الفهم القاصر للإسلام

mainThumb

23-04-2012 10:13 AM

أصبحت الأمّة تعاني من الذين يتحدثون باسمها وفهمهم للإسلام فهما قاصرا; فمسألة حرية التدين وحرية الاعتقاد والاعتراف بالتعددية الدينية, أصبحت موضوعاً بدهياً لا تحتاج فيه الشعوب العربية والإسلامية إلى مزيد من الوعظ ومزيد من كثرة الكلام, لأنّ المسلمين هم الذين علموا البشرية ونقلوا العالم كلّه إلى ضرورة احترام الأديان واحترام أصحابها, وهذا لم يكن وليد التطور الذي طرأ على عقلية المسلمين والعرب, ولم يكن نتيجة المحاضرات التي يلقيها علينا أدعياء الديمقراطية والتعددية, بل إنّ الله هو الذي أنزل الكتب على الأنبياء هو الذي أمر بذلك, في قوله تعالى:}لا إكراه في الدين, قد تبين الرشد من الغيّ{, ولذلك لا سلطان لأحد على أحد في موضوع العقيدة والدين, أو الفكر وكلّ ما يحويه القلب والعقل.

لكن ما ينبغي فهمه أنّ الإسلام ليس عقيدة فحسب, فهو فلسفة حياة للبشرية, يقدم للإنسانية مجموعة من القيم وزمرة من المبادئ التي تنظم شؤون الأسرة, كما تنظم شؤون العلاقات الاجتماعية, وأصول التعامل الإنساني مع المال, ومجموعة من المفاهيم للتعامل مع الشعوب والدول في السلم والحرب, فكما أنّ هناك من يتبنّى فلسفة اقتصادية غربية رأسمالية, تقوم على المذهب الفردي, ويسمح له بذلك, فهناك أيضاً من يتبنّى فلسفة اشتراكية أو شيوعية أو ماركسية, ويريد تطبيقها عندنا, ويسمح له أيضاً بذلك, فيجب أن نعلم جيداً أنّ هناك مجموعة كبيرة ¯ وأقول كبيرة جداً ¯, تتبنّى فلسفة اقتصادية قائمة على مرجعية إسلامية, لها أسسها وخصائصها, وآثارها, وتنسجم مع فلسفة اجتماعية وسياسية في المضمار نفسه , تصلح للتطبيق في عالم البشر والناس والآدميين بشكلٍ عام, سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين, هذه الفلسفة لها معارضون ولها منتقدون ولها خصوم, فليكن ذلك, فهذا حقهم, لكن لا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال منع من يحمل هذه الفلسفة في السياسة والاقتصاد من التبشير بها والدعوة إلى تطبيقها, بحجّة مرجعيتها الإسلامية وجذورها الدينية, فهذا ظلمٌ وتعسف وعبث وجور لا يسمح به, ولن يستمر التواطؤ معه تحت هذه الذريعة إلى الأبد.

الإسلام هو الضمانة لعدم الإكراه, وهو الضمانة لعدم مصادرة حريّة أصحاب العقائد والأديان والأفكار وليس العكس, فلا يجوز مصادرة حق الإسلاميين في تأسيس الأحزاب والدعوة إلى فكرتهم والتبشير بها, بينما يسمح لكلّ من هبّ ودبّ من أتباع الفلسفات الأخرى.

إنّ التستر تحت هذا المبدأ يدلّ على وجود بعض الذين يجري في دمهم الإقصاء, وحب الاستئثار بالسلطة, ومنع الآخرين من المشاركة, ثمّ يزعمون أنّهم ديمقراطيون وأنصار للتعددية, وهم منها براء, ولها أعداء.

لا يجوز لمن لا يفهم الإسلام ولا يحمل فلسفته في الحياة, ولا يجوز لمن يعاديه ويزدريه أن يفرض على الأمّة هذا الفهم الناقص والمشوّه, ويصبح جزءاً من تشريعات الأمّة وقوانينها, ويعطينا محاضرات في الفهم والاستيعاب, أعتقد أنّ هناك من يمارس الاستخفاف بالأمّة كلّها عندما يمارس الاستخفاف بمشروعها الحضاري الكبير, الذي استطاع أن يوحد هذه الأمّة ويرفع شأنها بين أمم العالم, من خلال التنظير والتطبيق والواقع, على مدى قرون من الزمن, ولم يحقق لنا الآخرون إلاّ الهزائم والفرقة والتبعية والشرذمة وقلة الهيبة, وضياع الهويّة وضياع الأوطان وتبديد المقدرات, والتخلف والفقر والبكاء على الأطلال .

rohileghrb@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد