الاحتفال بإجراء الانتخابات

mainThumb

24-01-2013 04:21 PM

 لا نقاش في أهمية الانتخابات بحد ذاتها كأداة لا بد منها من أدوات الاختيار الديمقراطي للحكام أو   المجالس النيابيىة بغرفتيها أو عضويات مجالس الإدارة أو أي من المراكز القيادية في المؤسسات العامة   أو مؤسسا القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني,واختيار القيادات السياسية في اللأحزاب والجبهات والتيارات السياسية.وليس نفي النقاش في هذا المجال نوع من الردع أو الكبت أو التخويف أو المنع  والزجر,ولكن لأن البديل البدائل لعملية الانتخاب في الممارسة الديمقراطية غير متوفرة وإن اختلفت أساليبها ووسائلها وقوانينها وتشريعاتها,وتقسيماتها الإدارية..... 

 
في الأردن,تجري عمليات الانتخابات النيابية منذ خمسينيات القرن المنصرم (عدا فترة انقطاع ليست قصيرة بعد هزيمة حرب 67,واحتلال الضفة الغربية للأردن (آنذاك... أي قبل الاحتلال الصهيوني لها, وما زال المحتل يتوسع فيها).وهي في ما يتعلق بمجالس إدارات الشركات المساهمة العامة تجري سنويا  في عدد كبير من الشركات,وفي مؤسسات القطاع الخاص والنقابات المهنية,وغرف الصناعة والتجارة وجمعيات تخصصية وغيرها.
 
بغض النظر عن النتائج التي كانت تتمخض تلك الانتخابات عنها ,إلا أن ما يلفت الانتباه نتائج انتخابات الأحزاب السياسية وتجمعاتها وجماعاتها وتياراتها التي ,إن أجريت تظل نتائجها تحوم حول مجموعة من نفس الشخاص القياديين يتولون مراكز القيادة,ويظلون في مراكز صنع القرار.ليس هذا فحسب,فنراهم,أي هولاء المتزعمون الحركات السياسية وأحزابها من المتحمسين الدائمين للحديث عن الديمقراطية التي اختزلوا معانيها وقيمها بالانتخابات التي تجري في ظروف غير علنية في تنظيماتها وداخل صناديقها. وهم أنفسهم منظروا تبادل مراكز القيادة وتداول السلطة بالتوافق في النظم الحاكمة,ويعملون ليل نهارعلى المطالبة بما لم يستطيعوا أو يقووا أو يرغبوا في تطبيقه على تنظيماتهم وجماعاتهم وتياراتهم ونقاباتهم ....وكأنهم يستثنون أنفسهم من كل ما يرون ضرورته على الآخرين!.
 
أما على الصعيد الإعلامي الرسمي والخاص,فلم يعد مفهوما السبب وراء اعتبار يوم الانتخابات يوما احتفاليا و كأنه في كل مرة يحدث لأول مرة !!.تغطيات واسعة لمراكز الاقتراع وأغاني حماسية ووطنية,ومقابلات مع سياسيين وأساتذة جماعات يعبرون خلالها بجمل شاعرية وعبارات انفعالية يتجملن بالادعاء بالاحساس بها بهذا العمل.كل ذلك يحدث في كل مناسبة انتخابية عامة,يسميها البعض عرسا وطنيا ,وآخرون يوما تتجلى فيه المشاعر الوطنية,وغيره بأنه يوم مشهود في تاريخ البلد,واعتبره بعض المعلقين الإعلاميين يوم فخر يعبر عن الديمقراطية الحقيقية.فإذا كنا متهمين,كعرب,بأننا شعب لا يقرأ,فإن على الإعلام العربي عموما والأردني بشكل خاص ,الذي يتعبرمصدر معلومات التي من المفترض أننا نبني عليها أسس ثقافتنا العامة,أن لا يبتلع الطعم بالقدرة التثقيفية بأن يترك مقدميه يروون لنا ما علينا أن نتبنى من فكر ويعلمونا الصالح من الطالح,ويرشدونا إلى طرق الديمقراطية ومبادئ التحولات السياسية الإصلاحية!!فهذا خارج نطاق مهامهم,وهم أعجز من التنظيربه أو التقول في معانيه وفي مضامينه.
 
رافق إجراء الانتخابات الحالية للبرلمان السابع عشر في 2312013 ,حملة تصريحات من المسؤولين الحكوميين, ومن  وسائل الإعلام الرسيمة وشبه الرسمية تتغنى بالنزاهة التي رافقت العملية الانتخابية,واعتبارها مرحلة تحول في الحياة السياسية الأردنية,مما يوحي,وهو إيحاء غامض وخاطئ,إننا كأردنيين نحتفل عندما نؤدي عملا عاما أو خاصا بالطريقة التي يجب أن يتم إنجاز العمل بها وسيلة والتزاما بأخلاق المهنة وأخلاقيات أداء الواجب,وكأن الأصل فيما نقوم به أن يكون غير نزيه,وأن التحايل والغش هما ما اعتدنا على أن نألفه في أداء واجباتنا,خاصة الوطنية منها والتي تتمثل في وسائلها القيمية الكريمة والمثل المقتداة في تراثنا العريق.
 
النزاهة قيمة أخلاقية من قيم الحيادية في الوسائل الديمقراطية التي تقع العملية الانتخابية على رأسها.وإذا كانت كل الاحتفالات السابقة وما رافقها من نشوة (وطنية) بإنجازها منذ زمن طويل لم تراع التمسك بهذه القيمة,فعلينا إذن أن نقف مع أنفسنا في مراجعة تاريخ المسار السياسي خلال أكثر من سبعين عاما,وأن نجدد فهمنا لعملية الإصلاح لتشمل ليس فقط تغيير النمط الشكلي في إدارة الشأن العام,وإنما في وضع المعايير التي ترافق كل نشاط نقوم به في حياتنا اليومية,وأن نؤكد على منظومة القيم الأخلاقية العامة    لكل عمل منها حتى نكون جديرين بالسيرفي عملية الإصلاح بمنهجية تفترض التزاما طوعيا بالقيم  والأسس المهنية ومُثلها,فليس من يشتري صوتا انتخابيا في مستوى أخلاقي يختلف عن مستوى بائعه الأخلاقي!!,وهذا ليس عملا حكوميا,وليس من يدعي الإيمان بالديمقراطية كطريق للوصول إلى مركز مسؤول يتيح له وأدها بأكثر نزاهة من مزور نتائج التصويت فيها.
 
القيم الأخلاقية,ومعايير أداء عمل في أي مجال كان,وفي أي موقع تمترس صاحبه فيه,هي القيم السائدة    في العمل اليومي وهي المفترض أن تكون الأصل الذي يشكل تراث شعب التراكمي,ويعبرعن قيمه وعن ثقافته.ولعلنا نحتفل من الآن فصاعدا ,ليس في التزامنا بما يجب علينا الالتزام به,وهو الأمرالمتوقع والمطلوب والطبيعي أن نشهده,وإنما في خلوما نقوم به مما يعيبه وينتقص من سلامة مسار عمليات الإصلاح.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد