معالي الوزير .. نحن قادمون إلى لبنان

mainThumb

16-06-2012 02:15 AM

 كتب وزير السياحة اللبناني السيد فادي عبود مقالاً بعنوان «ناطرينكم» نشره في جريدة القبس الكويتية رداً على مقال كتبه الأستاذ أحمد الصراف، وكم هي رائعة كلمة «ناطرينكم»، انها الدعوة التي يتمنى فيها على شعوب الخليج عامة والكويت خاصة ان يزيحوا كل مخاوفهم من زيارة لبنان ويأتوا إليه، وهو يبشرنا بان الموسم السياحي بألف خير وانه لا يزال البلد الجميل بشمسه ومناخه ومطاعمه وشواطئه وآثاره وملاهيه وسهراته الجاذبة لكل الأعمار.

ومع احترامي لكل ما جاء في مقال الوزير الا انني أريد ان أطمئنه كما طمأننا، وأؤكد له باننا لا نستغني عن لبنان أبداً، ولسنا ننكر كل محاسنه التي ذكرها السيد الوزير، لكنها في المحصلة رغم أهميتها وحقيقتها فان الأهم من كل هذا هو حبنا للشعب اللبناني نفسه، الشعب الجميل «أبو الذوق» واللسان الحلو بلهجته الأشبه بعزف غيتارات ونايات، والوجه السمح الذي لا يعرف «التكشيرة» حتى وهو في أحلك الظروف، وهو الذي امتاز باتقانه لفنون السياحة التي لا يضاهيه بها أي شعب آخر، وإلا كيف استطاع ان يصمد ويبقى حتى اليوم من أهم البلدان السياحية في العالم؟ نعم سنأتي إلى لبنان لاننا نحبه ونحب شعبه كما يحبنا، ونشاركه سراءه وضراءه، ونقف معه في كل محنة كما وقف مع الكويت في محنتها حين داهمتنا جحافل صدام.
 
دعني يا معالي الوزير بكل تواضع أقل لك: انني عرفت لبنان قبل ان تعرفه، وهذا طبعاً بحكم السن! فلا أظنك قد ولدت قبل عام 1950، الذي دخلت فيه أنا إلى لبنان وعمري لا يتجاوز السابعة فكانت دهشتي الأولى، أنا القادمة من بلد صحراوي لم ينعشه النفط بعد، ومن بيت مغلق بابه دون البنات، ولا نافذة فيه تطل على الشارع فلا نرى غير السماء التي نستقبل منها الشمس الحارة والرطوبة و«طوز» الصيف، وفي الشتاء حين يمتلئ الحوش بمياه المطر وتنهمر حبات «البرد» الصغيرة نتسابق لجمعها، بسطاء كنا لا ندري ان العالم ممتلئ بالبلدان الجميلة. ولحسن حظنا ان لبنان كان أول بلد استقبل خطوتنا الأولى، وبراءتنا الأولى، وأول بلد خلق لنا أجنحة نحلق بها ونعرف كيف تكون الحرية.
 
وفجأة.. رأت العين ما لم تحلم ان تراه، الجبال الخضراء وأشجار الصنوبر والفواكه وعرائش العنب، البحر الذي تختلف شواطئه عن شواطئ بحرنا البسيط، المطاعم التي تذوقنا فيها أشهى المأكولات، الثلج الذي نراه على قمم الجبال وكأنه أكاليل عرس، ولم نكن نحلم ان نتزحلق عليه، لكن فاريا حققت لنا ذلك، الشلالات التي جلسنا حولها نسمع هديرها فيدغدغ فينا ما كنا نجهله من مواهبنا في الشعر والكتابة.. الأسواق القديمة (سوق الطويلة وسوق سرسق وسوق أياس).. المصايف المترامية ذات المناخ البارد أو المعتدل.. وقد اختار لنا أبي «بحمدون الضيعة» ليكون بيتنا في رأس جبلها الشامخ، ولن أنسى أبداً الفجر الأول وأنا أقف في البلكونة وتصافح عيناي ذلك المنظر الخلاب، الجبال الخضراء المحيطة بالبيت.. الشمس الدافئة.. الأشجار والأعشاب والزهور وأسمع صياح الديكة وثغاء الأغنام المقبلة من بيوت الضيعة، وأشم رائحة الأرض العطرية، كان شيئاً كالحلم استمر ودام منذ ذلك التاريخ.
 
واذكر اننا كنا نلح على ابي لنسافر إلى مصر التي عرفناها من الافلام وإلى البلدان التي درسنا عنها في دروس الجغرافيا الا انه كان يرفض ويقول: «لو لفيتوا الدنيا كلها فلن تجدوا بلداً مثل لبنان». لم يغير ابي اتجاهه، كان في كل الفصول يأخذنا في الاجازات. كتب به الاشعار واحب جمال بناته وتزوج من فتاة جميلة، مات ابي رحمة الله عليه من دون ان ترى عيناه غير لبنان الذي عشقه، لقد صدق ابي وجعلنا نرث عشقه حتى اليوم.
 
في عام 1965 حين خرجنا من «جلباب ابي» أصبحت الاسفار للاصقاع البعيدة هوايتنا، نسوح فيها.. نسرح ونمرح، لكن دبيب الشوق إلى لبنان يجعلنا في نهاية كل رحلة نحط فيه كالطيور المغتربة التي تحن إلى اعشاشها الدافئة، نبحث عن السعادة والراحة التي افتقدناها في تلك البلدان ورغم وجود كل المغريات فيها، فاننا لا نجد فيها بحراً يشبه بحر بيروت.. ولا قمرا مثل قمر «اهدن وراس المتن»، ولا نسيما ينعش الروح كنسيم لبنان.. ولا أطايب وأكلات مثل طعم الاكل في لبنان.. ولا مكتبات ومعارض كتب وامسيات موسيقية وفنية ومسرحية كالتي نستمتع بها في لبنان.. ولا روائح حب كالتي تفوح من قلوب شعب لبنان.
 
كان لبنان مسقط رأسنا الاول بعد الكويت، نهلنا منه ثقافتنا الاولى فكانت اهم روافدنا في الكتابة، ومنه تعلمنا كيف نحب الحياة ونغني لها حتى ونحن في أسوأ حالاتنا، منه تعلمنا الاناقة في الملبس وفي الكلام، ومنه تشربنا عصائر الحب الاول وخفقت قلوبنا خفقتها الاولى.
 
وحين بدأت الحروب في عام 1975 اشتعلت النار والخوف في قلوبنا فإن ضاع لبنان نضع، وقد تيتمنا في بعض سنوات محنته، وكنا ننتهز كل هدنة حتى ولو لايام لنطير اليه غير خائفين من رصاصة طائشة او شظية مدفع، كنا نحزن ونبكي ونحن نشاهد الدمار يشوه الوجه الجميل، لكننا لم نفقد املنا ولو للحظة في أن لبنان «راجع راجع يتعمر راجع لبنان» لان اهله يعشقونه ويحبون الحياة ويتمسكون بحلاوة العيش رغم ظروفه القاسية.
 
انني احترم دعوة معالي الوزير الكريمة «ناطرينكم». شكراً يا وزير السياحة واقول لك: نحن مطمئنون ومشتاقون ولا نخاف من لبنان بل نخاف عليه خوفنا على الكويت ووطننا العربي كله، ولا يمكن ان تمر صيفية من دون ان تتكحل عيوننا بجمال لبنان اطمئن.. كل الخليجيين ونحن الكويتيين اولهم قادمون.. قادمون، وحين تقرأ هذه المقالة اكون في «ربوع لبنان بلادي» اغني: «بحبك يا لبنان يا وطني».


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد