الكبار وحلّ الأزمات

mainThumb

26-04-2012 11:35 AM

تقاس عظمة القادة, وطول القامات بقدرتهم على حلّ الأزمات, خاصة المستعصية منها, ولا يمكن عدّ افتعال الأزمات وإثارة المشاكل نوعاً من الدهاء المحمود في الساسة الذين يتولون مصير الشعوب وإدارة التجمعات البشرية, ولذلك يروى أنّ "تشرشل" أحد رؤساء الحكومات البريطانية في القرن الماضي جاء لزيارة فلسطين المحتلة, فخاطبه أحد رؤساء البلديات الفلسطينية: أنت لست رجلاً عظيماً, لأنّ الرجال العظماء هم الذين يحلون المشاكل الكبيرة, أمّا أنت فقد أوجدت أكبر مشكلة في التاريخ الحديث, وهي ايجاد الكيان الصهيوني في قلب الأمّة العربية والإسلامية.

بالتأكيد إنّ "تشرشل" يعده شعبه ويعده العالم من القادة البريطانيين العظام الذين قطفوا انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية, ولكن العظمة الحقيقية في الميزان الإنساني تنبع من الجهد المبذول والناجح في حلّ أزمات العالم وأزمات البشرية, وأعتقد أنّ المعيار هو الأسلم والأكثر صحة في الحكم على عظماء العالم.

ويروى في السيرة أنّ (شاس بن قيس) وهو شاعرٌ يهودي, يتقن فنّ إثارة الخلاف, والبحث عن مكان النزاع وتفجير الخصومة بين فئات ومكونات المجتمع, وقد استطاع أن يفتح الجروح التاريخية بين الأوس والخزرج المكونين الرئيسيين لمجتمع المدينة المنورة, اللذين جمع بينهما النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إليهم حاملاً رسالة النبوة إلى العالم.

فالفرق هائل وكبير بين منهجين عند قادة العالم ورجاله, فشتان بين من يبحث عن عوامل الاتفاق ونقاط المشاركة وأسباب الوحدة, والتغلب على عوامل التفرقة ونقاط النزاع وأسباب الخلاف المفضي إلى الضعف والتشتت وذهاب الريح وبين من يمتلك المهارة في تفتيت النسيج الاجتماعي, وإثارة كوامن التعصب, وأسباب التفرق, ويظنّ ذلك من الدهاء السياسي والذكاء الإداري المأخوذ من شعار (فرق تسد).

ولذلك نحن معنيون بالتعاون والمشاركة على إنقاذ البلاد والعباد من أتون الأزمات وبحر الخلافات, ممّا يحتّم على كلّ الأطراف أن يبحثوا عن القوانين والتشريعات التي تقوم على معايير العدالة وعلى أسس المنطق الإنساني العام الذي يشكّل نتاج التجربة البشرية العالمية في الواقع والميدان, ومن خلال تجارب الشعوب في الانتقال نحو الديمقراطية الحقيقية, بطريقة سليمة آمنة ومتدرجة, ولكنّها مقنعة وبعيدة عن النظرات الضيقة, والمعايير الفئوية القاصرة.

إنّ الذين يتسلمون مواقع المسؤولية العامّة عليهم أن يستشعروا أنّ خطواتهم وإجراءاتهم وقراراتهم تسهم في حلّ الأزمات القديمة والمستعصية التي تعاني منها الأمّة ويعاني منها الشعب, بكلّ فئاته واتجاهات ومكوناته. ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالاحتكام إلى المعايير العلمية الصحيحة, والمبادئ الإدارية القويمة, والسعي نحو محاذاة التجارب الناجحة, والنماذج السليمة, وعدم الاستسلام للمنطق المعوج الذي يفرضه الواقع المريض.

rohileghrb@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد