بين سياسة التجار وتجار السياسة ضاعت الأمة ..

mainThumb

19-11-2013 09:06 PM

         في عام اجتمع مجموعة من التجار العرب في أحد الأحياء الراقية من المدينة ثم دار بينهم هذا الحوار السياسي :

          تاجر العقارات : لا أدري أيها الأخوة كيف أضاعت الأمة العربية فلسطين بتلك السهولة وبهذه السرعة ! في الحقيقة فإن ما جرى أمر مخجل لنا وهو وصمة عار أبدية على جبين هذه الأمة ؛ فالذي ضاع من العرب هو ليس قطعة أرض في الصحراء البعيدة ، وانما هو أولى القبلتين ومسرى النبي وبيت المقدس ! فرد عليه تاجر السيارات : صدقت يا أخي ـ لقد أضاعوا فلسطين والقدس بشربة ماء !!! وقد مر على احتلالها عقود طويلة ، ولم نسمع عن قائد عربي واحد يقوم بمحاولات جادة لاسترجاعها من أعداءنا اليهود الغاصبين ! وان ما يدعو للاستغراب والتعجب ؛ بأن القادة العرب قد هرولوا خلف طريق واحد ووحيد لاسترجاعها ؛ أتدرون ما هو يا اخوة ؟ إنه طريق السلام العادل ـ يا سلام ! يريد هؤلاء أن يبدلوا سنن الحياة الأبدية والتي تقول : ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة !!!       

       وأثناء ذلك الحوار أبدى أكثر  التجار آرآئهم وتحليلاتهم حول موضوع الجلسة وهو : الأسباب الحقيقية لضياع فلسطين ، والاخفاق في استردادها ...       

    أبدى جميع التجار امتعاضهم مما جرى ويجري لهذه الأمة العربية ، ولكنهم في نهاية النقاشات حملوا المسئولية عن تخلف هذه الأمة وعن هزائمها لغيرهم ... وخلال تلك الجلسة وقف في زاوية المكتب مراسل المكتب ، والذي كان يستمع لأحاديثهم ونقاشاتهم بصمت ، لكنه كان يقول بينه وبين نفسه : والله إنكم لكاذبون ؛ فأنتم لم تبادروا للتبرع ولو بدينار„ واحد„ للإنتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ عام ـ

 ثم أضاف المراسل : إن تجار اليهود يدعمون الكيان اليهودي المصطنع بالمليارات وأنتم أيها المنافقون لا تجيدون سوى النقد وكثرة الكلام ولا تعرفون في هذه الحياة سوى جمع الدنانير وعدها وكنزها ! ثم قال  في نفسه : لن ننتصر وهذه الحثالات بيننا ، أقسم  بأننا لن ننتصر  حتى يصدق العرب مع أنفسهم ...  

     وخلال حرب الخليج الثانية في العام ...  ، قام الرئيس العراقي صدام حسين في هذه الحرب بدك الكيان اليهودي بالصواريخ ، مما أدخل السعادة لقلوب الجميع بمن فيهم أولئك التجار ، والذين استبشروا ثم هللوا لتلك الضربات الصاروخية الموجهة لأسرائيل ... ولكن كان من النتائج السيئة لتلك الحرب هو : قيام الامريكان وحلفائهم بغزو العراق وتدمير بنيته التحتية والعسكرية ، كما نتج عن هذه الحرب وضع العراق تحت حصار أممي خانق وظالم„ وقاس„ ...

وفي تلك الظروف السيئة اجتمع هؤلاء التجار في جلستهم السياسية الثانية والتي كانت بعنوان : العراق العربي الى أين ؟       تاجر العقارات : لا أتوقع بأن الرئيس العراقي صدام حسين قد كان بكامل وعيه وادراكه يا اخوة ؛ لقد تسرع في كل ما أقدم عليه  من خطوات ، وإلا  فكيف يقصف اسرائيل بالصواريخ وهو يعلم بأن موازين القوة ليست في صالحه ولا في صالح العرب ؟ ولا ننسى يا أخوة بأن اسرائيل لديها الكثير من القنابل النووية والتي تستطيع من خلالها مسح الدول العربية مجتمعة !           يا أخوة : إن الطفل العربي الصغير يعلم اليوم ، بأن أمريكيا لن تسمح  لأحد„ بالتطاول على حبيبتها الوحيدة : اسرائيل ، وكذلك فإن أمريكيا لن تسمح لغيرها بأن يتحكموا في بترول منطقة الشرق الأوسط !         

 بينما قال تاجر السيارات : إن هذا الكلام صحيح جدا” وواقعي ، ولا جدال عليه ـ  قكل ما أقدم عليه صدام حسين وكل ما فعله خلال فترة حكمه قد جلب الخراب والدمار للعراق والامة العربية ؛ لقد حارب ايران ثمان سنوات بحجة تحريره للأهواز ولم يحررها ! ثم وقع بعد هذه الحرب الطويلة في الفخ الأمريكي عندما دخل دولة الكويت ! وبعد ذلك غامر بقصف اسرائيل بالصواريخ ! وكل تلك الأفعال كانت مبررات كافية للدول الغربية والأستعمارية لكي تغزو العراق وتدمره وتحصاره وتجوعه وتفككه  ...          

 واستمر حديث التجار المنتقد لكل شيء حولهم ، ولكن لم يقطع حديثهم سوى ذلك الصوت القوي القادم من أحد التجار حولهم حين قال : إخواني التجار  ـ اسمعوني جيدا”  : لقد بدأت فترة التقديم لطلبات التعويضات والتي أقرها مجلس الأمن الدولي للمتضررين والذين يريدون الحصول على تعويضات من حكومة العراق ! فهل قدمتم طلباتكم أيها السادة ؟ فقال تاجر العقارات : بالطبع قدمنا  ـ فأنا طالبت بتعويض مقداره ثلاثة ملايين دولار امريكي تعويضا” عن عماراتي وشققي في الكويت والتي طالها الكساد هناك خلال هذه الحرب ! بينما قال تاجر السيارات : أما أنا فقد طالبت بتعويض مقداره خمسة ملايين دولار عن فرع الشركة الموجود في الكويت والذي تعطلت أعماله هناك خلال فترة الحرب  !

 ثم قال تاجر آخر ويدعى أبو السعيد : أما أنا فقد طالبت بتعويض مقداره مليون دولار امريكي ... فقال التجار بدهشة : ولكنك يا أبو السعيد لا تملك أي شيء في الكويت ؟ فقال أبو السعيد : نعم يا أخوة ، هذا كلام صحيح ، ولكن حظي السعيد أبى الا أن يسعدني أكثر وأكثر  ؛ فقد كنت في الكويت لحظة دخول القوات العراقية ، ثم اصابني الذعر والخوف الشديدين ؛ لذا فقد طالبت العراق بتعويضي قدره خمسة ملايين دولارأمريكي ، لتعويضي عن الذعر والخوف والفزع الذي أصابني هناك !!!

ثم ضحك ابو السعيد وضحك التجار لما قاله ، باستثناء ذلك المراسل أو الفراش الذي ظل صامتا” ومتعجبا” من قولهم ، ومن تفكيرهم،  ومن حواراتهم ، ثم قال في نفسه : إن هؤلاء التجار لا يجيدون سوى اقتناص الفرص لجمع الأموال ؛ إن الرجل قد قصف اسرائيل لأجلهم ! ولكن الجمل إن سقط لن يرحمه الناس ، فكيف سيرحمه هؤلاء التجار اللاهثون خلف المال بكل جنون  ؟!              

 وقبل سنتين من الآن جلس هؤلاء التجار جلستهم السياسية الثالثة ، والتي تناولوا خلالها أحداث الربيع العربي والدور المأمول من هذا الربيع لتحرير فلسطين من اليهود ، حيث بقي هؤلاء التجار على موقفهم السابق : يلومون كل من حولهم وينتقدون غيرهم ، ثم يحملون قادة العرب المسئولية عن تعاسة هذه الأمة وكانوا يقولون : إن حرب رمضان هي المسلسل الاخير للحروب العربية مع اليهود ، فنحن لم نشاهد بعد هذه الحرب قائدا” عربيا” واحدا” سدد ولو طلقة واحدة باتجاه اسرائيل ... وفي نهاية ذلك الحوار ناقش التجار الخطط المناسبة للمحافظة على الخط البياني المتصاعد لتجاراتهم ولثرواتهم ، ثم ناقشوا كيفية التملص من دفع الضرائب لخزينة الدولة ، كما بحثوا كذلك أفضل الطرق للافلات من دائرة مكافحة الفساد والتي فتحت عيونها جيدا” خلال ثورات الربيع العربي ...   

      فقال ذلك المراسل في نفسه : حتى صدام حسين الذي أطلق الصواريخ على اليهود لم يسلم من ألسنتهم اللعينة ! ثم قال ذلك المراسل : لقد شاهدت الحلقة الأولى والحلقة الثانية والثالثة من مسلسل ( سياسة التجار ) فوجدتها سياسة لا يحكمها دين أو قانون أو مبدأ !!! وكنت قد شاهدت في الفضائيات حلقات من مسلسل  (تجار السياسة ) والذين ظهروا بقوة بعد معاهدة أوسلوا وفاوضوا وتنازلوا ثم ساوموا على كل شيء ، ودون تحصيل أي شيء ... ثم ختم المراسل بقوله : بين سياسة التجار وتجار السياسة : هلكت الأمة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد