لا سياسة في الدين !

mainThumb

14-06-2013 04:48 PM

 في نهاية حقبة السبعينات الميلادية من القرن الماضي حصلت ثلاث وقائع لافتة بالغة الدلالة والأهمية ففي عام 1970 وصل إلى الحكم في إسرائيل «حزب الليكود» وهو حزب يميني متطرف له قراءة شديدة التطرف في التوراة والتلمود وكان أول حزب ديني يصل إلى الحكم في إسرائيل بعد أن كان حزب العمل هو الذي يسيطر على المشهد السياسي فيها وهو حزب يساري بالدرجة الأولى. وقاد الليكود للوصول إلى الحكم مناحيم بيغن وهو زعيم عصابة إرهابية سابق وكان من المطلوب جنائيا لجرائم قتل وتفجير ضد القوات الدولية العاملة في فلسطين. وفي عام 1978 وصل إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا يوحنا بولس السادس عشر وهو من بولندا، ذلك البلد الذي كان يقبع تحت هيمنة المعسكر السوفياتي «الإلحادي» وكان بذلك مفتاحا بأن هناك تغييرا ما سوف يطرأ على دول المعسكر الشرقي ذي النزعة المسيحية الأصولية.

وفي عام 1979 وصل الخميني إلى الحكم في إيران من خلال ثورة أطاحت بحكم شاه إيران ليؤسس نظاما متطرفا طائفيا وأصوليا. كل هذه الأحداث كانت إيذانا بأن العلمانية التي عرفها العالم والمقتضية فصل الدين عن الدولة دخلت في مرحلة الوداع لتظهر بين كل فترة وأخرى حالة من حالات خلط الدين بالدولة وتسييس الدين والتدين لأجل السياسة، جميعها تجارب أتت بنتائج مفزعة، المثال في حقبة جورج بوش الابن وهو الشخص المفاخر بأنه إنجيلي «مولود مجددا على يدي المسيح» وأحاط نفسه وإدارته بشخصيات على ذات المعتقد، وأعاد طقوسا إنجيلية لدائرته مثل درس الأحد الإنجيلي، وكان دوما ما يملأ خطبه وتصريحاته بإشارات وعبارات من عظات الأحد وكتب الإنجيل، وكذلك الأمر كان واضحا جدا عندما تبوأ حزب هندوسي متطرف زمام الحكم والأمور في الهند وأحدث بسياساته التي كانت مؤسسة على قراءة متشددة وضيقة لأدبيات الديانة الهندوسية والتي اعتمدت على «أعنف» و«أضيق» التفسيرات لأقوال هذه الديانة؛ أحدث خللا وشرخا في المجتمع الهندي المتعدد الأعراق والطوائف والثقافات وهو الهش الذي لا يحتمل أي نوع من الاضطرابات وها نحن الآن نرى ونشاهد ونسمع دولا في العالم العربي تعبث بشعارات الدين تحت غطاء ثورات الشعوب مستغلين رغبات الشعوب الجامحة في العيش بكرامة والتطلع للحرية والحلم بالأمن، فيدخل على الخط من لا علاقة له بكل ذلك ويخطفها منهم ليعود باستعمار وبظلم وباستبداد أدهى وأمر لأنه يجيء باسم الدين، أو نظام قمعي مجرم ودموي يأتي بميليشيات مأجورة إرهابية لتعبر الحدود وتدافع عنه، نظام كان يدعي ويكذب على شعبه ليلا ونهارا بأنه علماني وغير محسوب على أي طرح ديني يأتي ليستعين بميليشيات هي أيقونة الطائفية المقيتة البغيضة في المنطقة اليوم. إنه الدجل بعينه ولا ريب ولا شك.

 
تأجيج العالم والمنطقة تحديدا خلطته السحرية هي تركيبة السياسة في الدين وخصوصا في ظل وجود العشرات من التفاسير الجاهزة والمعدة مسبقا كما هو مطلوب أن يقال ويكرر. لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، فالدين الإسلامي لا يوجد فيه فقه سياسي بعكس ما هو موجود في فقه الطهارة وفقه الميراث وفقه الزكاة مثلا، حتى أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم الذين نحن مأمورون أن نتبع سنتهم لم يقدموا نموذجا واحدا فكل واحد منهم كان له اجتهاده مما يعني أن المجال مفتوح للاجتهاد. وهي المسألة التي تجعل الإنسان الموضوعي والمراقب لما يحدث في بعض دول الربيع العربي يشاهد موقف الجماعات الحاكمة وهي كانت تردد آية «وأمرهم شورى بينهم» قبل وصولهم للحكم، وبعد وصولهم للحكم لم يعد من آية يتم ترديدها هي «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم». الدين أرقى من السياسة وأجل والسياسة لها مجالها وهي مسألة تثبت الأيام أنهما متى ما اختلطا توحش الوضع وزاد سوءا وعنفا وضررا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد