أحتاج رحلة وداع راقية أخيرة، تأخذي لبعيد.. تأخذني لمكان بعيد عن هذا البعد، أحتاج الكثير ولكن كأن الكذب يا غريب على نفسي وعقلي بات هواية ليس إلاّ..
عشرة أعوام من الخيبات يا غريب، لم أعد أريد ان أسرق العالم في هذه الليلة فقد سرق مني الكثير، بات ليالي.. أناقض نفسي فيها، أنبذ الوداع فوق بخار السماء ليتني أتذكر ذاكرة يقظة لملامح زمني هنا في زقاق بنايتي، فجدران عقلي التي كانت هنا في رأسي تلطخت بالطباشير الزمنية وبفحم اليأس، ساءت ملامح الزمن على وجهي يا غريب، وكل منا أهداه الاخر بما يسمى "ملامح الضياع".. هي ذاكرة مرّة لملامح معدومة.. كأنني عالقة خارج نفسي ومنبوذة من ذبذبات هواء لتفاصيل فرح ما ، كأن الحلم ذاكرة وَهم ذات حروف لم أستطع وشمها على ساعدي واقع الدنيا.
هم نائمون يا غريب، ومرحلة إنقاذي قد بدأت كوهم معكوس، كان المرأة الأخرى بداخلي قد تناثرت لتسبق خطواتي متلثمة في آخر خيال لهاث لها.. قصيدة أخرى وُشمت على جدران حائط يفصل بيني وبين العالم الذي يدّعي وجوده أمامي الآن، أنفاسهم يا غريب تتسرب وتعبر من بين تلك الثقوب، وإعتقادي يَخط صور لمنتزه ويكربارك كذكريات لجنيفا الأخيرة ولكن الوجوه تلاشت والأسماء تمزقت... رغماً عنّي يا غريب أغمضت عيني لأدرك ما حلّ بي جسدي يضم كوارث عديدة، جسدي يحمل ندوب كثيرة يا غريب لم أستطع تضميدها... أصبح جسدي رمزاً للكوارث الطبيعية...
لم يصادق أحد خطّ كفي يا غريب، فعلتها أنا مجدداً بالرغم من رؤيتي للفشل، ولكن كما قلت لك يا غريب أصبح الكذب على نفسي هواية ليس إلاّ.. قصيدتي الأخيرة هي هالتي التي لم أصافح برقها ورعدها يوما، سأنثر اليوم يا غريب ترددات تصاميمي الجدرانية وإهتزازات رقصة أناملي بعيدة عنهم.. دعني أنكسر اليوم، فقد خسرت الكثير من داخلي بتصنع القوة يا غريب لوحدي... دعني أنكسر اليوم حيث لا أتمكن من العثور على ذاتي.. سأنكسر اليوم في هذه الليلة ذات قمر خفي حيث لا أتمكن من إيجاد نفسي التي أضعتها على الأرض..
ساعات الصبح الباكرة قد نبشت الكثير يا غريب.. آذيت ما بقي من الإنسانية بداخلي، ساعدني لأغتسل في ليلة ذات صباح لغد قادم، لأرى نفسي في مرآة الصباح لأكتب إسم الغريب عليها.. فجدران ذاكرتي قُسمت إلى رغبة لتبحث عن عوالم إختبئت تحت باطن العقل وفوق السماء، وإلى رغبة لتبحث عن ما يشبه صورة لبقايا رُسمت لإثنين معاً..
ساعات الصباح الباكرة قد تجثو على أجساد ذات ساحات جرائم، وجسد واحد فقط في الصباح الباكر يتدفئ على سبات إتساع حدقة ما، حينئذ يا غريب... هناك يكمن الفرق في إتجاه معاكس لنوتة جرسية.. هناك يا غريب تستيقظ النسخة الوحيدة من عشتار.
لم تزل بقع الخيبة تُشوّه رقعة هذا العمر، وعبثاَ لا تجدي محاولاتي في إخفائها، فــ يـا أنا لنتفق.. على أنه لم يحدث أن إتفقنا يوما، فقلبي لا يؤمن بالمُسَلّّمات وباطن العقل واحد، أنا العاشقة سيئة الحظ، دوما تسبقني ألامي ودوما أتأخر عن أحلامي بخيبة... لدي ولدينا عمر واحد عجزت عن إسعاد لحظاته ولو لمرّة! فلم يصدف أن أوقفتني "بصّارة" كانت تردد "وفي قلبي مقعد واحد يحتلّه طيف غريب.. مجهول الماضي والهويّة، في قلب هذا الطيف تتناسل غريبة، لا تشبهني.. لا تشبه" وتمضي الحياة لا الحظ يصلني ولا الخيبة تفتك بي، ربـاه.. لم أؤمن يوما بحديث إحداهن.. لكن واحدة قرات حزني أخرجت ملامحه من عيني، تلت علي كابوس مفارقتي له وأيقظتني على حقيقة أنّ لخطوط الكف بقية....
وكأن آخر لحظاتي تلك في صخب الأوهام وضجة الكذب، كنا إثنين.. ومقعدين.. وطاولة، والآن أصبحنا واحد.. مقعدين وطاولة.. وأنامل تبصر صحف الذاكرة.. علّي أبصر قليلاً.