معظـم الحكومـات السـابقـة لا طعـم لهـا ولا لــون ، وربمـا لـم يبـق منهــا الا الرائحــة فقـط ، والتي تزكــم الأنـوف ولا تنعشـهــــا .
كلمـا ذهبـت حكومـة وتشـكلـت حكومـة جـديــدة يتنفـس المواطـن الصعـداء ، لعل الآتـي خيــر من الذاهـب ، وتبـدأ الحكومـة في لملمـة الأوراق ، والمشـاريـع والقوانيـن ، التي ورثتهــا عن الحكومة السابقــة ، والمواطـن ينتظـر ويصبـر لعل الفـرج آتـي ، وتتحسـن الأحـوال وتقـل الأسـعـار ، وتـتـم العـدالة الإجتماعيــة بين النـاس ، ولا أحـد يأخـذ دور غيـره في التعيـيــن ، ولا أحــد يظلــم في دخـول الجامعــة ، أو أيجـاد الفرصـة المناسـبة له في العمـل بعـد التخـرج ، وتبــدأ في محاربـة الفســاد والعمـل على اجتـثاثــه من جـذوره ، وغيرهــا من المشاكل والقضايا التي ورثها المواطــن الأردني .
ولكــن وللأسـف تبـدأ العجلــة تـدور من البدايـة ، ولا نرى شـيئا قـد حــل ، أو شـيء تغيــر ، إن لم يكــن للأســوأ ، وتبـدأ الشكـاوي ، وتبـدأ التهـديـدات في المسيرات والاعتصامــات وغيرهـا ، التي لا مفــر للمواطن من اللجـوء اليهــا ، بعـد أن بــح صـوتــه ، ومل وكلت قـواه وهو يسـأل هـذا ويتوسـل لـذاك دون جــدوى ، مـن أن يجــد حلــولا لما هــو فيـــه . يتسـاءل كل مواطــن ، وقـد أصبحــت قضـايـانـا ومشـاكلنــا مكشـوفــة وواضحــة للعيــان , وربمـا الطفـل الصغيــر قـادر على أن يشـير إليهــا ، لم ذلك التقاعـس واللامبــالاة من الحكومـة ، في إعطــاء كل مواطن حقــه والذي كفله له الدسـتور ؟ ولماذا لا تكون الفـرص متكـافئــة للجميــع بــدون تمييـــز أو محـابـــاة ؟
والأهـم من ذلك لماذا لا يحـارب الفسـاد بكل جـديــة وصــدق ، وتحـال كل قضـايا وشـبهاة الفسـاد الى قضـائنــا العـادل ليـأخــذ كل متهــم حقــه في الدفاع عن نفســه ، فإن ثبــتت التهمة عليـه أن يجـازى بمقـدار ما اقترفـت يــداه ، وإذا أخــذ حقــا أو مــالا من الحـق العــام أن يعــاد ذلك الى خزينــة الدولــة ، أمـا البريء فيطلق سـراحــه ، وتنصـب لـه الخيــم ، ليتقبـل التهانـي والتبـريكـــات .
تـرى الحكومـة وتسـمـع ، من تلك الفئـة تظلمهـا وشـكواها على ظلـم وغبــن حصـل بحقهـا ، وتقـف سـاكنـة لا تتـحـرك من أجـل حلــه ومنـذ البدايــة ، بل تتركــه يكبــر ككـــرة الثلـــج ، مما يضطـرهـم الى اللجــوء الى الإعتصـامـات او الاضرابـات أو المسـيرات أو غيرهــا ، مما يعطـل عجلــة حركـة الاقتصـاد في البلـد ، وما ينتـج عن ذلك من اضرار نفسـية واقتصاديــة ، تضطـر بعدها الحكومـة الى الحوار واستعمال كل السبل من أجـل اعادة الوضع إلــى ما كــان ، أو تنـصــاع إلـى تنفيــذه .
مسـؤوليـة الحكومـة هو في رعايـة المواطن ، وتوفيــر كل السبل والامكانيـات من أجـل راحتـه واسعاده ، وتأميــن فرص العمل للجميـع بلا اسـتثنــاء ، والقضـاء على الاحتكـار والإسـتغــلال ، بمراقبــة الأسـعار وعـدم تـرك البـاب مفتوحــا لكـل من يشـاء في رفع أسـعار السلع بما ينسـجم مع مصالحــه ، دون إكتـراث بأوضاع المواطنيــن ، الذين هم في غنى عن ذلك ، لمـا يعانــوه والسـياط التي تلسـعهــم من نـار الأسـعار وغـلاء الخــدمـات .
إن الحكومـة الحاليـة مطالبــة بالحـوار والوقـوف على مطالــب وحـاجــة المواطنيــن ، وتفعيــل القوانيــن المحاربــة للفســاد, ودعـم هيئــة مكافحــة الفســاد في عملهــا وتوفيــر كل ما تحتاجــه من كادر بشـري ، أو تذليك العقبــات في طريقهــا ، خاصة بعد أن زارها صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ، وشــد على يــد رئيســها ، وقال بأنه لا أحــد فـوق القانــون ، أو معصــوم عن المسائلــة ، مهمــا كان مركــزه أو موقعـــه ، وإخــراج قانـون من أيــن لــك هــذا ، ولنــا في أميــر المؤمنيــن الخليفــة عمر بن عبــد العزيــز ، عبــرة وهـو الذي ســن ذلك القانون بمجرد أن تولـى المسـؤوليــة في زمن الأموييــن ، وابتــدأ في عائلتــه ثم الأمــراء والأشـراف والتجــار حتـى أصغـر عامل فيهــا ، وكل الأمـوال التي ليســت حقــا لهــم ، حجــز عليهــا ، وأودعهــا في بيــت المسـلميـــن ، وبعـد ذلك عمــت العدالــة أرجــاء الدولــة، ولم يعـد هنـاك ظالــم ومظلــوم ، وأخـذ رجــال الزكــاة يبحثــون عن فقــراء لأعطائهــم من مال المسلميــن فلــم يجــدوا أحــدا فقيــرا ,وانتشرت العدالــة والمحبــة بيــن الناس عمومـــا .
ونحــن هنــا يخــرج ملف ذلك القانــون من الأدراج ، ثم ما يلبــث أن يعــاد الى مكانــه مرة أخــرى دون مناقشــــة ومعرفــة السـبب وإن كان المسـببيــن لذلك هم من عاشــوا على الفســاد ولا يريــدون أن يتغيــر شــيء حتى لا تضيــع أموالهــم ومصالحهــم التي نهبــت من المواطنيــــن .