هل وسطيّو لبنان وسطيّون فعلاً؟

mainThumb

04-12-2012 11:17 AM

 "الوسطية" هي "الموضة" الدارجة هذه الأيام. فرئيس الجمهورية ميشال سليمان يتصرف على انه قائدها ومطلقها، ويؤكد في مجالسه الخاصة مباشرة اقتناعه بأنها الصيغة الأقدر على تقليص أخطار الاصطفاف السياسي والمذهبي بين فريقي 8 و14 آذار على الوضع اللبناني البالغ التعقيد والخطورة، وخصوصاً اذا نجحت في منعهما معاً من الحصول على غالبية نيابية في الانتخابات النيابية السنة المقبلة، من خلال ايصال أنصارها كتلة نيابية تكون هي "بيضة القبان" في مجلس النواب ومخفّفة الصدمات ودافعة نحو شيء من التعقل والاعتدال. ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبشّر "بالوسطية" علانية. والأمر نفسه يفعله الزعيم الدرزي الأبرز وليد بك جنبلاط. وفي هذا المجال يؤكد الرئيسان و "رئيس مجلس الشيوخ" اذا أُسِّس، في المباحثات والمناقشات سواء في ما بينهم ومع قيادات اخرى ان قيادة "الوسطية" في هذه المرحلة ستكون رباعية. والعضو الرابع فيها سيكون رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

هل سترى الصيغة الرباعية المذكورة "للوسطية" النور فعلاً؟
 
في البداية، يجيب متابعون لبنانيون من قرب لأوضاع بلادهم وحال مرجعياتها وقادتها، لا بد من الاشارة الى ان الرئيس نبيه بري وسطي في السليقة والطبع. وهو مع الحوار والتسويات وتدوير الزوايا والابتعاد عن التطرف. وقد رأى نفسه دائما في معسكر الاعتدال. لكن ذلك كله، على صحته، لم يمنعه من أن يكون وعلى نحو دائم تقريباً في معسكر التطرف والمتطرفين، او بالأحرى جزءاً اساسياً بل عضوياً في فريق وطني تارة وقومي تارة واسلامي تارة ومذهبي تارة يواجه على الساحة اللبنانية فريقاً لبنانياً مناقضاً له. والسبب الرئيس لذلك كان دائماً غياب وحدة الموقف الداخلي، والعجز عند كل الأطراف في البلاد عن التفاهم جراء الخوف الفعلي والمبرر من جهات اقوى منهم اقليمية في معظمها ولها وكلاء محليون اقوياء. فيوم كانت سوريا في لبنان كان بري في معسكرها، وقاتل بالوكالة عنها دخول ايران على الخط اللبناني. وعندما تفاهمت ايران وسوريا على اطلاق يد وكيل الاولى في مقاومة اسرائيل صارت هي الاقوى كما صار الأقوى محلياً وكيلها. ولذلك فان وجود بري في معسكر الوسطية سيلبي نزعة شخصية عنده. لكنه سيكون ايضاً ممثلاً للأقوى في طائفته اي  "حزب الله". وهذا يعني في وضوح تام ان الحلف "الوسطي" لم يعد وسطياً، فزعيم 8 آذار داخله وإن على نحو غير مباشر.
 
الى ذلك، يقول المتابعون اللبنانيون انفسهم، ان موقفَيْ الرئيسين سليمان وميقاتي من قانون الانتخاب في مجلس الوزراء لا يدل على اي وسطية. فهما حاولا الافادة من "النسبية" التي يحلم بها الناس من زمان، والتي يعتبرها كثيرون "تحديثاً" للعملية الانتخابية، لإمرار مشروع قانون انتخاب مفصل على قياس 8 آذار واحالته الى مجلس النواب. وهذا ما حصل تماما. مثلما فصّل بعض 14 آذار مشروع الـ50 دائرة على قياسه. ومثلما يتمسّك "الوسطي" وليد بك جنبلاط بقانون الستين الذي هو على قياسه. ولو كان الرئيسان المذكوران وسطيين فعلاً لكانا "نبشا" مشروع قانون الانتخاب الذي وضعته قبل سنوات لجنة ألّفها مجلس الوزراء من النواب برئاسة الوزير الاسبق فؤاد بطرس، وأقرّاه في مجلس الوزراء من دون اعتراضات مهمة، لأنه متوازن الى حد بعيد، ولأنه ينقل لبنان تدريجاً من الأكثرية الى النسبية. في اي حال لا يعني هذا الكلام انتقاداً لأحد. فهو توضيح للرأي العام الذي يتعرّض لعملية خداع تحفظ مصالح قادة الطوائف والمذاهب، وتساعد الطامحين الى ان يصبحوا زعماء سياسيين. واذا ساهم ذلك في انقاذ لبنان من ثنائية مذهبية الطابع فعلاً ووطنية شكلاً بكتلة نيابية وسطية ينسى اللبنانيون كالعادة "مآثر" قادتهم والزعماء.
 
هذا الكلام كله يؤكد ضمنا ان الانتخابات النيابية المقبلة حاصلة، فهل هذا صحيح؟
 
الجزم بحصولها، يجيب المتابعون انفسهم، ليس في محله اولاً بسبب تطورات "الحرب" في سوريا وتداعياتها اللبنانية، وهي تتصاعد. وثانياً، بسبب الاختلاف على قانون الانتخابات الذي ستجري في ظله. بل بسبب التذبذب في المواقف من قانون كهذا عند مرجعيات سياسية وحزبية ودينية رفيعة. فهي يوماً مع رفض قاطع لانتخابات في ظل قانون الـ60. وهي يوماً معها في حال الاضطرار. وهي يوماً مع تمديد "تقني" للمجلس الحالي وربما "لزملائه"، ويوماً آخر ضد ذلك. وثالثاً بسبب الوضع اللبناني غير المستقر والمرشح ربما الى مزيد من عدم الاستقرار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد