التحول الأعظم تحول نحو القيم

mainThumb

15-02-2013 02:00 PM

 لا زالت المرجعية الفكرية التي تتأسس عليها النظريات الاجتماعية – السياسية – الاقتصادية – التنمويةالتي تتبناها المجتمعات الإنسانية في مختلف العصور كامنة في منظومة المصطلحات الدينامية التي استقرت عليها حضارات عريقة ساهم الفكر المتجدد والذهنية المتنورة في وضع أطرهاالنظرية وأسسها التطبيقية تبعا لمتطلبات زمنها وأمكانياته,وتجاوبا من الرؤى المستقبلية التي استلهمت معالمها شعوب ميزت بشفافية وعمق علاقة كل مصطلح منه مع قيمه المرافقة له ليس مرافقة صداقة أومصاحبة رومانسية تسرح بتصورمزايا المحبوب بما هو فوق مزايا لبشرووتعشعق النسيمالعليل لانه لامس شعرها,وتتغزل بالليل الذي تتحدى فيه جذوة الحب سلطان النوم فيظل العاشق مستيقظا حتى لا تفوت لحظة من عمره لا يفكر فيها بهوى المحبوبة وفتنة ما يراه من جمالها الذي  يرفض بكل ما أوتي من حس العاشقين وتمردهم على أذواق البشرالآخرين أن يرى له مثيلا أو معادلا.

 
الفكرالعتيق أي الفكرالذي احتفظ بحيويته وديمومة جوهرية أسسه وتداولت مفرداته ومنطلقاته الفكرية ونظرياته متعددة الموضوعات أجيال من المفكرين والأساتذة والمحللين والأكاديميين والساسة والعلماء,فبنواعليها ما استجد من مفاهيم وما حدث من تطور مفاهيمي وما جرى من تعديل التزم  التجاوب مع الواقع الحضاري للأمم والشعوب المنتمية إلى العصرفي مبادئها وفي أيدولوجياتها وفي أطروحاتها التنموية وفي قابليتها الفكرية لاستيعاب مجريات تطرح بدائل نظرية وأخرى تطبيقية لم  تترك مجالا لتجاوزها أو القفز على أسسها أو التنكر لها وأهمالها.الفكر العتيق هذا منذ نشوؤه قبل عدة قرون, ظل بحكم حيويته وانبعاثه من صلب التفكير الإنساني,يتجدد مع تجدد العصرونهضة الفكرالمتزامنة ,ويستجيب لطبيعة موجات التغير والتغييرومتطلباتهما,تلك الموجات التي تمر بها المجتمعات التي تصنع التغييروتضبط إيقاع معدلاته وتخصص مجالاته,وغيرها المتلقية لهما بدرجات متفاوتة من الذكاء والاستجابة والفطنة المتحللة من قيود فكرية أو أيدولوجية تجمدت أطرها عند نصوصها يستعصي معها إدراك الأنساق التكاملية الموجبة لمواكبة التحضر والتطور.
 
ينبئنا الفكر العتيق مع ما كل ما شهده من تجديد في المعاني وفي المفاهيم,بوجود المصطلحات الدينامية,كي لا نسهب في شرح هذه الصفة الهامة التي شرحناها في مقال قديم على صفحات السوسنة الإلكترونية,نوجز القول بأن الصفة الملازمة للمصطلح الدينامي هي في معنى المصطلح ذاته وهذه : إن المصطلح الدينامي مكون من جزئين متلازمين على الدوام ,الجزء الأول منهما ؛الوسائل والأدوات التي يتم من خلالها تطبيق معاني المصطلح وما يتضمنه من أسس فكرية.والجزء الثاني؛    القيم التي تلازم تلك الوسائل وترافق التطبيقات لإغناء المصطلح في معانيه وإثراء أهدافه ,وتتجاوب مع منظومة القيم الاجتماعية والتراثية والثقافية وغيرها في المجتمع.
 
ويحذرنا الفكر العتيق بأن خطورة الفصل بين المكونين يشوه القيم ويقود إلى تناقض الأهداف وإلى عمليات خداع ومماطلة وتزييف تظلل المجتمع المتخلف وتبقي سلوكه منسجما مع الخلل الذي يتعمد الاصطناع في الفصل بين الأسلوب وبين القيم للمصطلح الدينامي,ومن أبرز الأمثلة على تلك المصطلحات الديمقراطية التي شهدت أقسى أنواع التشوية جهلا بالعلاقة التلازمية بين أسلوب الديمقراطية ووسيلتها اللازمة لها الذي تمثله العملية الانتخابية وبين القيم الديمقراطية السائدة من خلال تجربة إنسانية طويلة ومجربة.إذ تخضع عادة عملية الانتخابات للمراقبة للحد من عمليات التزوير  والتلاعب بها بطرق عديدة أفلح الإنسان في إتقانها بوهم إنها تخدم أغراضه في السلطة والسيطرة تبدأ  من قانون الانتخاب ذاته إلى تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد ونسب المقترعين إلى المرشحين  في كل منها,عدا عن إعاقة عملية الوصول إلى الصناديق لتصل إلى مستوى منع سكان قرى بأكملهامن التصويت,ثم ما يرافق عمليات الفرز والتلاعب بالنتائج والتهديد بالفوضى إذا لم ينجح مرشح الرئاسة,وهذه كلها ممارسات شهدتها الانتخابات المصرية الرئاسية والتصويت على الدستورالمقر  بطرق بهلوانية مكشوفة وممجوجة,إلى درجة إقرارالسلطة بأن الدستور لم يكن توافقيا,هو بذلك لا يمكن أن يلتقي مع أي قيمة من قيم الديمقراطية!!.وقد ازدهرت عمليات شراء الأصوات بالمال وبالمساعدات العينية مستغلة حاجة الفقراء والمعوزين للزيت والسكر والصابون,مقابل الذهاب إلى مراكزالاقتراع بتأمين وسائط نقل لهم وانتخاب المتبرع الكريم بسلعة تموينية تمثل كيف وصل الحال بالبعض أن يتاجر بلقمة عيش الفقير وحاجته إلى أبسط مقومات الحياة.
 
الفقراء عادة يفتقرون إلى دافع المشاركة بالانتخابات لأي غرض جاءت لأنهم : أولا ؛محرومون من إمكانية ترشيح أنفسهم فيها نتيجة فقرهم,وثانيا ؛لا يخسرون شيئا بعدم مشاركتهم.فالترشح نشاط  يمارسه الأغنياء فقط أو من يدعمون من البعض الملتزم بتحقيق مصالحهم والدفاع عنها تشريعيا ورقابة وتوسطا وممارسة ضغوط معنوية على أصحاب القرار.
 
القيم الديمقراطية في أبسط معانيها تتلخص في البعد عن الاستئثار بالسلطة والتمسك بها تمسك الطفل بلعبة تتحدث إليه بلغة يسمعها ولا يفهمها,وتعلية الحفاظ عليها على مستوى كل القيم والمبادئ, والتعفف عن المسلك الأبوي في معاملة المحكومين والمرؤوسين,لأن الحاكم ليس بأفضل الناس ولاهو أثقفهم,ولا أخيرهم.الحاكم في الديمقراطية اختيار ظرفي في مجتمع متماسك في تسامحه وفي قبوله الرأي الآخر,وفي إتاحة الفرص أمام الناشطين السياسيين والصادقين القول والفعل,والمصداقية في الوعود والحفاظ على العهود,وتشاركية صنع القرار,ونفي حق الأغلبية في تسيير العمل وتوجيه الدفة حسبما تراه.أما أهم القيم الديمقراطية وأعمقها جذرية وأنصعها جوهرية فهي في رفض المبادئ والعقائد لمن ملك السلطة على الآخرين وأخذ المجتمع باتجاه تحدده مسار تلك المبادئ وطروحاتها الأيدولوجية.الديمقراطيون يميزون بدقة متناهية بين واجبات السلطة الحاكمة وبين حقوق الدولة,وبين وظيفة الحزب وبين وظيفة المجتمع,وبين السلطة وبين الدولة.
 
في القيم الديمقراطية الحاكم الذي يتم اختياره لا يبرؤه هذا الاختيارمن عيوبه الشخصية,أو ضعف  تجاوبه مع الحدث,ولا يعوضه عن نقص الخبرة, ولا يعفيه مما يرتكبه من خطايا بحق المجتمع والدولة.وليس في هذا الانتخاب ضمان من عدم الفشل,فتداول السلطة لم يكن نابعا من هواية توزيع مغانم بقدرما كان متفهما لقدرة البشرعلى العمل وعلى الاستجابة لتغيرالظروف وتغييرها.وليس اعترافا بطاقة غير محدودة لشخص ساعدت ظروف على اختياره.,فطاقة البشرليست مستمدة من طاقة الشمس المتجددة,وإنما هي أشبه ما تكون بطاقة المادة المشعة تفقد من طاقتها من الوقت ومع كم الاستعمال ومجاله!
 
إن فكرالمبادئ الشمولي ومنطلقاته النظرية النقيض كامل سمات التناقض وصفاته مع فكرالديمقراطية ومنطلقاتها النظرية المتمثلة في قيمها,وهذا ما أكدته تجارب دولية أقربها إلى ذاكرتنا التاريخية تجربتي النازية والفاشية,إضافة إلى درس التجربة السوفياتية.تداعيات الالتفاف على تلك المبادئ وقيمها يصعب إخفاؤه أوالتسترعليه ,وهو في معظم نتائجه خداع للنفس وما تواجه بعده من مرارة النقد والاعتراض,  إذ يبدو المخادعون كمن يسعى إلى تكذيب ما تقره وثائق مكتوبة أو(مصنفات) الصوت والصورة.وهكذا تجد المجتمعات التي تعصف بها مثل هذه التناقضات تائهة في عملية التحول نحو الإمساك  بزمام مبادرة التنمية والتطور,وتتيه خطواتها وتتعثر مراحل تحولها فتبقى أسيرة التخلف والضياع لأن من نتائج جهدها الضائع ذاك تفترق المصالح بين العامة وبين الخاصة في وطن يحتاج إلى الجهد الجمعي التوافقي التصالحي.ويظل مسارالتحول الأعظم للشعوب والأمم مرهونا بالقيم التي تعظم من مساحات الحرية للفرد ودوره في المشاركة الكاملة في كل أحاديث وطنه وأحداثه


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد