الفساد الأكبر

الفساد الأكبر

13-06-2012 01:56 AM


كل أنواع الفساد سواء كان منها السياسي أوالمالي أو الاداري أوالحزبي من الممكن معالجتها بجهد الاصلاحيين و بصبرهم وتوحدهم وتعاونهم وتضحياتهم ونكرانهم للذات في في سبيل الآخرين  وباستخدامهم  الاساليب الشريفة والأيدي النظيفة والرؤى الواضحة .كل ذلك قد يقع في عالم الممكن وواقع الممارسة الاصلاحية وبدرجات متفاوتة من النجاح وضمن مساحات زمانية ومكانية مختلفة وذلك في اطار تغيير الانظمة احيانا  أو اصلاحها احيانا أخرى بالرغم من كل محاولات قوى الشد العكسي بالابقاء على ما كان كما كان او باساليب المراوغة وطرح القديم بثوب جديد خداع.    


ان اصلاح الفساد في صورته الجمعية ممكن لدرجة لا يستهان بها على ارض الواقع لكن هذا الاصلاح وعلى صورته الكاملة الحقيقية لا يمكن ان يتحقق من خلال تغيير بعض السياسات والانظمة وبعض القوانين وابعاد بعض الاشخاص والرموز من مواقعهم القيادية ,ذلك ان مثل هكذا اصلاح سرعان ما يتحول الى صور مختلفة من التضليل والخديعة حيث يتعرض المجتمع  بفعل الاعلام غير البريء وماكنته المتمرسة في عمليات غسل الادمغة لحد تجعل من الحليم حيرانا بحيث يتم تصويير الامور وكأن المطلوب قد تحقق وأن ليس في الامكان أحسن مما كان        

                          
أما الفساد الذي من  بالغ الصعب على قوى الاصلاح  اصلاحه فهو فساد الانسان الفرد , بل هو بالتحديد فساد النفس . أنه الفساد الذي قادنا الى كل انواع الفساد الظاهرة منها والباطنة. فليس من السهل ان تنجر النفس السليمة الى اي نوع من الفساد فسلامة النفس هي المناعة الحقيقية ضد كل اشكال الانحراف السياسي والمالي والاداري وغيره ولكي يقوم الانسان بالاقدام على مفسدة اي كان نوعها وحجمها فلا بد ان يكون لديه الاستعداد النفسي والحركي للقيام بذلك مما يعني ان لديه نفس فاسده  وهذا بالطبع يكون ناتج عن عقيدة وفكر فاسدين وعن فقدان للمناعة الاخلاقية التي تجعله مطياعا امام الاغراء المادي ومنصاعا للترغيب والترهيب.                                                      
ان مناعة النفس البشرية ضد الفساد والانحراف هي مناعة فطرية وهي من طبائع الانسان اي كان دينه ومعتقده  وهي موروثة ومتوارثة عبر الاجيال تنبع من طبيعته كأنسان يحب الخير ويكره الشر بشكل عفوي منذ الطفولة بعدها تنمو هذة المناعة في ارض المنظومة القيمية التي تتشكل في الوجدان بفعل الافكار والمعتقدات المكتسبة من الدين السائد والنظم السياسية الحاكمة والنسق التربوي المتبع في الوسط الذي يعيش فيه هذا الانسان فردا ومجتمعا , بعدها يتوالى مسلسل من التفاعلات السلبية والايجابية وهنا تتشكل الشخصية المجتمعية بكل ما فيها من تناقضات مختلفة حسب الظروف الحياتية التي يشكلها النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الحاكم مستخدما مختلف الاساليب النابعة من طبيعة هذا النظام أو ذاك.     

                                                  
ان فساد الفرد وفساد المجتمع يغذي احدهما الآخر وهما في علاقة جدلية دائمة والارضية المشتركة بينهما هي فقدان المناعة الاخلاقية وغياب المنظومة القيمية التي تستند اليها المجتمعات . ونحن في مجتمعنا العربي بما فيه الاردني من المفترض اننا نستند الى المنظومة القيمية الاسلامية التي من المفترض انها تمدنا بالمناعة الكافية لحمايتنا من مرض الفساد, فهل نحن كذلك؟ . ان ما نراة ونعيشة مناقض لكل مفردات المنظومة القيمية الاسلامية التي ندعي وجودها فينا وبيننا منذ أربعة عشر قرنا ونييف, فالاسلام عندنا ليس اكثر من طقوس ومظاهر وعبادات الاصل انها علاقة بين العبد وخالقه ولا نكاد نرى الاسلام  القيمي الذي يؤصل للعلاقة بين الانسان وأخية الانسان في المجتمع خارج حدود المساجد والجوامع. وحتى العبادات اضحت طقوس لا روح فيه ولا رائحه فالصلاة اذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر فهي صلاة باطله,وصلاة الجائع والخائف باطلة,والصيام اذا خلى من التقى والتصدق على الفقراء والمحتاجين والجياع فهوصيام باطل والزكاة الناقصة والتي تنفق في غيرمواضعها هي زكاة باطلة .                 

  
المنظومة القيمية الاسلامية أين هي ؟ أين الصدق في المعاملات الشخصية والرسمية ,أين الصدق في التعامل مع الذات ومع الآخرين  بدفعها نحو الحق والحقيقة وابعادها بل وردعهاعن الباطل والكذب, أين الصدق في تزكية الناس بعضهم لبعض  ؟ أين الاخلاص في العمل بأداء ماهو مطلوب والابتعاد عن كل ما ليس له علاقة  باداء الواجب  ؟ وأين الجودة في الصناعة والحرفة والانتاج  بتطبيق المعاعير المثلى كما وكيفا ؟ أين الامانة في حمل المسؤولية كاملة وتحمل ثقلها وتبعاتها والدفاع عنها  وحسن أداءها والتصدي لكل من يحاول العبث بكمية وكيفية أداء هذة المسؤولية ؟ ,أين الأمانة في اعطاء كل ذي حق حقة قريبا كان ام بعيد ؟ أين الامانة في الحفاظ على مكان العمل وأدواته والحفاظ على المال العام؟ اين الصراحة في التعامل مع النفس ومع الآخرين وحسن المعاملة بعيدا عن المجاملة والملاينة على حساب الصالح العام ومصالح الآخرين ؟ اين المصارحة والمناصحة  وقول الحق بما ينفع الناس ونبذ النفاق وصغر الخد والامعية؟                                                                       
أين العدل في احقاق الحقوق  بين الناس وابلاغها لكل فرد بما له وما عليه دونما تمييز؟


أين الأخذ بيد الضعيف اذا سلب حقه والمظلوم اذا أوقعت عليه مظلمة والجائع اذا سرقت لقمة العيش من بين يديه والعاطل عن العمل اذا سدت في وجهه ابواب الرزق الحلال ؟ اين الاخذ على يد الظالم حتى يرعوي ويعود الى جادة الصواب طوعا أو كرها بسيف العدل وقوة القانون؟         

                                                  
أن منظومة القيم التي لا يمكن لمجتمع بشري ان يتواجد وان يتطور وان يعيش بشكل قابل للاستمرار والحياه بدونها هي ضمير الامة الجامع لكل فضائل المعتقدات السماوية والوضعية والافكار النيرة والامثال والحكم الدارجة على السنة الصغار والكبار والقصائد من وجدان الشعراء الملهمين . أين ضمير الامة, وأي امة هذة التي تردد بدون حياء أمثال تقول: (الكذب ملح الرجال... الهريبة ثلثين المراجل...الايد اللي ما بتقدر عليها بوسها وادع عليعا بالقطع...قلوبنا مع فلان وسيوفنا مع علان...عرب يا رسول الله...شايل السلم بالعرض...اللهم نفسي) ان منظومة القيم لدينا نراها في مجتمعاتنا قد تآكلت وذبلت واضمحلت عبر قرون من الظلم والاستبداد وفتاوى علماء الحكام والسلاطين.  بالرغم من اننا كأمه ملكنا ونملك منظومة قيمية محترمة ولكننا رميناها وراء ظهورنا فشاع الكذب شيوعا مفرط على مستوى الفرد والمجتمع حتى صرنا عاجزين عن تصديق كل ما يقال بيننا ومن حولنا , وشاع الغش في المأكل والمشرب والصناعة والتجارة وضاعت الامانة في أداء العمل المعاملات ,وأصبحت الحاجات لا تقضى الا من خلال الواسطة والمحسوبية واصبح أداء العمل وانجاز مصالح الناس في المؤسسات العامة والخاصة يتم بمزاجية فجة وانتقائية بشعة فرقت ابناء المجتمع على قواعد التمييز الاسري والعشائري والجهوي والاقليمي والمنبت والاصل واصبح التعامل بين الناس على الهوية بعد ان تم انتهاك مبدء المواطنة وتكافؤ الفرص بشكل يدفع المجتمع بأكمله دفعا مفزعا نحو الشلل والفوضى والمزيد من العنف المجتمعي وتمزيق المجتمع على اسس اقليمية وجهوية وعشائرية واصبح الجميع يعيش في ضبابية فكرية وسياسية وعقدية لا يجد سبيلا للخروج من انفاقها ودهاليزها.        

                                                                  
انني أرى بأن الاصلاح بكل حراكاته ورجالاتة والمغالبة التي يمارسها , أراة يخوض حربا خاسرة ما لم يحارب على جبهتين اولاها جبهة الفساد السياسي والثانية وهي الاهم جبهة فساد المنظومة القيمية التى نسيناها أو نتناساها والتى لا يمكن ان نكسب الحرب ما لم ننتصر فيها ذلك ان المجتمع الذي تسود فية مظاهر الكذب والغش وفقدان الامانة والنفاق وضياع الحق وخيانة المسؤولية على مستوى الانسان الفرد,هذا المجتمع بكل بساطة لا يمكن اصلاحه.                                                                    



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد