مصر وسيناريو المستقبل - اياد عليان صيام

mainThumb

23-07-2013 11:05 PM

 تعيش مصر هذه الايام حالة شديدة من الاستقطاب يترقب فيها الجميع المشهد وينتظر ان يرى له نهاية او بوادر حل سياسي يلوح بالافق يخفف من حدة الاستقطاب والتوتر الحاصل ويعبر بمصر الوطن لبر الامان ويجنبه ويلات الدم والقتل والتنازع والحياد عن السلمية التي ثبتت اركانها وغرزتها في عقيدة المصريين ثورة الخامس والعشرين من يناير . ولكن من يتابع تصريحات طرفي النزاع في مصر فانه لا يستبشر بخير ولا يرى بوادر انفراج للازمة لان كل منهما يتجه مبتعدا عن الاخر ومسرعا بعيدا عن الخط الفاصل بينهما متجها للتطرف في الموقف ، او ان شئت  فقل ان كلا منهما يبني الحصون ويستدعي جنود الاحتياط بل ويجند من جديد ويتمترس خلف رأيه محاولا تثبيته وحشد الدعم والتأييد له . وعليه فانه لا يرى افقا للحل السياسي ، ولكن من يراقب الوضع المصري وخصوصيته وارتباطه بالعديد من الملفات الاقليمية فانه ليصل الى حقيقة بان الرئيس المعزول محمد مرسي لن يعود رئيسا وعليه فان قادة الجيش لن يتراجعوا عن اجراءاتهم مهما كلف الثمن . ولكن السؤال الذي يتبادر الى ذهن كل مواطن مصري وعربي هو : ما السبيل لنهاية هذه الازمة والخروج منها باقل الخسائر على جميع المستويات ؟؟ او ما هو السيناريو المتوقع للازمة المصرية ونهايتها ؟ من هنا فانني اقدم من خلال مقالي هذا سيناريو متوقعا للازمة المصرية مبنيا على بعض المعطيات التي ساسوقها للقارئ الكريم ومنها : 

 

1. تقوم جماعة الاخوان المسلمون – الذراع الاكبر في معارضة عزل الرئيس مرسي لانه ابن الجماعة – ومن يدعمها في تحالف دعم الشرعية بالضغط على النظام الحالي وقادته من خلال استمرار الاعتصامات والمظاهرات ليل نهار وتصدرها لواجهة الاعلام متيقنين بان عودة مرسي للحكم هي مستحيلة وضرب من الخيال ، لذا فانها قد تعد خطة بديلة تحاول من خلالها البحث عن حلول سياسية وسط ، يكون ورقة الشارع والميادين بمثابة قارب النجاة للجماعة ومؤيديها من بطش أي نظام سيأتي . بحيث تقوم الجماعة بتصويب اوضاعها السياسية والحصول على ترخيص قانوني يسمح لها بالاستمرار دون ان يتم تهديدها بالحظر وايداع قادتها السجون والمحاكمات العسكرية كما كان حادثا في العقود السابقة . 
 
2. تعلم جماعة الاخوان المسلمين وحلفائها بانهم امام امر واقع على الارض لا بد من التعاطي معه عاجلا ام اجلا والخروج من هذه الازمة باقل الخسائر خصوصا وانهم يعلمون جيدا بان العالم سيعترف بهذا الواقع ولو اعترافا حذرا . وعليه فانها في الايام القليلة القادمة ستبحث عن عقلاء في النظام الجديد للبحث عن حل توافقي وسطي يقوم على اساس مبادرات داخلية او خارجية بعدما تكون الجماعة قد ثبتت بعض اوراق اللعبة لصالحها . 
 
3. نجحت بعض قيادات الجيش المصري ومن عاونهم وايدهم بقرار عزل مرسي في اظهار بعض الاشتباكات مع المتظاهرين على انها حرب شوارع بين الجيش المصري صاحب السمعة الطيبة والمجد الكبير في دحر العدو وقتاله بين المصريين وبين جماعة الاخوان المسلمين وهذا ما قد يولد عداوة بين الطرفين لن يستوعبها المصري البسيط الذي ما فتئ يمجد جيشه البطل صاحب الانتصارات على العدو الصهيوني ، وهو ما قد يعني فقدان الجماعة وحلفائها من الرصيد الشعبي لهم عند الأغلبية الصامتة .
 
هذا الأمر يعيه قادة الجماعة جيدا ، وعليه فانهم لن يبقوا على موقفهم الداعي لعودة مرسي للحكم بل سيبدؤون ببلورة رؤية للحل تبنى على التعاطي ضمنيا مع الواقع دون الاعتراف الصريح به . لان في استمرارهم على موقفهم هذا يعني معاداة الجيش صاحب اليد الطولي في الدولة ، وفقدان كبير من الرصيد الشعبي لهم . 
 
4. يدرك الاخوان جيدا ان الاستمرار في الازمة بزخمها الحالي فان ذلك سيكون بمثابة هدية مجانية يقدمها المصريون عموما وطرفي الازمة خصوصا بمن فيهم الاخوان للكيان الصهيوني الغاصب الذي اتخذ قرار لاول مرة في تاريخه بتخفيض الميزانية العسكرية بسبب الاوضاع السياسية والامنية في مصر وسوريا وما يعينه ذلك من اعتبارات سياسية وعسكرية وامنية على المستوى الاقليمي ، مما سيضطرهم – أي الاخوان وحلفائهم – للتنازل عن مطالبهم ذات السقوف المرتفعة والتوصل لحلول وسط لان في الاستمرار بهذه الازمة على هذا النحو وفي هذا الوقت بالذات تعارضا مع ادبيات الجماعة التي تدعو لمحاربة ومجاهدة الكيان الصهيوني – العدو الابرز والاشد خطرا على الامة - وعليه فان الاستمرار في الازمة والتعنت فيها سيضعها في موقف محرج امام الراي العام المصري والعربي والاسلامي والذي يعني فقدان رصيدا شعبيا الذي يعد رأس مال الجماعة . 
 
5. يدرك الاخوان وحلفائهم في الساحة المصرية بان الاستمرار في الازمة الحالية يعني استخدام الطرف الاخر لورقة ضغط شديدة الحساسية لهم وهي ورقة قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس المنبثقة عن الجماعة . وبالتالي سيقوم النظام الجديد بزيادة الضغط على قطاع غزة من خلال تشديد حركة المسافرين عبر معبر رفح وحركة البضائع وهدم مزيدا من الانفاق التي تعتبر شريان الحياة الجانبي للقطاع ، وهو ما يعنيه زيادة في الضغط على حكومة القطاع . ايضا الاستمرار في الازمة يعني زيادة الضغط على اللاجئين السوريين في مصر وما يعنيه ذلك من موقف محرج للجماعة سيضطرها في نهاية المطاف للقبول بحلول سياسية وسط تنقل التنازع من الميادين والشوارع الى اروقة العمل السياسي . والملاحظ بان هاتين الورقتين قد بدأ بالفعل استخدامهما عبر القرارات السياسية والهجمات الاعلامية وتجييش العواطف . 
 
6. يعلم طرفي الازمة في مصر بان مزيدا من الاستمرار في الازمة وصم الاذان عن الحلول والوساطات يعني مزيدا من الدم والقتل وهو ما لا يريده احدا منهم لاعتبارات دينية او سياسية او تاريخية ، الامر الذي سيؤدي بالطرفين للرضوخ للغة الحل السياسي الوسط الذي سينهي او على الاقل سيؤجل محاور الخلاف لما بعد المرحلة الانتقالية . 
 
7. يعلم طرفي الازمة في مصر بانه مع مضي الوقت فان كلاهما سيتعرى ويتكشف من مؤيديه ومناصريه ويبقى وحده في مواجهة الآخر ، الامر الذي سيؤدي لظهور طرف ثالث رافض للاستمرار في الازمة على صورتها الحالية التي تضر بمصر على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني ، مما سيفرض على كلا الطرفين ورقة ضغط ليست في صالح أي منهما ، وهو ما ظهر مبكرا من خلال اعلان بعض القوى التي ايدت عزل مرسي رفضها لبعض القرارت المتخذة من الرئيس المؤقت مثل قراري تعيين البرادعي رئيسا للوزراء والاعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس المؤقت . 
 
8. اثبتت الايام القليلة الماضية التي اعقبت قرار الجيش بعزل مرسي بانه لا يمكن ان يراهن قادة الجيش ومن يدعمهم وايدهم بقرارهم على قصر نفس الاخوان المسلمون في البقاء في الشوارع ، اذ ان الايام اثبتت ان الاعداد كما هي ان لم تزداد وتتضاعف . لذا فان قادة الجيش وقادة النظام الجديد تيقنوا بقوة الاخوان التي لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها ولا يمكن ايضا معاداتها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير . حيث سيقومون بالبحث عن حلول ترضي طرفي النزاع ولو عبر وساطات داخلية او خارجية . وما في لقاء وزير الخارجية الامريكي لبعض قادة ميدان رابعة العدوية الا تاكيدا لقوة الاخوان من الخارج . 
 
9. نجح الاخوان ومن ورائهم من يؤيدهم عبر منابرهم الاعلامية باقناع جزء من الراي العام المصري والعربي بان ما يحدث ليست ثورة ضد الاخوان وانما ثورة مضادة لثورة الخامس والعشرين من يناير وما يعنيه ذلك من عودة لرموز النظام البائد – نظام مبارك – وبالتالي فانهم بذلك استطاعوا الضغط على الحكام الجدد لمصر لان الاغلبية المطلقة من المصريين بسطاء كانوا او سياسيون ترفض عودة أيا من رموز مبارك ونظامه وسياساته . 
 
10. يعلم قادة الجيش وحكام مصر الجدد بان الاوضاع المحلية والعربية والاقليمية لن تسمح ببناء او عودة للدولة الامنية البوليسية اذا كانوا يودون نيل الاعتراف من القوى الفاعلة اقليميا ودوليا . وهذا الشيء ستفرضه القوى الكبرى ليس خوفا على ديمقراطية مصر الوليدة او حرصا منها على مستقبل المعارضة المصرية وانما من باب الخوف من ان عدم اشراك الاخوان وحلفائهم من الاسلاميين في العملية السياسية القادمة فان ذلك سيؤدي بجنوح البعض منهم للعودة الى منهج العنف والتطرف والتخلي عن لغة الحوار خصوصا بعدما فتحت القوى الغربية قنوات اتصال مع الاخوان في الفترة التي اعقبت ثورة يناير . 
 
11. يدرك حكام مصر الجدد بان المرحلة التي اعقبت ثورة يناير والتي ادت لبروز نجم الاسلاميين والاحداث التي وقعت خلال هذه الفترة بما فيها تولي مرسي سدة الحكم لمدة عام قد ادت لانخفاض حماسة الكثير من المصريين لتولي اسلاميون بارزون مقاليد الحكم اما رئاسة او عضوية في البرلمان ، وعليه فانه يعلمون جيدا ان أي ميدان انتخابي لن يفرز اسلاميين بنفس الزخم الذي افرزه عقب ثورة يناير . وبالتالي فانه لا داعي للخوف من عودة الاسلاميين المحتومة للعملية السياسية بعد المرحلة الانتقالية .
 
مما سبق يتضح للقاسي والداني بان سيناريو مستقبل الازمة المصرية لا بد له من المرور عبر المسار السياسي التفاوضي بين الاطراف ، الذي سيتم من خلاله عقد صفقة سياسية تكون فحواها كما يلي : 
 
1. ان يتم الافراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وقادة الجماعة المعتقلين وايقاف البلاغات المقدمة ضدهم وتصويب اوضاعهم القانونية في مقابل فض الاعتصامات والجموع المؤيدة لمرسي من الميادين والشوارع . 
 
2. عدم المساس بجماعة الاخوان وايقاف الدعاوى الموجهة ضدها في القضاء المطالبة بحظرها مقابل ان تشارك في العملية السياسية القادمة ، وتصويب اوضاعها القانونية بحيث يترك العمل السياسي لحزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية للجماعة - وترك الجماعة الأم للعمل الخيري الدعوي فقط . 
 
3. اعتراف الجماعة وحزب الحرية والعدالة الضمني بالوضع القائم والتعامل معه مع الاستمرار في معارضته في مقابل وضع جدول زمني محدد للمرحلة الانتقالية ينتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية ويقر فيها التعديلات الدستورية ويوضع قانون انتخابات توافقي . 
 
4. ان يتم تأجيل النقاط الدستورية الخلافية الى ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بحيث تكون الامور في مصر قد استقرت بوجود رئيس وبرلمان ودستور متوافق عليه وتصويب اوضاع القضاء والنائب العام . حينها ستكون عربة الوطن قد بدأت بالمسير وعليه فان حدة الخلاف ستكون اقل ضررا واخف حدة . 
 
5. ان يتم تأجيل الحديث عن المسئولين عن أحداث القتل ومهاجمة المتظاهرين السلميين الى ما بعد اقرار الدستور وتصويب اوضاع النائب العام . 
 
هذا السيناريو هو المتوقع للازمة المصرية وفصولها ، واخراج مصر من ازمتها وعودة مصر لريادتها للعمل العربي والاسلامي ، وهو السيناريو الأقل ألما والاكثر جدية ومنطقية في ابجديات وادبيات كلا الطرفين . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد