هل ضاعت الفرصة الدستورية في مصر؟

mainThumb

17-01-2013 02:04 PM

 لا يخفي عدد من المهتمين بمصر وأوضاعها، بعد ثورة 25 يناير 2011 من الباحثين الأميركيين، "ارتياحهم المتحفّظ" لانتهاء أزمة الدستور فيها بعد الاستفتاء عليه الذي أسفر عن موافقة شعبية فاقت الستين في المئة من المشاركين فيه. ولا يٌقلِّل من هذا الارتياح ان عدد هؤلاء لم يكن كبيراً جداً، اذ ان ما جرى يشير الى ان مصر دخلت مرحلة جديدة يؤمّل في أن تستعملها السلطة الحاكمة (الاخوانية) والأطراف السياسيون على تناقضهم لبناء دولة المؤسسات والقانون والحرية والديموقراطية والمساواة، بصرف النظر عن الفوارق الدينية وغيرها. طبعاً لا يعني ذلك "شهادة" رفيعة للسلطة المذكورة اعلاه. فهؤلاء الباحثون يعرفون ان "الاخوان المسلمين" الذين وصلوا الى السلطة رغم عدم اكتمال مؤسسات الدولة المنبثقة من الثورة، لا يمتلكون الخبرة اللازمة ولا المرونة اللازمة لجمع كل "الثوار" حول الدولة الجديدة او بالأحرى لإشراكهم كلهم في عملية بنائها. لكنهم يعرفون ايضاً ان شركاءهم في الثورة، سواء من المثقفين والليبراليين والاسلاميين والمستقلين، يفتقرون بدورهم الى الخبرة اللازمة لعمل ضخم من هذا النوع، سواء لحداثة السن او لتعوُّد نمط من التعاطي في السياسة والشأن العام لا يختلف كثيراً عن النمط الذي ساد ايام الديكتاتورية غير الاسلامية الاصولية التي حكمت مصر نيفاً وستين سنة. وهذه المعرفة المزدوجة تدفعهم الى الاعتقاد بأن عملية بناء مصر الجديدة الحرّة والديموقراطية والمدنية والعادلة والقادرة على حل المشكلات الاقتصادية الخطيرة في البلاد ستكون طويلة وصعبة، وستعترضها عقبات تهدد احياناً "الانجاز الثوري" من أساسه. لكنها في النهاية ستصل الى حيث يجب ان تصل.

 

في أي حال يعتقد المهتمون انفسهم من الباحثين الأميركيين ان مصر "فوّتت اللحظة الدستورية". ذلك ان ما كان يجب ان يكون آلية لبناء اتفاق إجماعي بين القوى السياسية المختلفة وحكومات المجتمع المصري تحول آلية للشرذمة او للتقسيم اذا جاز التعبير داخل مصر. فدستور جنوب افريقيا لمرحلة ما بعد انهاء التمييز العنصري فيها استغرق مفاوضات مضنية وطويلة ومشاورات عامة وآلية قرار متفق عليها. ولذلك اعتبره البعض "شهادة ميلاد" للدولة الجديدة. اما في مصر فان الإسراع الى الاندفاع في تطبيق آلية غير شفافة لوضع الدستور أعطى الانطباع ان ما يجري كان هدفه الحصول على "رخصة سوق" لـ"الاخوان المسلمين". وقد ثَبُت حتى الآن على الأقل ان هؤلاء يستطيعون قيادة السياسات المصرية ولكن من دون ان يكون اتجاه قيادتهم معروفاً.
 
وفي هذا المجال يؤكد المهتمون بمصر من الباحثين انفسهم ان ما قاله الرئيس "الاخواني" محمد مرسي من ان مصر تحتاج الى انجاز المرحلة الانتقالية فيها في معرض تبريره الاستعجال في وضع الدستور وإقراره، يؤكدون انه مقبول. لكنهم يلفتون هنا الى امرين. الاول، ان دولاً عدة أبلت بلاء حسناً ولمدة طويلة بدساتير موقتة في انتظار الانتهاء من وضع دساتيرها، في حين ان مصر الاخوانية لم تترك مجالاً جدياً لمناقشة واسعة لمضمون الدستور او حتى لتثقيف المصريين حوله رغم ان عليهم التصويت عليه بـ نعم أو لا. والعراق هو واحدة من هذه الدول رغم مشكلاته الكثيرة الناجمة ربما عن عدم تطبيق الدستور. فضلاً عن أنه من الافضل أن يدرس او يضع جسم منتخب مشروع الدستور ثم يُصوّت عليه قبل استفتاء الشعب حوله. ذلك ان الاكتفاء بالاستفتاء فقط يجعل الشعب يركز (وقد يكون ذلك مطلوباً منه) على موضوع واحد فقط. وهو في حالة مصر اسلامية دستورها ولا شيء آخر معها. وهذه ليست طريقة لهيكلة نظام حكم جديد وخصوصاً بعد ثورة شعبية عارمة، ولا لتقسيم السلطة السياسية وغير ذلك من أمور. اما الأمر الثاني الذي يلفت اليه المهتمون من الباحثين الأميركيين اياهم فهو ان هناك دولاً كهنغاريا مثلاً (المجر) استعملت آلية غير مكتملة لوضع دستورها ولكنها رغم ذلك نجحت في أن تكون، أو في أن تصبح دولة ديموقراطية ومستقرة. في حين ان دولاً اخرى كأريتريا مثلا اتخذت دستوراً جدياً ومهماً وفق آلية مكتملة لكن نتائج تطبيقه لم تكن على النحو المتوقع لأن زعماءها الاستبداديين تجاهلوه.
 
في النهاية يؤكد المهتمون انفسهم من الباحثين ان التجربة الدستورية لمصر لا تعني بالضرورة ان المرحلة الانتقالية السياسية التي تمر فيها قد تهددت. لكنها فرصة ضاعت ويأملون في استعادتها.
 
* النهار اللبنانية


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد