أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 1

mainThumb

23-11-2013 01:33 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 1 " النموذخ الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

قبل أسابيع قليلة نوهنا الى ما قاله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "أندريه فوغ راسموسن" ان قوات "إيساف" الممثلة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان  قررت وبرغبة امريكية الإنسحاب من أفغانستان نهاية العام 2014 ، وجاء هذا بسبب  تصاعد العمليات العسكرية التي تقودها حركة طالبان ضد القوات الغربية، والتي "حسب ما قال راسموسن" ان حركة طالبان كانت حريصة على قتلنا،

وجاء اليوم الذي اعلن فيه وزير الخارجية الامريكية " جون كيري" في 20 تشرين الثاني 2013 ، عن  اتفاق مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، يمنح الجنود الأميركيين الذين سيبقون في أفغانستان بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) نهاية العام 2014 من البلاد حصانة قضائية ضد القوانين الأفغانية.

وأعلن كيري الاتفاق في مؤتمر صحافي عقده في مقر وزارة الخارجية بواشنطن رفقة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل ، وهو على ما يبدو اقتراب موعد الإنسحاب العسكري الكامل لحلف شمال الأطلسي من أفغانستان ، بعدما فشل في القضاء على حركة طالبان ، التي كان يصفها الحلف بحركة التمرد الإرهابية الخارجة على القانون والشرعية الدولية ، علما بان جوهر الإتفاقية نص على التالي :

1- بقاء أكثر من عشرة الآف جندي أميركي في أفغانستان ، من أصل أكثر من 75 الفا من الجنود المتواجدون حاليا في افغانستان .

2- منح واشنطن تسع قواعد عسكرية في أرجاء أفغانستان

3- منح الجنود الأمريكيين الذين سيبقون في أفغانستان بعد عام 2014 حصانة قانونية  ضد القوانين الأفغانية  ، وان الولايات المتحدة "تتمتع بالحق الحصري في محاكمة " الجنود الأمريكيين الذين يرتكبون جرائم على الأراضي الأفغانية .

4-سيواصل الأمريكيون التعاون الوثيق مع القوات الحكومية الأفغانية عبر تقديم المشورة والتدريب والدعم ، وكذلك تعزيز القوات الجوية الأفغانية التي تمتلك عددا قليلا من الطائرات .

والسؤال المطروح هنا : إذا كانت قوات حلف شمال الأطلسي البالغة أكثر من 75 الف مقاتل يمثلون دول الحلف والمتعاونون معه من كافة انحاء العالم ، تحكم أفغانستان حاليا وتسيطر على مناطقها كافة ، ووقفت عاجزة كل العجز امام ضربات حركة طالبان الموجعة والتي آلمت الغربيين ودفعت بهم الى الرحيل ، هل يكفي عشرة الآف مقاتل للحيلولة دون وصول حركة طالبان الى السلطة ؟

وللإجابة على هذه التساؤلات وغيرها دعونا نطوف في الأحداث الأفغانية نقرأ خلفيتها التاريخية المعاصرة ، ونتعرض للمزاج العام الذي أحيط بالإحتلال الامريكي لأفغانستان ، وتعرض الحلف الأطلسي للقتل اليومي على يد حركة طالبان.

لم يتعرض بلد من البلدان او شعب من الشعوب لمآسي الحروب والاحتلالات الاجنبية كما تعرضت له افغانستان ، وشعبها الأفغاني ، ومن يقرأ تاريخ الأفغان منذ أقدم العصور الى عصرنا الحاضر يكتشف أمة غريبة وعجيبة ، ويبدو ان الأزمات والحروب التي مرت بها افغانستان لعبت دورا مهما في تشكيل نفسية الشعب الأفغاني ، حيث بات معتادا على مواجهة مثل تلك الحروب والأزمات ، بل وقادرا على الصمود والصبر لتحقيق الانتصارات ، التي كان عدوهم دائما يشكك بها  للوهلة الأولى لانه (اي العدو) يحقق انتصارا سريعا في اراضيها ، لكنه ما  يبرح ان يحط برحاله على ارضها  الا وتثور بوجهه العواصف وتهتز الارض من تحت اقدامه ، فكانت مقبرة الامبراطوريات ، وصانعة الإمبراطوريات في نفس الوقت  ، مع ان مساحتها الجغرافية صغيرة جدا بحيث لا تتجاوز في اكثر تقدير على 652230كم2 ، وهي بلاد مغلقة لا حدود لها على البحار ، بل ويحيط بها ست دول هي :باكستان والصين وايران واوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان ، ويسكنها قبائل البشتو والطاجيك والهزاره والتركمان والأوزبك وغيرهم ، طمع بها الكثيرون ، وأوردهم طمعهم فيها مورد الردى والهلاك ، جاءهم الاسكندر الأكبر والهنود، والعرب ، وجنكيزخان ، وتيمورلنك ،والانجليز ، والاتحاد السوفيتي ، واخيرا جاءهم حلف شمال الأطلسي بقضة وقضيضه ، وعده وعديدة ، دحروا الجميع الا انهم اعتنقوا دين العرب بعد محاولات صعبة ومعقدة حاولها الفاتحون العرب معهم ، يفشلون ثم يجربون حتى استقر الأمر عندهم على الاسلام ، وقد شكى من شراستهم وقوتهم وشكيمتهم القائد العظيم " قتيبة بن مسلم الباهلي " الذي لم يفلح في فتح افغانستان ، بل قرر عدم المحاولة معها ، معلنا "ان افغانستان ثغرٌ مشؤوم" ، كما ورد عند المؤرخين العرب ، من مثل البلاذري وابن اعثم الكوفي والطبري وغيرهم الكثير ، فهو شعب اذا ما تعاملت معه وعشت في كنفه فانك تستشعر الأخلاق الانسانية الحميدة ، لا تعرف منهم الا الود واللطف والمحبة والتعاون والكرم ، وهو ما لمسناه منهم في اثناء تواجدنا في باكستان ، واذا ما تعرضوا لأذى من أحد ، تراهم يقلبون له رأس المجن ، ويتحول ودهم وسماحتهم وكرمهم الى خصومة عنيدة  يذوب دونها الحديد والصخور .

ولسنا هنا بصدد الغوص في اعماق تاريخ الشعب الأفغاني المجيد ، على اهميته الكبيرة ، بل سنقف عند مسألة عظيمة وبالغة الخطورة ، وهي ان حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، باتت مضطرة الى اتخاذ قرار تاريخي لم يكن في حسبان أحد على الأطلاق ، وهو "الإنسحاب من أفغانستان " ،  وقد تمثل ذلك في مؤتمر القمة التي عقدها حلف شمال الأطلسي في شيكاغو ما بين 20-21 كانون اول 2012 ، وشارك فيه 28 دولة عضو الى جانب دول الأعضاء شارك في القمة ما يقارب 60 دولة بعضهم من الدول التي شاركت من اجل مناقشة الاحتلال الامريكي والناتو لإفغانستان ، وجاء في بيان القمة الختامي :" أعربَ عن أن أفغانستان قطع مسافة طويلة في مرحلة استقرار وأمن البلاد موضحا ان مسؤولية أمن وسلامة البلاد بحلول نهاية عام 2014 سيحول من قوات "الإيساف" [1]الى قوات الأمن الوطنية الأفغانية " ، وهو تأكيد من دول حلف شمال الاطلسي على انهاء مهماتهم القتالية في افغانستان .

[1] وقوات إيساف هي قوة أمنية يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان التي أنشأها مجلس الأمن للأمم المتحدة في 20 ديسمبر 2001 بموجب القرار رقم" 1386" بعد الإطاحة بحكومة طالبان ، والبلدان المساهمة في قوات إيساف تشمل كلا من (بلجيكا ، وبلغاريا ، والدانمارك ، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وإيطاليا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وهولندا ، وإسبانيا ، وتركيا ، وأيرلندا ، وبولندا ، والبرتغال ، ومعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) بالإضافة إلى كل من أستراليا ، ونيوزيلندا، وسنغافورة وأذربيجان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد