عُقلة صبي الارجيلة ( قصة قصيرة )

mainThumb

23-09-2012 10:59 AM

 في بلدة تدعى المسكة تبعد عن المدينة مسافة 50كم هنا يسكن وليد(الملقب ب عُقلة لقصر قامته) مع والدته , في الصباح عُقلة طالب في الثانوية ,أما في المساء فهو يصنع الارجيلة للسواح في أحد المقاهي ,يحصل عُقلة على اكراميات مجزية من الزبائن و أغلبهم أجانب من جنسيات مختلفة ,والدته تعمل في تطريز الاثواب و توردها لمحل متخصص في بيع الملابس التراثية , لذلك مع ما تأخذه من معاش زوجها المتوفي فان الحالة مستورة , يطمح عُقلة ان يصبح رجل أعمال , يسعى لجمع المال من الان , انه شابٌ مُسمر البشرة لكثرة تعرضه للشمس ,مهملٌ جدا باطلالته ,عفويٌ بتصرفاته , ودائما يروي النكت المضحكة , فأصبح يقدم الارجيلة مصحوبة ببعض الفكاهه ,المدرسة بالنسبة له هي عبارة عن نادٍ يجمع الاصدقاء , لأنها الوسيلة الوحيدة التي يستطيع  ان يرى فيها أصدقاءه شاهر ,  ساري , و حازم , أربعتهم أصدقاء منذ الطفولة , من شدة حبهم لبعض يعتبرهم الاخرين اخوة و ليسو اصدقاء .

 

شاهر ابن تاجر للذهب , ساري والده ضابط بالجيش,أما حازم يمتلك عين واحد لانه فقد الثانية عندما كان يتشاجر مع أخيه وقع على سيخٍ معدني أدى الى فقدان عينه ,فاصبح يلقب ب صاحب العين الزجاجية .
 
هي أخر سنة لهم في المدرسة فهم يستعدون لاجراء امتحانات الثانوية ,و بعدها سينخرط كل منهم في حياة تختلف عن الآخر , ولكن كلهم يسعون لان يظلوا أصدقاء, و لا يتركوا الدنيا تفرق ما بينهم .
 
أنهى أربعتهم تقديم الامتحانات , هم الان ينتظرون النتائج ,لذلك عاد عُقلة الى عمله ,و باشر شاهر عمله مع والده, اما حازم  عاد ليعمل كدليل سياحي و تعرف على فتاة استرالية عرضت عليه مساعدته على السفر ليكمل تعليمه و ستساعده ايضاً على ايجاد عمل بعد ان يتزوجها, في هذه البلدة أغلب شبابها يتحدثون الانجليزية بطلاقة لانها بلدة سياحية يتوافد عليها السواح من كل صوب وحدب.
 
كان ساري الوحيد المشغول بنتيجة الثانوية لانه يطمح ان يحصل على نسبة عالية تؤهلة لدخول الكلية العسكرية كما كان يطمح دائماً.
 
بعد مرور شهر على انهائهم الامتحانات الوزارية,ظهرت النتائج نجح عُقلة و حازم,أما ساري حصل على نسبة عاليه .
 
عاد عُقلة للعمل في المقهى ولكن الان هو يعمل صباحاً و مساءً, و يقوم باضحاك زائري المقهى , و في يوم رآه رجلٌ يرتدي بدلة و ربطة عنق ,يبدو رجلاً ثرياً , نادى على عُقلة و سأله عن اسمه و عندما أخبره عن اسمه ,ضحك الرجل وضحك مطولاً حتى ان عُقلة بدأ يظهر عليه معالم الغضب ,لكن الرجل أخرج من جيبه مالاً و قام باعطائه له ,ثم عاد عقلة يروي القصص الطريفة و النكت وضحك جميع الزبائن في المقهى ,فقام الرجل بالنداء ثانية عليه ,ولكن هذه المرة طلب منه ان يحضر الى شقته الخاصة  و يعد له و لاصدقائه الارجيلة و يصنع لهم جواً طريفاً كما يفعل في المقهى ,لكن اشترط الرجل عليه بان لا يسمع , لا يرى و لا يتكلم ,وسوف يعطيه راتباً مجزياً هذا بالاضافة الى ما سيأخذه من الضيوف, وافق عقلة لأنها بالنسبة اليه هي فرصة ذهبية , ولكن طلب منه الرجل ان يترك العمل في المقهى لانه سيعوضه و سيدفع له أضعاف ما كان يجنيه في ذلك المقهى, و بالفعل قام بترك العمل في ذلك المقهى وتوجه في اليوم الثاني الى منزل ذلك الرجل قام بترتيبه و تجهيزه لجلسات السهر و السمر , و كان يعرف ما يلزم تلك الجلسات ,رغم صغر سنه الا انه حاد النظر و لمّاح ,عندما جاء المساء وحضر الرجل وضيوفه , أسعدالرجل كل الذي قام بتحضيره لهم,و ازداد اعجاب الرجل به , وطلب منه ان يحضر لهم المشروب ايضاً قام  و كالعادة باعداد الارجيلة وسرد القصص و النكت و اضحاك الضيوف , و بعد مرور ساعاتان طلب الرجل منه ان يقوم بتنضيف المكان و الذهاب الى منزله, ودخل الرجل و ضيوفه الى غرفة المكتب , لكن ما لا يعرفه ذلك الرجل ان عقلة فتىً ذكيٌ جداً ,وفضولي قام بالتنصت على ذلك الرجل , ليعرف ماذا يدور بالداخل , و عرف أنهم مجموعة من مهربي الالماس ,أنهى عقلة عمله و خرج مسرعاً الى بيته يفكر ,هم عبارة عن مجموعة من المهربين , ولكن لا يملكون عقلاً كعَقله لماذا لا يقوم هو واصدقائه بالحصول على ذلك الالماس ,يحتاج الامر الى وضع خطة محكمة , و الدقة في التنفيذ, قام  بالاتصال مع شاهر و حازم ولكن خشي من اخبار ساري لان والده رجلٌ عسكري و قد يسبب لهم المشاكل ,لكن حازم كان له رأياً آخراً أخبر عقلة انهم اصدقاء منذ الصغر و اي امر يحدث بينهم يجب ان يعرف به أربعتهم,فاجتمع الاربعة و بدأعقلة الاجتماع , و أخبرهم بالقصة كامله , بالفعل صعق ساري وبدأ باثارة الفوضى فأسكته حازم على الفور و أخبره انه يجب ان يستمعوا الى عُقلة حتى النهاية , فسكت ساري و جلس ليستمع الى نهاية الموضوع ,أنهى عُقلة كلامة ولكن لم يخبرهم بتفاصيل الخطة , طلب منهم ان يذهبو الى منازلهم و يعيدو التفكير بالامر , لانها فرصة تأتي للمرء مرة واحدة , اما يستغلونها أو تذهب ادراج الرياح, طلب عُقلة من ثلاثتهم ان يعودوا في اليوم التالي ان كانو سيشتركون معه في هذه المهمة ,ومن لم يرغب لا يأتي و ينسى الامر كأن شيئاً لم يكن, وفي اليوم التالي حضر حازم وشاهر و لم يأتي ساري , فعرفوا انه لن يشترك معهم في ذلك الامر , ولكن ما ان بدأوا بالاجتماع حتى جاء أحدهم يسير على أطراف أصابعه ,اختبأ ثلاثتهم انتظروا ليروا من القادم نحوهم , و ما ان زال خيال ذلك الرجل وتوضحت الصورة  فاذا به ساري , جاء متأخراً لانه انتظر والده حتى ينام فيستطيع الخروج دون ان يُعلم أحد.
 
اجتمع اربعتهم ,لوضع خطة محكمة فهم على علم ان أي خطأ سيؤدي الى دخولهم السجن و ضياع مستقبلهم. 
 
للوهلة الاولى تسآئل ,هم صبية كيف لهم أن يفكروا ذلك التفكير الاجرامي ,ولكن لو تعاملت معهم وقرأت أفكارهم لرأيت أنهم يمتلكون عقول رجال كبار , بدأعُقلة يوزع المهام ,ساري و شاهر يبدأوا بمراقبة  الرجلين اللذان يحضران دائماً مع صاحب الشقة و يعرفان اين يسكنان و تحركاتهما ,ويجمعان كافة المعلومات عنهما , حازم  يراقب الشقة ليعرف من يدخل و من يخرج منها و يدرس مداخل ومخارج تلك الشقة ,و يراقب متى يأتي الرجل الى شقتة, هل يأتي بالنهار ام يأتي دائما في الليل ,أما عقلة فيراقب من الداخل و يجمع معلومات عن عملية التسليم ,أين تتم ,و متى و ما هي تحركاتهم داخل الشقة ,و من هنا بدأت المهمة , انصرفوا جميعا الى منازلهم , ما إن بزغ النهار حتى توجه كل واحد منهم الى مهمته , كان عُقلة يستمع لكل كلمة يقولها الرجل , وكلما دخلوا الى غرفة المكتب تظاهر عُقلة انه يقوم بتنظيف المنزل و يبدأ بالتنصت ,و عرف اين سيتم التسليم و متى ,وهنا عندما اجتمع مع  أصدقاءه ,وبدأو بوضع الخطة بناءا على مالديهم من معلومات ,لذلك سيقوم ساري و شاهر بمراقبة عملية التسليم , و حازم يدخل الى الشقة من الباب الخلفي و سيترك عقلة  الباب مفتوحاً ليتمكن من الدخول,أما هو فسيتكفل بالبقية من داخل المنزل , و لنجاح العملية قام عقلة بشراء ثلاث هواتف مع خطوطها , أعطى ساري و شاهر هاتفا و الثاني مع حازم و الهاتف الثالث سيبقى معه , بدأت لحظة التنفيذ , حضر ساري و شاهر عملية التسليم , و أخبروه عن كل التفاصيل , حازم كان موجوداً في الشقة حتى أن عقلة لم يراه و كأنه لا يعلم بوجوده,أما عقلة فقام بوضع مخدر بالمشروب , و انتظر حضور صاحب الشقة و أصدقائه ,و عندما حضروا كان قد جهز المكان كالمعتاد لسهرة ممتعة, حضّر الاراجيل و المشروب ,وجهز نفسه ليكون طريفاً جداً الليلة,عند وصولهم. 
 
تناول الرجل مشروباً ودخل مباشرة الى غرفة المكتب لكي يخبئ الالماس في الخزنة , وهناك كان حازم يراقب ذلك الرجل و هو يفتح الخزنة لكن حازم بعين واحدة وهذا ما نسيه الجميع ان حازم ليس حاد البصر ,لكن حدث هنا مالم يكن في خطتهم كان يفترض ان يراقب حازم كيفية فتح الخزنة و بعد خروج الرجل يقوم بفتح الخزنة و أخذ الالماس , ولكن عيناه لم تساعداه ,لكن مشروب عقلة الذي تناوله الرجل فور دخوله المنزل جعله يذهب في سبات عميق,انتظر حازم قليلاً حتى يتأكد من أن الرجل حقاً غط في النوم , بعدها توجه نحو الباب ليرى عقلة أمامه ,طلب منه ان يأخذ الالماس و يخرج فوراً من المنزل ,و هو سيتكفل بالبقية , قام عقلة بالاتصال  بشاهر و ساري وطلب منهما ان يحضرا فوراً الى الشقة  , و عندما حضروا طلب منهم ان يأخذوا أحد الرجلين ليعيدوه الى منزله , و قاما بتحميل ذلك الرجل بالسيارة لإعادته الى منزله ,أما عقلة قام بالاتصال على زوجة ذلك الرجل و أخبرها ان زوجها تعرض لحادث سيارة وهو الآن بالمستشفى , هرعت المرأة الى المستشفى و تركت أطفالها نياماً و لم تخبر حتى الخادمة عن خروجها , كان في هذه اللحظة ساري وشاهر ينتظران خروجها , ففتحا باب المنزل بمفتاح الرجل و قاما بتبديل ثيابه , ووضعاه في سريره ,و خرجا قبل ان يراهما أحد ,أما عقلة فقد شرب أيضا من المشروب الذي يحوي المخدر و نام هو أيضاً, و عندما استفاق صاحب الشقة و رأى الخزنة مفتوحة و لايوجد ألماس , خرج يصرخ سُرقنا , هنا كان عقلة ممدا دون حراك , قام صاحب الشقة برش الماء عليه و ايقاضه , ولكن نظر حوله فلم يجد الرجل الثالث , بدأ الرجل يضرب عقلة و يسأله من أحضر المشروب فأخبره عقلة ان صديقة الغائب هو من أحضر المشروب   و بالفعل كان ذلك الرجل من أحضر المشروب ,طلب الرجل من عُقلة مغادرة المنزل فوراً وعدم الحضور الاّ عندما يطلبه , وغادر عقلة , وطلب من حازم و شاهر و ساري الاّ يتقابلوا الا بعد ان تهدأ الاوضاع ,و في اليوم التالي نُشر في الجرائد حادثة هزت اركان المنطقة , مقتل رجل أعمال و زوجته بعيار ناري و لم يتم العثور على الفاعل, وجاري التحقيق , كان رجل الاعمال ذلك هو نفس الرجل الذي أعادوه الى منزله, خاف عقلة ان يرد اسمه في التحقيق ,لكن حتى لو تم استجواب ذلك الرجل فلن يخبر الشرطة عن عُقلة لانه يخشى أن يقول أموراً تورطهم في القضية .
 
شعر اربعتهم بالذنب , ولكن ساري وحده من انهار بالبكاء و الصراخ , لانه اعتبر انهم مجرمون وهم المسؤولون عن وفاة ذلك الرجل و زوجته.قام ثلاثتهم باسكاته  ,أخبرهم عُقلة انه يجب ان يخبئوا الالماس في مكان لا يتم الوصول اليه ,وليضمن اربعتهم حقوقهم أشتروا صندوقاً يحوي على اربعة أقفال وكل قفل لا يفتح الا بأرقام سرية , و هكذا كل واحد قام بوضع كلمة سرية على القفل الذي يخصه , ثم قاموا باخفاء ذلك الصندوق في قبر والد عقلة المدفون في حوش المنزل .
 
اتفقوا على ألاّ يوزعوا تلك الثروة الا بعد مضي خمس أعوام , كل واحد منهم يرجع الى حياته و يكمل دراسته أما ما بداخل ذلك الصندوق فهو تركة ورثّها لهم الزمان .
 
إلتحق ساري بالكلية العسكرية ,سافر حازم الى استراليا مع تلك الفتاة ولكن لم يدخل الجامعة بل أخذ كورس في فن التسويق وعمل لدى مكتب عقاري ,شاهر بدأ يعمل مع والده و يتعلم فن الصياغة , أما عقلة دخل الجامعة و درس ادارة الاعمال .
بقي ثلاثتهم على اتصال , لكن حازم لم يعرف أحدٌ أخباره منذ ان سافر لم يأتي اجازة و كأنه لا ينوي العودة.
 
بعد مضي خمس سنوات اجتمع الاربعة لتقسيم التركة ,كان لكل واحد منهم حياته الخاصة ,ساري تخرج من الكلية العسكرية , وأصبح ضابطاً في الجيش ,شاهر أصبح تاجراً للذهب كما أنه تزوج حديثاً ,حازم تزوج من الفتاة الاسترالية و عنده بنتٌ وولد ,أما عقلة فقد أنهى دراسته في ادارة الاعمال ,وقام بالعمل كمندوب مبيعات في شركة تعمل في ترويج مساحيق التجميل ,وهو ينوي ان يسافر الى اي بلد أجنبي حتى لا يسأله أحد من اين لك هذا ,بعد ان يحصل على حصته من الالماس.
 
ذهب اربعتهم الى المكان الذي خبأوا فيه الالماس , حفروا قبر والد عقلة , و أحضروا الصندوق ,و قام كل واحد منهم بوضع الارقام السرية وفتح الاقفال ,تناولوا كيس الألماس و وزعوه عليهم بالتساوي,و بعدها ذهب كل واحد منهم ليكمل حياته ,شاهر أخذ الالماس و صرفها بطريقته الخاصة ,جزء استخدمه في صناعة المجوهرات و الجزء الاخر قام ببيعه لتوسيع تجارته.
 
ساري طلب من شاهر ان يُصّرف له حصته لانه لا يعرف بهذه الامور ,حتى لو كان سيخسر قليلا من سعره الاصلي,فأي مبلغ يحصل عليه يساعده على بداية حياة جديدة يتزوج و يشتري منزلاً و سيارة .
 
أما حازم سيقوم بتهريب تلك الالماسات الى الخارج و هنالك يستطيع تدبر اموره ,هنا ودع الاصدقاء بعضهم على أملٍ ان يجتمعوا ثانيةً ,رغم أن عقلة كان يشعر انه اللقاء الاخير .
 
مرت عشر سنوات , عاد عقلة الى ارض الوطن مع زوجته و أولاده و أمه, أصبح ثرياً جداً عاد وهو رجل اعمال , ينوي ان يبدأ مشروعاً جديداً ,ولكن كان لا بد ان يقوم بأمرٍ ما, ذهب للبحث عن أصدقائه و ليعرف ماذا حل بهم بعد طول فترة الغياب ,و لكن الأخبار لم تكن سارة , قبل وصوله بشهر واحد تعرض محل شاهر الى عملية سطو ادى ذلك الى مقتله ,أما ساري فهو مسجون بسبب قتل أخته, عندما كان ينظف سلاحه خرجت طلقة من مسدسه أدت الى مقتل أخته , حبس على اثرها ثلاث سنوات , حازم بعد سفره الى استراليا لم يعد يتصل مع أهله و لا يعرف أحدٌ شيئ عن أخباره .
 
تحقق ما كان يطمح اليه عقلة لقد حصل على المال ولكن فقد أصدقاءه ,فقد كل اللحظات الحلوة التي ستبقى ذكرى تزوره  كلما تذكر أصدقاءه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد