعه في خدمة الحياة, الحياة التي تعلمت سناء وآمنت بانها وقفة عز فقط!

آمنت لان من علمها لم يكتف بالتنظير والخطب, وانما وقع رسالته بوقفة عز على رمل بيروت, اصبحت, والى الابد, طاقة الشحن والنموذج الذي يحرك اجيالا نحو طريق العز. اجيالا قال عنها: لو انفض عني جميع القوميين الاجتماعيين لدعوت الى العقيدة اجيالا لم تولد بعد. كانت سناء من هؤلاء الذين لم يكونوا قد ولدوا بعد.

لم تكن سناء بسملة الافتتاح, ولم تكن فرادة الشهادة, كذلك لم يكنها السوريون القوميون الاجتماعيون, فقبل سناء قوافل, وحتى في مواجهة اجتياح ال¯ 82 نفسه, كان هناك خالد علوان وكان وجدي الصائغ الذي جاء يصور شهادته لدى سناء فاوحى لها بالسير على خطاه, وتبعتهما سلسلة طويلة من الاستشهاديين القوميين الاجتماعيين, والقوميين العرب من بعثيين وناصريين, ومن اليساريين الذين توجتهم يولا عبود وبعدها سهى بشارة. لم يكونوا من طائفة لبنانية واحدة, توزعوا على الجميع, ولم يكونوا من حزب واحد, توزعوا على الجميع, وان كان القوميون السوريون هم الغالبية, والاهم انهم لم يكونوا كلهم لبنانيين فبينهم اكثر من سوري ومصري, بينهم الموسيقار الجميل عمار الاعسر ابن بانياس الذي لم يصدق اهله ( وكلهم قوميون سوريون ) انه بشفافيته قادر على ابداع الشهادة.

لم تكن الساحة اللبنانية رائدة النضال ولا مبتدعته, ولم تكن حركة مقاومتها الا جزءا من حركة المقاومة العربية في سبيل القضية الكبرى, ولم يكن شهداؤها الا رتلا في قافلة شهداء الامة, لكن حظها انها حركة اثمرت خروج المحتل من الجنوب, وتحرير التراب الوطني... لكنه انجاز يبقى منقوصا ان لم يتحقق على كل ارض عربية وعلى الاخص على ثرى فلسطين. كما انه يبقى منقوصا ان لم يقترن تحرير الارض بتحرير الانسان, من سموم الاقليمية التي حوّلت القطرية العربية الى بؤر عداء ومن سموم الطائفية والمذهبية, التي لم يكن ليعترف بها اي شهيد. ارادوا لنا درسا في الوحدة القومية, فقلبته المرحلة الراهنة الى مأساة من التشرذم المخزي والانعزال المقزز والمدمر.

شكرا لرابطة الكتاب, لان تكرار فعاليات تعيد الى الارض هذه المفاهيم البناءة, ان هي الا خطى مهمة على طريق المقاومة في واحد من اهم بنودها: مقاومة النفس المرضى المقيت الذي يراد له ان يكون آخر مسمار في نعش بلادنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد