بين الخطأ والخطيئة قفزة في الهواء

mainThumb

22-12-2012 12:30 PM

 هل كان من الوفاء أن نكررالتجربة الجريئة لعباس بن فرناس في الطيران كما تفعل الطيور التي أخذ عنها فكرة الطيران بأجنحة مصنعة (غير طبيعية) ؟أم إنه من الخير لنا أن نتعظ بالعبرة من تلك التجربة بكل جوانبها مع كل ما تحتمله العبرة من تفسير أو توضيح أو تبرير ساذج ؟.

 
تكرار تجربة عباس بن فرناس كما صممها في ذلك الزمان الغابر تعبيرشاذ عن تحويل الخطأ إلى خطيئة    قتل النفس بالموت.وليس من الحكمة أن نقارن بين تكرار تجربة هكذا على علاتها خاصة في مجال  السياسة والاقتصاد,وبين الاتعاظ بنتائجها دون إهمال فكرتها,بل نضع الفكرة في موقع التحليل والمراجعة المستندة إلى مجمل المعارف العلمية,وإجراء تجارب جديدة بظروف جديدة مرتبطة بالفكرة الأساسية.  فليس أسوأ من تكرارالتجربة الفاشلة سوى إهمال الفكرة الكامنة وراءها.  
 
والفرق بين الحالين,أي بين تكرارالتجربة وبين العظة التي سطرتها التجربة والعبرة التي خلفتها نتائجها, يكمن في إن العبرة التي يمكن لنا أن نستفيد منها ومؤداها النظر في إمكانية أن يطير الإنسان والكيفية   التي تمكنه من أن يفعل ذلك متخذا الاحتياطات الضرورية لسلامته الشخصية والمحافظة على فاعلية الوسائل التي يستعملها ومعداتها ؟وهو ما ألهَمَ الفكر المتحررللتفكيرفي كيفية  تحويل فكرة عباس بن  فرناس إلى حقيقة واقعية  وإلى تطبيها في ضؤ تطور العلوم ومعارفها حول قواعد العلو والهبوط   والانتقال من مكان إلى آخر,هكذا أصبح تمكين الإنسان من الطيران من أهم وسائل النقل ووسائطه,ومن أخطرالأسلحة العسكرية وأكثرها قدرة على التدمير والإفناء,وترافق تحويل الفكرة في المجتمع المتحررالمتسلح بالعلوم إلى منتج  بإحداث نقطة تحول في مسارمعارف الإنسان وقدراته على الإنتاج التقني الذي نلجأ إليه كل يوم ونستخدمه باستمرار ولا نستغني عنه في حياتنا العملية.
 
تتميز سياسة الكيل بمكيالين أو ما اشتهر بازدواجية المعايير في تعامل جهة أو دولة مع جهة أو دولة دول أخرى عن تحول الخطأ الذي يقترفه البعض في تعامله مع الآخرإلى خطيئة,بأنها سياسة الاعتماد على استعمال القوة,العسكرية ,الاقتصادية,التحريض والتجييش لإرهاب الطرف الآخر وإجباره على الرضوخ لرغباته الاستكانة والاستسلام لسلطان القوة الطاغية التي اختطتها قوى الاستعمار ومواطنه في الدول الغربية وأميركا كمرجعية ثابتة ودائمة في تراثها السياسي وفي تعاطيها باختطاف الثروات من الدول الخانعة التي فقدت استقلال قرارها السياسي والوطني,واحتمت بوجودها في السلطة بقوى أجنبية مقابل استقلالها ذاك.
 
وإذا اعتمدت قوى سياسية أو حزبية مثل هذه السياسة وتعاطت بها في تعاملها في داخل وطنها مع القوى والتيارات والأحزاب والمؤسسات المدنية الناشطة سياسيا واجتماعيا,تكون قد ارتكبت خطأ يقترب من  حافة الخطيئة الأخلاقية والقانونية والوطنية,وعندما تتناقض مثل هذه القوى في مواقفها,وفي قراراتها    بين شعاراتها التي تضخمت حناجرها من الهتاف المدوي بها,وأتلفت أطنان الورق في صياغة مثلها وبياناتها المنمقة بالعبارات الجاذبة والوعود الوفيرة مستهدفة الوصول إلى السلطة مع قراراتها وماقفها   بعد تمكنها من السلطة ويأخذها إثم الاستئثار بالسلطة إلى المسالك الفئوية بالممارسات الدكتاتورية,والطروحات الفاشية وإلغاء الصيغ التعددية  والضرب بقيمها عرض الحائط ,تكون قد وقعت في الخطيئة,وهذا النوع من الخطايا يظل ماثلا في التراث الوطني على مدار الزمن تستنطقه الأحداث    بين حين وآخردون غفران أو صفح,لإن مصدره خداع أيدولوجي لا تستقيم قيمه مع القيم الخلقية في أي مرحلة من مراحل تصديه لأي من القضايا العامة,ولاستخفافه بعقول المواطنين وتهميش القوى الفاعلة والنشطة في الحراكات الوطنية,والتصدي لها بالقوة والبطش الأنكى مما سبقه من بطش آخر تحدثت عنه وقائع الماضي,لسبب بسيط وهي إن عناصر هذه  القوى الفاشية الفكر والأساليب الدكتاتورية يتقنون تعلم وفنون تحديث كل شرور القوى الماضية المماثلة لنهجهم الذي يتوقون إلى سلوكه دون اعتبار إلى أي   قوى أخرى برؤى متمدنة متماهية مع موجة المقرطة التي تتسابق إلى امتهانها معظم التيارات السياسية   في معظم دول العالم,فالتيارالمعاصرفي الحكم يؤكد علن إن مسارالحكم لا يقرره الحاكم وحزبه وجماعته,لتظل البلاد على ضعفها ,وإنما مسار السلطة الحديثة المتحضرة يكون باتجاه تأكيد الحريات الفردية والاستجابة لرغبات المؤسسات المدنية وقواها التعددية لتصبح قوية عزيزة مهابة الجانب.وليس  من حزب حاكم في مجتمع متنوريحظى بالتأييد الشعبي حيث تظل مقاعد السلطة مدعاة شك,ومالكوها منشغلون بنعمها والشعب يبتعد عنها وتشتد الرغبة بمرور الزمن على استبدالها بمنهج تداول السلطة    الذي وحده يضمن حيوية الحكام ونشاطهم,هذاإن كانوا من الديمقراطيين,فكيف بمن يرونها وسيلة لتسلطهم وهوسهم؟.
 
الرئيس المصري محمد مرسي,الذي ادعى الديمقراطية في تصريحاته ووعد بالعمل الجاد من أجل ترسيخها في المجتمع المصري,أعلن أعلانا دستوريا شمل العديد من القرارات المحصنة عن الطعن في المحاكم وغيرها في قديمها وجديدها جامعا لكل السلطات بيده المتغولة على استقلال القضاءوالاعتداء المباشر على حصانته, يدخل ذاك الإعلان في كتاب غينيسلأعظم القرارات الدكتاتورية شدة وتحصينا للحاكم الفرد من خلال الحزب الأوحد المدعم بالفكر الواحد.(ولكنه اضطر مجبرا تحت الضغط الشعبي المتنور إلى إجراء تعديلات عليه!!).
 
كم يجد الحزبيون المرسيون من حزب العدالة والتنمية من الحرج في مشاركاتهم الحوارية المضنية حول تلك القرارات,وكيف يجدون أنفسهم مدافعين عن سلطة كانوا يعادون سلطة أكثراعتدالا منها وأوسع   صدرا بالمعارضين ,وتحولو بذلك إلى أزلام سلطة متلعثمين مرتبكين متشنجين,يخرجون عن سياق   الحديث تهربا من الحقائق,مع ما يلزم ذلك من تحريف لها بادعاءات وتفسيرات تقودهم إلى مزيد من الخوض في ما لا يتزن والمقام الذي يبحثون فيه,ولا تصدق معه أقوالهم, بدلا عن كونهم مؤدلجي فكر وسياسة.
 
ودلالة التزام أردوغان بالديمقراطية وإيمانه بها,يعبرعنهما ,بربط استقلال قرار بلاده السيادي بعضوية الناتو.ويقوم تلبية لتعليماتهم بدعم الإرهاب في سوريا بطريقة مباشرة لوجستيا وعسكريا بأموال سعودية قطرية سخية, ويقوم ووزير خارجيته الذي انقلبت كل أفكاره إلى عكسها التحدث باسم الشعب السوري دون خجل,ويذكرنا بميراث أجداده العثمانيين الذين إليهم ينسب تجهيل العرب  واحتقارعاداتهم وتقاليدهم ,ويدعوحكومة العراق,بالضرب على وتر الطائفية العنصري, إلى احترام حقوق الأكراد بينما طائراته تقصف قراهم وتقتل أبناءهم وتسجن وتعذب المطالبين بحقوقهم الطبيعية وتطارد أحرارهم! وإخوان   سوريا يستنجدون بالقوى الأجنبية لتحرر لهم بلدا عصية على استعمارهم وأطماعهم.
 
والقدوة التي تمثلها قطر في تطبيق شرائع السماء حدت بإخوان القطريين إلى حل التنظيم القطري   الإخواني في الداخل,وتأخذ حكومة قطرعلى عاتقها دعم حركة الإخوان أولا ثم التيارات الإسلامية بعد  ذلك في أي مكان تحدده لها الجماعة أو بالطبع السيادة الأميركية على القرار القطري.
 
يسقط الحاكم الذي يكذب شعبه في الهواء عندما يدعي عكس ما يفعل,ويبدد ثروات بلاده لخدمة أسياده,وتتهاوى طروحات الأحزاب والتيارات وكل من يستنجد بالأجنبي لمعوانته على تدمير بلده على حساب حرية وطنه واستقلاله وسيادته,وتذهب مع نسمة الوطن النقية!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد