جاء في موروثنا العربي أن أهل قرية ائتمنوا راعيا على ماشيتهم فكان يجمعها كل صباح وينطلق بها الى المراعي بين السهول والكروم تأكل مما أنبت الله في الارض من أعشابها وحشائشها ثم يعود بها في المساء وقد امتلأت بطونها بالخير ، وذات يوم وبينما كان الراعي مع الماشيه تسلل الملل الى نفسه فراح يبحث عن تسلية يروح بها عن نفسه حتى يحل وقت العودة الى القريه ، وبينما هو في تفكير عميق توصل الى فكرة تكون تسلية له من ناحية واختباراً لمكانته عند أهل القرية من ناحية أخرى .
ترك الراعي ماشيته في المرعى وتوجه الى القرية مسرعاً وما أن وصل الى مشارفها حتى راح يصرخ وينادي بأعلى صوته مستنجداً بأهل القرية من الذئب الذي هاجم ماشيتهم ، ولأن الماشية كانت مصدر الرزق وعليها الامل في تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي والاجتماعي لأهل القريه ، هب أهلها شيباً وشبابا ، يحمل كل منهم ما طالته يده ، فأساً أو عصى أو حجراً أو سكين ، وتوجهوا للدفاع عن مصدر رزقهم وطرد الذئب من مراعيهم ، ولما وصلوا هناك وجدوا ماشيتهم ترتع بكل أمان ، ولم يكن هناك ذئبا أو اعتداء ، ولما سألوا الراعي أجابهم بأنه أحب أن يمازحهم ويتسلى معهم بعد أن اصابه الملل ، وعاد أهل القرية فرحين بعد أن اطمأنوا الى أن ماشيتهم بخير .
أعجبت الراعي الفكرة ، وفي اليوم التالي قرر أن يعيد الكرة وما أن حلت الظهيره حتى مضى الى القرية ولما وصل الى مشارفها كرر ما كان منه البارحه ، وهب أهل القرية على طيبتهم وسجيتهم يحملون ما وجدوه أمامهم وتوزجوا الى المرعى لتخليص مصدر رزقهم من الذئب ، لكنهم لم يجدوا الا ما وجدوه البارحة ، لا ذئب ولا اعتداء والماشية ترتع من خيرات الارض التي منحها اياها الله ، فعادوا يحمدون الله ويشكرونه أن ماشيتهم بخير
وفي اليوم الثالث وبينما الراعي يتجول مع الماشية في المرعى حتى ظهرت اليه مجموعة من الذئاب تكشرعن أنيابها وتعدد العدة للانقضاض على الماشية ، ففزع الراعي وتوجه الى القرية ولما وصل مشارفها راح يصيح ويستنجد وينادي على أهل القرية الا أن أحداً لم يجب فقد فطنوا الى أن الراعي يلاعبهم ويمازحهم وأن ماشيتهم بخير فلا ذئب ولا عدوان ، بح صوت الراعي وعلا بكائه وهو يولول ويرجو أهل القرية أن يصدقوه هذه المره الا انهم صموا آذانهم عنه ، وفي المساء عاد الراعي بالماشية وأخبرهم أن الذئاب افترست جزءاً من الماشية وبالكاد خلص جزءاً منها من الاعتداء .
هكذا قصة حكوماتنا مع الشعب الاردني ، فقد أعلنت حكومة معروف البخيت عام 2007 بأنها ستجري انتخابات نيابة بأعلى مقاييس النزاهة والحيادية والحرية بعيداً عن التلاعب والمحسوبية ، وقد نادت الشعب الاردني ، وطلبت منه تحمل مسؤولياته والمشاركة في اختيار من يمثله التمثيل الصحيح في مجلس نيابي قوي قائم على أساس النزاهة والشفافيه ، ولأن الشعب الاردني على طيبته وسجيته وفطرته أراد أن يدافع عن مقدرات وطنه وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي ، فقد لبى نداء الحكومة وخرج للمشاركة بالانتخابات بكل فئاته وقواه ، على أمل أن يفرز مجلسا حريصا على مصالح الشعب والوطن ، ولما أدوا واجبهم الوطني أصابهم ما أصاب أهل القرية ، فلا نزاهة ولا شفافية ولا حياديه ، وما أن ظهرت نتائج الانتخابات حتى تبين لهم أن الحكومة ما أرادت الا أن تتسلى بهم بعد أن شاهدوا أن المجلس ما كان الا نادياً للتجار واصحاب رؤوس الاموال الذين أرادوا المجلس ليجيروا التشريع لمصالحهم واستثماراتهم وجيوبهم .
وبعد سنتين تم حل المجلس بعد أن ايقن الجميع بانه لم يكن على قدر المسؤولية التي اولتها اياها الحكومة على اعتبار أنها هي التي أتت به ، وفي عام 2010اعلن عن البدء باعداد قانون جديد للانتخابات في عهد حكومة سمير الر فاعي ، وراحت الجكومة تحاور وتناور وتعقد اللقاءات والاجتماعات مع القوى الشعبية والسياسيه وطلبة الجامعات في محاولة منها لتلميع العملية الانتخابية القادمه وراحت تطلق التصريحات من رئيسها وأعضائها حول الشفافية والنزاهة والحياديه في هذه المره ، معلنة أنها تقف على مسافة واحدة من جميع الناس ، وراحت كالراعي تنادي الشعب بأن يهب ليبسجل أعلى مشاركة في الانتخابات التي ستكون مثالاً في النزاهة والحياديه والشفافيه ، وأنها لن تسمح بتكرار ما حدث في الانتخابات السابقة من أخطاء ، وأنها تضع الشعب أمام مسؤولياته في اختيار الافضل والانسب والاقدر على حماية مصالح الشعب والوطن ، ولأن الشعب كان ما زال لديه خيط من الثقة بالحكومة خرج كما المرة الاولى بكل فئاته وقواه للمشاركة في الانتخابات ليساهم في نجاحها وليكن عنصراً هاما من عناصر الصدق والامانة والشفافيه ، ولكن وما أن ظهرت النتائج حتى أيقن الشعب أن الجكومة تتسلى به ، فلا نزاهة ولا شفافية ولا حياد ، وأكتشف الشعب بأن دوائر سمير الوهميه كانت بيئة مناسبة للتزوير والتحوير والمحسوبيات والشلليه ، فجاءت بمجلس ناخ لها لتسلط على رقاب الشعب ما تريد ، وقد تأكد الشعب بأن ما جرى لم يكن ارادة شعبية بقدر ما كان ارادة رسمية جاءت بمجموعة من الناس لا هم لهم الا الصفقات مع الحكومة وبعيداً عن الشعب وقد كانت ثقة الـ (111) والماده (23) وتوزيع (المكسرات ) وأخيراً (الفوسفات ) وحماية الكردي ومن هم على شاكلته ما هي الا دليل على أن لا مكان لمصلحة الشعب في أجندة معظم المزَورين .
الان تريد حكومة عون الخصاونه أن تعيد الكرة للمرة الثالثه كما فعل الراعي الفطين ، فراحت تتحدث عن قانون انتخاب توافقي وتصرح بأن الانتخابات القادمه ستكون مثالاً في النزاهة والحياد وأن التزوير قد مسح من قاموس السلطه ، وأن الشعب هو من سيختار ممثليه ونوابه ، وأن لا مصلحة للحكومة في التدخل أو التلاعب أو التزوير وراحت تعقد اللقاءات والحوارات مع القوى السياسيه والشعبية والوطنيه ، تروج لقانونها الجديد وانتخاباتها القادمة الشفافة والنزيهه .
السؤال الان ،وبعد القانون الجديد للانتخابات هل سيصدق الشعب الحكومة ويمضي معها كما تريد ، ويتوجه الى المشاركة الفاعلة بالانتخابات وينسى أو يتناسى خوازيق الحكومات السابقه وصفعاتها للشعب بمجالسها المحسوبة عليها ويفتح لها المجال لتمارس لعبة الراعي كما يحلو لها في محاولة لاختبار مكانتها لدى الناس ؟ أم انه يتفطن كفطنة أهل القرية بأن الحكومة تتسلى بهم وأن خيط الثقة قد انقطع وأن أقوال الحكومة وأفعالها لم تعد موضعاً لتلك الثقه ،ويتركون الحكومة تواجه مصيرها وتجري انتخاباتها هي وممثليها ومنافقيها والمطبلون لها وحدهم ، ينعمون بشفافية زائفه ونزاهة مشروخة ، وحيادية وهمية ، ويفعلوا كما فعل أهل القرية ، يصموا آذانها ويتركوا الحكومة تنادي وحدها دون مجيب ؟ !!!!