ليتك لم تكن ابي .. ( قصة قصيرة )

mainThumb

18-09-2012 11:14 AM

في كل صباح استيقظ و افكر ليس عمّا احلم به بل عمّا انا عليه,تحيط بي تلك الشكوك عن حقيقتي و عن هويتي فهنالك هواجس تراودني تقول لي انني لست احد افراد هذا المنزل اشعر اني غريبة فية, و اشعر ان ابي ليس ابي  .
 
كنت اقرأ قصة لنجيب محفوظ بعنوان بين القصرين , و كنت أتعجب هل هنالك رجل في هذا الزمان يشبه شخصية ( السيد احمد عبد الجواد ) ,في الحقيقة نعم هنالك من يشبهه , انه والدي .
اجلس ساعات و ساعات لاحاول ان احلل شخصية هذا الرجل , و اخرج بالنهاية بلا اي نتيجة.
 
عندما اجلس على المائدة امامه لأتناول اي وجبة طعام اشعر ان الطعام يبقى واقفاً في حلقي , و لا اشعر بلذته .
 
المشكلة هي انني اصغر ابنائه, و لا يوجد سواي بالمنزل لذلك فهو مشغول باصدار الاوامر و التوجيهات لي انا فقط .
 
اليوم هو اليوم الاول لي في الجامعة و لكن ليس كطالبه جامعية بل كمعيدة تحضر رسالة الماجستير ,فانا خريجة كلية العلوم و التكنولوجيا قسم علم الحاسوب تخرجت بتقدير ممتاز لذلك حصلت على منحة دراسية .
ارغب اليوم ان اكون بأبهى صورة , و ارغب ان اكون ملفتة للنظر, لكن المشكلة هي إن خرجت من امام ذلك الرجل 
 
( أبي) فلن تعجبه ملابسي و زينتي , لذلك سأطر ان اغير من منظري , قررتُ ان استيقظ باكراً حتى اخرج قبل ان يستيقظ أبي , لكن كان ابي بانتظاري, كان يجلس ليراني قبل ان اخرج , و ما ان راني اخرج من غرفتي حتى كشر عن انيابه , و الذي كنت اخشى منه حدث , لقد بدأ بتوجيه الانتقادات حول مظهري , يجب ان اخرج من المنزل بالنظارة كعب الكباية و بالملابس الفضفاضة التي تشبه لباس جدتي , هكذا يكون مطمئنا علي و انا خارج المنزل .
 
بالطبع انا لا استطيع ان اجادله في هذه المسائل لانني اخاف منه و من صوته العالي , كما انني اعلم ان اقل شيئ قد يقوم به هو صفعي , لا احد يستعجب هذا التصرف , هذا هو ابي .
ذهبت الى غرفتي و قمت بتبديل ملابسي و وضعت ملابس احتياطية في حقيبة يدي ,  حقيبة يدي تثير استغراب جميع من يراها لانها تتسع للكثير من الاشياء , لذلك عندما اقوم بشراء اي حقيبة يد يجب ان تكون بمواصفات خاصة , في الحجم و الشكل .
 
توجهت بعد ان خرجت من المنزل الى بيت عمي , عمي شخص مختلف تماما عن ابي فقد درس بأروبا لذلك تغيرت كثيراً من افكاره و تصرفاته , حتى انه يسعى لتربية ابنائه بالطريقة الحديثه , كنت دائما اتمنى لو ان عمي كان  ابي .
 
ابنة عمي جيهان , و الجميع ينادونها بجيجي , هي مدللة جداً , و كذلك جميلة , و الاهم من ذلك هي صديقتي ,  كنت من ايام دراستي الجامعية اذهب الى بيت عمي لأبدل ملابسي و اذهب الى الجامعة , و اليوم يجب ان اعرج ايضا الى بيت عمي لابدل ملابسي , قامت جيجي باعطائي ملابس جديدة قد اشترتها لي  , لكن لا ارغب ان يراني الطلبة بتلك الملابس.
 
توجهت الى الجامعة , و تحديداً الى مكتب الدكتور (عدلي ) الذي سيشرف على رسالتي , قام باقتراح بعض المساقات التي يمكن ان أبحث بها , لكنني كنت افضّل ان اختار موضوع الرسالة بنفسي , كان جدالي معه يقربه مني , لكن افضل ان تكون علاقتي به رسمية جدا  , اريد ان انهي  تلك المرحلة و الاهم من ذلك ان اخرج من السجن الذي يضعني فيه ابي , ان أكون مسؤولة عن نفسي , ان لا أتلقى الأوامر منه , و لا يكون له اي تأثير علي , فقد سئمت من هذه الحياة التي كلها اوامر و تعليمات و كأننا في ثكنة عسكرية .
 
سيتساءل الجميع اين امي , امي تشبه امينة في رواية بين القصرين , و احياناً  كثيرة يختلط على الامر فانديها امينة , عندما اناديها امينة تضحك من اعماق قلبها , عندما اراها تضحك تنتابني فرحة غامرة , فهي قليلة الفرح , اعذُرها فمن يعاشر ابي طوال تلك السنوات لابد ان تكون السعادة في حياته لحظات قليلة .
 
 ساقوم بالاشراف على الطلبة في مختبر الحاسوب , عندما انهيت المحاضرات و توجهت نحو المنزل قامت جيجي بالاتصال على الهاتف المحمول لتخبرني ان الطلبة قاموا بالاعداد لحفلة  عند الجبل و ستكون حفلة مسلية , لكن من سيوافق لي على ذهابي الى تلك الحفلة .
 
قلت لامي لكنها ليس لها رأي في ذلك سوا ان قالت لي , لا تحاولي ان تغضبي اباك فانت اكثر انسانه تعلم رأيه بهذه المواضيع , و كأنها تطلب مني ان اطبق فمي و اصمت .
 
كنت من داخلي ارغب رغبة عارمة ان اذهب الى تلك الحفلة , لذلك كنت مصرة على الذهاب , لم اشارك في اي  نشاط طوال فترة الدراسة الجامعية , كنت دائما بنظر جميع الطلبة الفتات المعقدة كل اهتمامها الدراسة و لا شيئ سوا الدراسة  , كما كنت عبارة عن كتابٍ متحرك لا اعرف اي شيئ سوا التفوق , ارغب ان اقوم بأمر جديد , قلت لامي انني سأذهب لزيارة جيجي و ساعود قبل عودة ابي .
 
 اشترطت على جيجي  ان اظهر بمظهر لا يتعرف علي به احد , اريد ان اكون مختلفة تماما , لذلك قامت جيجي بنتزاع نظارتي , كما انها قامت بوضع الزينة على وجهي و قامت باعطائي فستاناً جميلاً و وضعت لي باروكة بشعر اشقر تناسب لون عيني الازرق , عندما خرجت من الغرفة  كان  هنالك ذهول في وجه عمي و زوجته ,   لم اكن اعلم انني جميلةٌ هكذا .
 
وصلنا الى الحفلة , تحولت الانظار نحوي , الجميع يعرف جيجي , لكن انا لم يتعرف علي احدٌ , لذلك تصرفت على طبيعتي , فرحت و ضحكت , و كنت مثل ساندريلا اميرة الحفلات , حتى انني قمت بالغناء , كنت فرحة جداً و كنت اتمنى لو كانت حياتي سعيدة هكذا ليس ليوم واحد بل  على مدار الاعوام القادمة .
 
 هنالك من يراقبني , و ينوي ان يتقرب مني و يحدثني , لكن نظرت الى الساعة كانت السابعة و النصف لم يتبقى لعودة ابي سوى نصف ساعة, لذلك طلبت من جيجي ان تقوم بتوصيلي الى المنزل ثم العودة , لكنها لم تقبل , قالت لي انه عندما تقوم بتوصيلي و العودة ثانية  ستكون الحفلة قد انتهت , قلت لها من سيقوم بتوصيلي ام اغادر مشياً ,كان هنالك من يستمع الى حديثنا , فتدخل قائلاً انه سوف يغادر و يستطيع ان يصحبني الى المنزل ان لم امانع .
 
كان الدكتور حازم , دكتوراة في الاقتصاد و كذلك استاذ جيجي في الجامعة , قامت جيجي بمصافحته و هي سعيدة انه يتحدث الينا كما لو كان احد نجوم هوليود , في الحقيقة يبدوا وسيماً جداً و جذاب لذلك انا ايضاً سعدت بانه سيقوم بتوصيلي , عندما ركبنا في السيارة , اصبح يسألني و اجيبه كما لو كان يتحقق من هويتي , و بعد ان تعرفنا على بعض اصبحنا نتبادل اطراف الحديث ,  لم اكن اضع النضارة و كذلك لم اضع العدسات الاصقة حتى اكون على طبيعتي, فعندما لا اتمكن من الرؤية جيداً لا اشعر بالإحراج   , كنت سعيدة جدا و انا اتحدث اليه , صوته مريح و جميل و يبدو مظهره جميلاً ايضاً  .
 
اخبرته انه عندما نصل الى دكانة النزهة يخبرني لأنني سأنزل هناك هي تبعد مسافة خمسون متراً عن منزلنا  , قام بايصالي حيثُ اردت , خرجتُ من السيارة  لاركض حتى اصل قبل ابي , دخلت الى المنزل فوجدتُ امي تجلس خائفة , لقد ارتعبت ظننتُ ان ابي قد وصل قبلي , ما ان وصلت حتى كان الباب يفتح ثانيتاً, فركضت مسرعة الى غرفتي لكن اعلم ان  اول امر يقوم به  ابي عندما يصل الى المنزل هو التوجه الى غرفتي, لذلك اسرعت نحو سريري وتظاهرت بأني نائمة , اطمأن على و ذهب الى غرفته , في هذه الاثناء قمت بتبديل ملابسي و ارتداء ملابس النوم . اليوم التالي استيقظت باكراً , و جلست على المائدة لتناول الافطار مع امي و ابي كان ابي ينظر الي , و كلما نظر الي كلما تسارعت نبضات  قلبي , قام بسؤالي ما اخبار الجامعة و كيف كان الدوام في اول يوم   , فاخبرته انها جيدة ولكن لم نبدأ بالدراسة بعد ,اخبرته انني تعرفت على الدكتور المشرف على رسالتي , و كذلك قمت بالتعرف على الطلبة الذين ساقوم بتدريسهم مادة المختبر.
 
لكن قام عن الصُفرة قبل ان انهي كلامي , و كأنه  يقول لي اطبقي فمك يكفي ما سمعت , كم اكره نفسي و انا ضعيفة امام ابي, عودتُ نفسي ان اكون مزدوجة الشخصية , ابدل شخصي حالما اخرج من المنزل , لأتحول الى فتاة قوية الشخصية لا تخجل من احد أوظف ذكائي بطريقة  تخدمني دائماً, لست ساذجة , و لا اسعى ابدا لاقامة علاقة من احد , عندما يبتسم لي احدهمٌ اعلم  انه يريد مني امراً ما   , فإذا سمحتُ له بالتقرب مني فهذا يعني انني اريد استغلاله لصالحي , و كأنني خارج المنزل اطبق اسلوب ابي , فداخل المنزل لا تتسنى لي الفرصة ان ابدي رأي في اي موضوع او ان اصنع شخصيتي التي احب , لست الفتاة المعذبة لانني اعلم جيداً ماذا اريد و كيف احصل عليه , الحياة ليست سهلة و لا تقف فقط على اعتاب بيتنا, فهنالك العديد من الامور التي تشغل تفكيري , و لن ادع علاقتي بابي تثنيني عمّا اريد , ابي رجل جاهل و لا يملك الحكمة و العقل , اما انا فبذكائي احول كل الامور لصالحي, ابي عبارة عن صوت مرتفع يخيفك عندما يعلوا لكن دون ان يحسب توابع اي امر .
 
بعد ان انهيتُ افطاري توجهت الى كلية التكنولوجيا فسمعت شخصأً ينادي اسمي فالتفت لارى رجلاً وسيماً و جذاباً يسلم علي و يسأل عن احوالي , كنت مندهشة و لكن لم اجعل دهشتي تظهر على وجهي , لذلك سلمت عليه و كما لو كنت اعرفه , مدام هو يعرفني اذا فمن المحتملِ أن اعرفه  , و انا ارغب بمعرفته , من ضمن الاسئلة التي قام بتوجيهها لي , سألني هل كنت سعيدة بحفلة الامس , لذلك علمت انه احد الذين كانوا بالحفلة و لكن هذا ليس طالبا فالبدلة التي يرتديها لاتدل على انه طالباً كما انه ليس في سن الطلبة , اعتقد انني رأيته و لكن لا اعلم اين , كان ذكياً لانه قرأ في وجهي انني لم اتعرف عليه , لذلك قال لي :انا الدكتور رمزي , عرفته لكنني لم اكن ارتدي النظارة لذلك لم اتعرف على وجهه جيداً اعتذرت منه , و اخبرته ان السبب في ذلك يعود لعدم ارتدائي النظارة , فلم ادقق جيداً بملامح وجهه , ابتسم و هو ينظر إلي , لكن كان لابد ان اسأله ماذا يفعل في كلية تكنولوجيا المعلومات و هو في الاقتصاد , اخبرني انه يزور احد اصدقائه و ان باستطاعته تقديم التوصية المناسبة للدكتور المشرف على رسالتي , لكنني شكرته لانني لست بحاجة الى توصية,في داخلي كنت اقول انه سيطلب المقابل في المستقبل و انا لست على استعداد للمساومة بأي أمر,لذلك اخبرته انني لو احتجت مساعدته لن اتردد بطلبها , انصرفَ الى محاضرته و كذلك انا .
 
بعد انتهاء الدوام ذهبت الى احدى المكتبات التي  اتعامل معها , فصاحبها رجلاً كبير في السن لكن يستطيع تأمين اي كتاب احتاجه مهما كان نادراً, كنت اتعامل معه طوال سنوات الدراسة  ,عندما وصلت عنده قمت باعطائه اسم الكتاب , و وعدني ان يحضره لي بعد اسبوع , رغم انني كنت مطرة جداً لقتناء ذلك الكتاب الا انني قبلت  ان انتظر اسبوعاً فليس هنالك حلاً أخر سوى الانتظار . و بعد اسبوع ذهبت لاحضر الكتاب تفاجأت ان الكتاب ليس متوفرا ايضا عند صاحب المكتبة في الواقع غضبت قليلا لانني محتاجة لذلك الكتاب و لكن التفت لارى الدكتور رمزي موجود بالمكتبة و يسأل عن سبب غضبي اخبرته عن السبب و سألني عن اسم الكتاب , لكنني تعجبت و ظهرت معالم الاستغراب على وجهي , فاخبرني ان له اصدقاء اساتذة في الجامعة  لنفس التخصص ,  كنت مضطرة جداً لقتناء ذلك الكتاب فوافقت مباشرة دون تردد , و هو وعدني باحضار الكتاب خلال يومين  , لم اكن انتظر الكتاب و لكن كنت انتظر رؤيته ثانية , فأنا لا اعلم اذا كان القدر يجمعنا ام هي صدفٌ مفتعلة , في كلتا الحالتين انا مسرورة جداً بهذه الصدفة .
 
عدت الى المنزل لاستمع الى اغنية  صدفة للعندليب الاسمر  , لكن عودة ابي الى المنزل تفسد جميع الامور و تبعث الكآبة في ارجاء المنزل , اطررت الى اغلاق المسجل قبل ان يزعجني بكلامه, و جلست اقرأ في بعض الكتب ,  لم اكن استوعب ايُ كلمة ,  كنت فقط ارى وجهه في كل صفحة ,  حتى انني لم اسأل نفسي ماذا يريد مني كنت فقط اريد ان اراه و لا اعلم اذا كان هوا ايضا يرغب برؤيتي, و هذه المرة الاولى التي تنتابني  تلك المشاعر, هذه المرة الاولى التي اهتم بها لامر احدهم,و في اليوم التالي رأيت رمزي و معه الكتاب, انه رجلٌ تكتمل معه كل معاني الرجوله اقترب مني و سلم علي وقال لي لقد أوفيت بوعدي و أحضرت لك الكتاب المفقود ,كان يتحدث و أنا أنظر اليه و أنا مبتسمة و مسرورة ,ليس لأنه أحضر الكتاب المفقود بل لأنه اهتم أن يحضر لي الكتاب .
 
كانت الايام تمر و كنت اسير برسالتي مساراً جيداً و كان الدكتور عدلي المشرف على رسالتي معجبا بأدائي كلما كان يتقرب مني كنت ابتعد عنه , حتى جاء يوماً و قام  بالاقتراح علي ان اقوم باعطاء دورة  في اساسيات الحاسوب ولكن ليس لطلبة عاديين بل لبعض دكاترة الجامعة في البداية كنت مترددة في ان اقبل لكنه قام بتشجيعي و اخبرني انها فرصة لابد من انتهازها  , حقيقةً كنت خائفة جدا فجميعهم اكبر مني سناً كما انني سأكون مرتبكة , حاولت الاعتذار منه لكن اصر ان اقوم باعطاء تلك الدورة فلم استطع التنصل من تلك المهمة لكن سيكون موعد الحصص بعد دوام الجامعة لذلك ساتاخر بعض الشيئ عن المنزل  فاخبرته انه يجب ان استأذن ابي , نظر الي نظرة غريبة لم افهم معناها هل هي نظرة استعجاب كيف فتاة مثلي لا تملك القدرة على اتخاذ قرارتها  ام هي استغراب لان ابي المتحكم بقراراتي  , لكن ماذا افعل فهذا الواقع لا استطيع التحرك دون موافقة ابي ,
 
عدت الى المنزل و اخبرت امي عما اخبرني عنه الدكتور عدلي , لم يكن سبب اخباري لها هو مساعدتي في اقناع ابي لانني اعلم ان امي ليس باستطاعتها فعل اي شيء لكن من باب العلم في الشيئ لا أكثر, اما انا سانتظر عودة ابي و اخبره اثناء تناول الغداء , و عندما عاد الى المنزل  قامت امي بتحضير وجبة الغداء فبدأت بفتح الموضوع و انا انظر الي امي قد تساعدني ولو بكلمة , و لكن امي فضلت ان تبقى صامته , فهي لن تخرج من فقاعة الخوف التي وضعها ابي بدالخها , ستبقى دائما انسانة مستسلمة للخوف , مترددة و منهزمة ,لذلك انا وحيدة في مواجهتي مع ابي دائما,فاتحت والدي بالموضوع الذي اخبرني به الدكتور عدلي , و انتظرت لارى ما هو رده لي ,كالعادة كلامه قليل يوحي بانه غاضب , كما انه ليس مهتم ان كنت ساكتسب خبرة تساعدني لاجد فرصة عمل مناسبة ام لا , المهم ان اتزوج من الرجل الذي يراه  مناسباً لي ,و ليس ما أراه أنا, فانا لست سوى بنت يجب ان لا أخرج عن أمره . 
 
انتهى الحديث برفضه طبعاً و هذا بالنسبة لي أمرٌ متوقع , لم أحاول ان اجادله في الأمر لأنني أعلم بما يفكر , يريد  إذلالي حقا إنه شخصٌ غريب , لم اناقشه بالامر وتوجهت الى الدكتور عدلي باعتذاري لانني لن استطيع ان اقوم باعطاء الدورة فأبي لم يوافق أن أتاخر عن موعد العودة الى المنزل , كانت في عينيه تلك النظرة التي حقاً لم اعرف ماهي  .
 
بدأت أواعد  الدكتور رامزي  بعد دوام الجامعة , حاولت ان اكون لطيفة ورقيقة , و لكن دائما كان يخبرني انه يجب ان اكون على طبيعتي لأبدو أجمل , لذلك فهو يريحني بهذا الكلام, فلن أُتعب نفسي بالتصنع  , أعتقد أنه مختلف عن الرجال الذين اعرفهم فجميعهم يشبهون والدي , اخي خريج كلية الحقوق , وهو يشبه ابي بكل تصرفاته و بطريقة تعامله مع زوجته , هو الابن الوحيد له لذلك كان دائما يتعلم من والدي ان المرأة ليست سوى جارية تخدم الرجل و تمتعه, اما ازواج اخواتي صفاء و  و نادية من اختيار والدي , كنت قد فقدت الامل ان أجد رجلاً مختلفاً عن المحيط الذي اعيش فيه .
 
أصبحت أقتنع أنه يجب ان أرتبط برمزي , لانني بدأت أشعر بحبه لي ,و لكن يجب ان لا يعرف أبي انني على علاقة به لان هذا يعني استحالة ارتباطي به في يوم , عدت من الجامعة فوجئت ان والدي يطلبني , سالت امي ماذا يريد مني ؟ لكنها لم تكن تعلم باي شيئ , خفت  و بدأت أسأل نفسي هل علم بقصتي مع رمزي؟ ماذا سيفعل هل سيمنعني من الذهاب الى الجامعة , توجهت نحو غرفته و انا قدماي ترجفان من الخوف .
 
عندما دخلت عليه قال لي تعالي و اجلسي اريدك في موضوع هام ,لو استمع أي أحد الى ضربات قلبي في هذه اللحظة  لكان قد سمع قرع طبول ! ما هو الموضوع الهام الذي يريد والدي اخباري به هل والدي تغير لدرجة انه يريد اخذ رأي بموضوع يخصني , منذ متى و والدي ديموقراطي, كانت لحظات حتى صرخ في وجهي , اين سرحتي ؟قلت له لاشيئ فقط كنت افكر بالموضوع الذي ترغب باخباري به , ابتسم تلك الابتسامة التي اكرهها فليته يبقى عابساً افضل بالنسبة لي فهكذا اعلم انه لا يريد مني اي شيء , سألني هل تعرفين شحصا يسمى الدكتور عدلي , بتلعت ريقي و قلت له نعم هو الدكتور المشرف على رسالتي , فاخبرني انه شاب جيد و ابن عائلة وأن والده صديق قديم , تحول وجهي الى علامات تعجب, لماذا يخبرني عنه ,لن اتعجل اصبحت  انتظر حتى يكمل بقية حديثه , و كانت الصاعقة , أن قال لي أن عدلي يرغب بالزواج مني , ليس خبر زواج عدلي مني هو ما أزعجني و لكن أن يخبرني بانه حدد موعد قدومهم لخطبتي .
 
هذا ما جعلي غير قادرة على الصمت لذلك ما ان انتهى من حديثه حتى قلت له , و من قال اني ارغب بالزواج , اريد ان انهي رسالتي اولا ثم افكر في موضوع الزواج , كانت مفاجأة بالنسبة لابي الذي لم يعتاد على ان يعارضه احد , لذلك نظر الي و امسكني من ياقة قميصي و قال لي اغربي عن وجهي,  فغربتُ عن وجهه و ذهبت الى غرفتي قبل ان أُصفع .
 
كنت افكر لماذا عدلي طلبني للزواج , و كيف ساخبره انني لا ارغب بالزواج منه , اصبح الموضوع صعبا جداً , لذلك اخبرت رمزي ان الدكتور عدلي طلب يدي للزواج,ودون اي نقاش قال لي اريد ان اتقدم لوالدك و اطلب يدك للزواج, لم يفاجئني موقفه لانه دائما يعرض على الزواج وكنت أؤجل أردت أن أتأكد من حقيقة مشاعري هل حقا احبه ام هي الرغبة في الهروب من المنزل ,لم يكن هناك خيار اخر سوى أن يتقدم لي , المهم ان اخلص من حكاية ارتباطي بالدكتور عدلي , فانا لا اطيقة ,  دائما افكر متى انتهي من رسالة الماجستير حتى اخلص من رؤيته كل يوم.  
 
      عندما وصلت الى  المنزل , اخبرت  امي عن الدكتور رمزي يرغب بزيارتنا لطلب يدي من ابي , امي كانت فرحة لانها تريد ان اتزوج و استقر حتى لا تبقى قلقة علي , اما ابي فلا اعلم ما وجهة نظره هل سيوافق على رمزي ام هو ليس الرجل الذي يعجب أبي , سانتظر عودته للمنزل .
 
قامت امي باخبار ابي عن الدكتور رمزي و ما ان اخبرته حتى ثار و غضب و بدا يقول انا اعطيت  كلمة للدكتور عدلي, و غداً سيأتي لقراءة الفاتحة.
 
ما ان سمعت كلامه حتى جن جنوني و لم افكر  بالعواقب , خرجت من غرفتي و ركضت نحوه و قلت له , ليس من حقك ان تزوجني لمن تحب , بل يجب ان احبه انا اولا و اوافق عليه , و ثوانٍ قليلة و كانت يد والدي ملاصقة  لخدي , رغم انه دكتاتور الا انها المرة الأولى التي يضربني فيها منذ ان كبرت ولكن لم اعلم لماذا قام بصفعي , هل احس ان زمام الامور اصبحت تنسل من بين يديه , كل ذلك ليس له تأثيرٌ ,لان ما يشغل تفكيري الآن هو انني لا ارغب بالزواج من عدلي فلن استطيع ان اكون كأمي مجرد امرأة تابعة لزوجها , عدلي لا يختلف كثيرا عن أبي , و هذا ما يجعل ابي متحمساً لذلك الزواج .
 
لم اكن استطيع ان اكون حادة الطباع فانا الان في معركة مع ابي لذلك يجب ان ألين قليلاً , غيرت من اسلوبي قليلا و بدأت بمخاطبة ابي,  لماذا يا أبي لا تتعرف على الدكتور رمزي فهو دكتور جامعي مثل عدلي , كما ان امكانياته المادية ممتازة , ارجوك ان توافق ارجوك , فقط قم بالتعرف عليه و انا واثقة من انك ستحبه ,و بعد جهد جهيد  , وافق على مقابلة  رمزي, لكن بشرط لو لم يعجبه يجب ان اصرف النظر عنه و اوافق على عدلي , قبلت شرطه و أنا أعلم ما بنيته لكن قلت في نفسي قد يعجب والدي برمزي . 
 
أخبرت رمزي ان والدي ينتظره غداً ليشرب الشاي معه و يتعرف عليه ورجوته ان لا يقوم باي فعلٍ يمكن ان يغضب ابي , فابي ليس متحمساً كثيراً لهذا الزواج .
 
لم أذهب يومها  الى الجامعة, كنت في انتظار ساعة وصول رمزي ,كما أن والدي لم يغادر المنزل أيضاً ,هل هو أيضا ينتظر رمزي مثلي !اتصلت على عمي وطلبت منه أن يحضر و لا يخبر ابي انني طلبت منه ذلك فتكون مجرد صدفة 
 
و في الساعة السادسة قرع جرس الباب انه رمزي ,و كالعادة انيقٌ و رائحة عطره فواحة , كما أنه لم ينسى ان يحضر باقة الورد,و بعد قدومه بدقائق معدودة جاء عمي ,كان كالنجدة بحضوره , فالأجواء مكهربة ,و بدأ أبي ينهال على رمزي بالأسئلة , هويجيب على جميع تلك الأسئلة كالطالب لذي ينوي النجاح بالاختبار ,أشفقت عليه ليتني أخرج و أخبر أبي أن يكف عن أفعاله ,لكن بتصرفي هذا سأسهل عليه الرفض , تدخل عمي و بدأ يتحدث مع رمزي , والعجيب أن أبي سكت و لم يتحدث بعدها , و في نهاية المقابلة قال عمي لرمزي انه سنسأل البنت أي انا و نرد لك الخبر و الله يصنع ما فيه خير للجميع.
 
ارتحت قليلاً ,لكن بعد خروج رمزي , بدأ عمي يسأله عن رأيه , فأخبره والدي أنه تقدم لي شاب أفضل منه , وهو متحسٌ جداً له ,قال عمي انه يجب ان نسأل صاحبة الشأن ما الذي تريده,فقال له والدي أنه يعرف مصلحتي جيداً .
 
و غدا ستُقرأ فاتحتها على عدلي ,انهمرت بالبكاء , و لزمت غرفتي , و ما عدت أرغب بالأكل أو الشرب ,كانت أمي ترجوني بأن أخرج , ولكن أعتقد انني في جحيم , و الموت بالنسبة لي أرحم .
في اليوم التالي جاء عدلي و معه المأذون ,كنت أظن أنها قراءة فاتحة فقط,ان والدي ينوي ان يكتب كتابي دون موافقتي خرجت من غرفتي مسرعة الى غرفة الضيوف و كان  الجميع موجودا ,فصرخت مستغيثة بالمأذون هذا الزاواج باطل فأنا لست راضية عنه ,وقف الجمع متجهماً , و تحول أبي الى وحش مفترس ,فهربت من أمامه لأدخل غرفتي و أغلق الباب لكنه كان خلفي ,فدفع الباب و ألقاني على الأرض و أقترب حولي وهو يقول ,لقد فضحتيني ,من شدة خوفي , ركضت نحو النافذة و ألقيت بنفسي, دخلت المستشفى , و بقيت بالعناية المركزة مدة شهرٍ كامل ,و بعد أن استفقت  كنت عبارة عن لوحٍ من الجبص ,كانت جميع أطرافي قد تكسرت , ولكن هذا كان أفضل لي من العيش مع أبي بذُل .
 
بقيت بالمشفى قرابة 5 شهور , و بعدها خرجت على كرسي متحرك , قدماي بحاجة الى جلسات من العلاج الطبيعي خسرت كل شيئ دراستي وصحتي , حتى انني خسرت من أحب .
 
في يوم دخل والدي الى غرفتي , و كانت الدمعة ترقص في عينيه , تعجبت فهل والدي كبقية البشر يبكي , قال لي سامحيني يا بنيتي , كل ماكنت أفعله من خوفي عليك , كنت أخشى ان تتزوجي رجل يؤذيك ,كنت أبحث لك دائما عن الافضل ,نظرت له وقلت بنبرة ساخرة و انا أنظر الى الكرسي المتحرك , هل هذا هو الأفضل !بكى والدي و هذه اول مرة أرى دمعة تنزل من عيني والدي , لكن دموعه لم تؤثر في , بل كنت أتمنى أن يخرج من غرفتي و يدعني ,التزمت بجلسات العلاج الطبعي , و بدأت أمشي , ولكن لا أستغني عن العكاز , كان لابد أن أعود الى الجامعة لأكمل رسالتي ,ولكن كان يجب أن أتخذ قراراً في أمر كنت أفكر فيه منذ فترة ,قبل ان اتعرض لما انا فيه ,كنت أنوي أن أتحجب , خرجت من غرفتي لأجد والدي و أمي يجلسان على طاولة الصفرة ,عندما خرجت أنوي الذهاب الى الجامعة ,أوقفتني أمي لتحتضنني , لكن أشعر انني تحولت الى فتاة ملبدة المشاعر , لم أحتمل حضن أمي تركتها وخرجت دون أن اتفوه بكلمة واحدة.
 
 توجهت نحو الجامعة الى رئيس القسم , لأحوّل رسالتي الى دكتور آخر ,فلم أعد اطيق النظر الى وجه عدلي فكلما نظرت الى وجهه أتذكر انه السبب في كل ما حل بي , تعاطف رئيس القسم مع حالتي عندما علم بقصتي ووافق على طلبي و حولني الى دكتور آخر يشرف على رساتي ,و عندما خرجت من مكتبه رأيت عدلي ,لم أنظر اليه لكنه أوقفني ليسألني عن حالتي ,قلت له كما ترى أصبحت لا أستغني عن العكاز, وأخبرته اني طلبت تحويلي الى مشرفٍ آخر على رسالتي , لكن لم يعقب ,فتركته وذهبت في طريقي ,كان الطلبة الذين أدرسهم يأتون الي و يباركون لي حجابي و توقفت معهم قليلاً ,لأسمع بعض الأقاويل الطريفة منهم , لمحت رمزي  حتى أنه لم يلتفت نحوي , طوال تلك الايام لم يسأل عني , لا يعنيه أمري و ما حل بي ,هل كنت موهومة ,هل هو مثل البقية , لا أصدق.
 
عدت الى دراستي كما كنت في الماضي و لا يشغلني سوى الدراسة , كان يفترض اجراء عملية بسيطة حتى استطيع المشي ,ولكن أجلتها لحين انتهائي من رسالتي, اكتفيت بجلسات العلاج الطبيعي  .
 
لم أهتم أن ألتقي برمزي , بل كنت اتحاشى رؤيته , وفي يوم التقيته صدفة عند الدكتور المشرف على رسالتي ,سلمت عليه ,ورأيت المحبس في يده اليمنى , قلت له مبروك , لكنه لم يجيب ,بدأ الدكتور المشرف على رسالتي يمدحني كوني مجتهدة جداً , فقال له رمزي ليس غريب فهي ذكية و دائما متفوقه .
 
خرجت من المكتب , وتركت الجامعه و عدت الى البيت فقط لأدخل الى غرفتي  و أبكي , بكيت بحرقة , شعرت ان هذه الدنيا سخيفة ,وكل من فيها لا يعرفون سوى الغدر , شعرت بمدى سخافة ما صنعته لنفسي , من الصعب ان تشعر انك وحيد في هذه الدنيا ليس هناك من يقف معك في محنتك , لذلك بدأت أناجي الله ليلاً و نهاراً و تحولت الى انسانة مختلفةعما كنت , خضعت للعملية , أكرمني الله بنجاحها , وعدت أمشي ولكن لازمتني عرجة بسيطة . 
 
بعد مرور عام و نصف أصبحت مستعدة لمناقشة رسالتي و كانت و بحمد الله خالية من الاخطاء , كنت في حينها قد تصالحت مع نفسي أولاً , كما أن علاقتي بأبي قد تحسنت و لم أكن أعرف ان كان الامر يعود لما جرى لي, أم بسبب انني أصبحت أدرك أكثر ,لكن مهما كانت الاسباب ,فقد بدأت أتأقلم على وضعي الجديد .
 
اليوم هو يوم مناقشة رسالتي لقد حضر والدي وأمي  , أخي ,عمي ,و ايضا جيجي , أخبرتني أن رمزي قد تزوج و هو ينتظر مولوداً, كنت مرتابة قليلاً لكن حاولت أن أخفي توتري , و بدأت المناقشة و كنت مستعدة لهم , أي سُؤال اجابته في حوزتي ,حتى أنني كنت أعدل لهم على أرقام الصفحات , و أنهيت مناقشتي و حصلتُ على تقدير ممتاز كالعادة ,الجميع كان مسروراً إلاّ أنا , لا أعلم ان كان السبب يعود لما أخبرتني به جيجي أم لم أعد أشعر بلذة اي نجاح  أصبحت أستاذ مساعد بالجامعة , تقابلت مرة و انا في الطريق مع رمزي وكانت زوجته معه , عرفها علي كأي زميلة له بالجامعة , لم أتوقع أن يكون قاسياً هكذا , هل أُسمّي تصرفه نوعٌ من النداله أيٌ كان فهو صفحة وطويت , فلا أحد يمتلك حياة وردية هذه الحياة لا نراها سوى بالافلام ,الواقع انه لا يوجد قلباً خاليا من الالم ,من تظنه حبيباً ينقلب غداً ليصبح , عدواً , و من تظنه يكرهك , تكتشف أن قلبه يؤلمه على ألمك , و الحياة لن تتوقف ستستمر , فخلف البحر أفقٌ واسع و مداه كبير لن أقف على الشاطيئ و أحلم أن أرى ما خلفه .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد