افغانستان وحلف شمال الأطلسي : 2

mainThumb

25-11-2013 12:48 PM

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

الاحتلال الامريكي وحلف شمال الأطلسي  لإفغانستان بدأ منذ 7 اكتوبر /تشرين الأول 2001م ، حيث أطلقت الولايات المتحدة غاراتها الجوية على أفغانستان ضد ما تصفه بالإرهاب ، وأعلن الرئيس الأمريكي "جورج بوش" بدء الضربات العسكرية على أفغانستان بعد رفض حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان تسليم أسامة بن لادن المتهم الرئيسي في الهجمات على واشنطن في 11 سبتمبر 2001 ، "" ولم يحدث ان تجمع هذا العدد الضخم من الغزاة - على حد قول الكاتب عثمان البدراني- الذين يمثلون أقوى الدول على وجه الأرض ، عسكريا واقتصاديا ، ضد دولة من الدول ، او قوة من القوى ، وطوال هذه المدة الزمنية ، مثلما حدث في أفغانستان ،ومع ذلك ، فخلال ما يقارب العشر سنوات عجزت هذه القوة الهائلة ، بموازين الناس ، عن تحقيق النصر !  بل ان خسائر التحالف المكون من امريكا وحوالي اربعين دولة من الحلفاء تتفاقم ، وقوته ومعنوياته تضعف ، ويوشك عقده أن ينفرط ، خوفا وذعرا من الهزائم والخسائر التي تعاني منها قواته يوميا ""، هذه القوة لم تكن قوة اعتيادية او تقليدية ، بل كانت قوة مدججة بأحدث ما عرفته البشرية من سلاح متطور في الفتك والتدمير والإبادة ، مقابل جنود واسلحة بدائية تمتلكها حركة طالبان الأفغانية ،ووفق ما اعلنه البنتاغون فانه استخدم أسلحة متنوعة في ضرباته على أفغانستان ، حيث شاركت 25 طائرة مقاتلة متمركزة على حاملات طائرات امريكية ، و15 قاذفة استراتيجية من طراز"ب 1" وطائرات شبح " ب2" ، و" ب52" العملاقة ، إضافة الى غواصات بريطانية اطلقت نحو 50 صاروخا من "توما هوك" وصواريخ"كروز" ، وسفنا حربية امريكية هي :" ماكفول" ، و"جون بول جون" ، وغواصات لم يتم الكشف عن اسمائها ، وطائرات من طراز" FA18" هورنتس ، و"F14 " تومكاتس ، واكد عسكريون امريكيون انه تم استخدام طائرات هليوكبتر هجومية من طراز"UH 60" بلاكهوك ، و"UH 64" أباتشي ، كما شاركت وللمرة الأولى الطائرة الهجومية "اي سي 130" وهي تتمتع بقدرة هائلة على إطلاق النار ومصممة لضرب الآليات والأفراد، وأكد وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" :" أن القاذفات الأمريكية ألقت قنابل هائلة من نوع " جي بي يو -28" ، التي تزن 2,5 طن ، وهي ذات قوة اختراق كبيرة على اهداف تحت الأرض مما أحدث "انفجارات أخرى هائلة استغرقت بضع ساعات " ، وهي قادرة على الإختراق بعمق 30 مترا تحت الأرض او اختراق الإسمنت المسلح بسماكة 6 أمتار ،" فاقت القوات الجوية التي استخدمت في هجماتها على افغانستان 500 مقاتلة ، واربع مجموعات من حاملات الطائرات يدعمها أكثر من 150 سفينة حربية بينها عشر بوارج ومدمرات مسلحة بصواريخ "كروز" و"توماهوك" ، وحشد من القوات البرية والخاصة ومشاة البحرية يتعدى حجمه 250 ألف رجل ، بجانب قوات أخرى من دول الناتو ، خاصة بريطانيا، بينما يقابلها قوة حركة طالبان التي لا تمتلك الا 200 الف فرد ، و200 دبابة روسية قديمة الصنع ، و1500 قطعة مدفعية وراجمة صواريخ ، و10 طائرات قديمة ، هذا الكم الضخم من الأسلحة الحديثة والمدمرة جاء تحت خطة حربية وضعتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تحت شعار " الصدمة والرعبshock & awe" ". كانت الإدارة الآمريكية بقيادة الرئيس "جورج بوش" ، ووزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" ،تعتقد بكل ثقة أنهم جاءوا الى أفغانستان لدفن حركة طالبان ومعها تنظيم القاعدة في اوديتها وصحاريها وجبالها ، وان مثل هذه الحركة ما عاد لها وجود في تاريخ البشرية ، ولا في المجتمع الإنساني، ولم يكن يتوقعوا يوما من الأيام أنهم سينهزمون ، وأمام من؟ أمام حركة طالبان الأفغانية ، إنه لأمر عجيب ، لا يستطيع العقل البشري تخيله ، ولا ان يقتنع به ، مهما حاولنا تفسير ذلك ، حتى الأمريكان أنفسهم ، وصناع الاستراتيجيات العسكرية في اوروبا تقف عاجزة عن تفسير هذه الظاهرة العجيبة ، وهي ظاهرة "انتصار حركة طالبان على حلف شمال الأطلسي " ، لقد وعد "رامسفيلد " حركة طالبان ومن يساندها من المقاتلين العرب بالهزيمة النكراء ، بل ووعدهم بالذبح ، ولم يتعامل مع الأسرى كأسرى حرب ، بل أمر بقتلهم في الحال .

كان زعيم حركة طالبان "المُلاّ محمد عمر" يُدرك حجم القوة العسكرية الهائلة التي سيستخدمها حلف شمال الاطلسي ضد بلاده وقواته في أفغانستان ، وأنه لا قبل له بها على الإطلاق ، فضلا عن أنه بات في حكم المؤكد ان كافة دول العالم بلا استثناء تحالفت جميعها على تدمير حركة طالبان والتخلص منها الى الأبد ، بما في ذلك دولة باكستان الحليف الاستراتيجي للحركة ، بمعنى ان العالم كله أجمع على تخليص العالم من حركة طالبان ، وهو ما لم يحدث في التاريخ البشري على الإطلاق ، بل كان موقنا بان الامريكان سيحتلون بلاده لكنهم لن ينتصروا ، وبدلا من ان يعترف زعيم حركة طالبان بعجز قواته عن مواجهة الغزو الامريكي الغربي والأممي على بلاده ويعلن استسلامه ويرفع الراية البيضاء ،  راح يطلق  تصريحات لا يمكن وصفها في حينها الا انها ضربا من ضروب الخيال والأماني والأحلام ، ففي مقابلة مع الزعيم الأفغاني اجرتها اذاعة "صوت أمريكا" في 26 ايلول/سبتمبر 2001 ، قال :" أن الولايات المتحدة لا تستطيع هزيمة حركته ، وحتى لو كانت امريكا أقوى لن تستطيع هزيمتنا، نحن على يقين من أن أحدا لا يستطيع ان يضرنا اذا كان الله معنا"، اما تصريحه الآخر فقال فيه :" إن أمريكا وعدتنا بالهزيمة والله وعدنا بالنصر ، فسننتظر أي الوعدين يُنجز ، والله لن يُنجز إلا وعد الله " ، لكن وعد الله لا يتحقق بالأماني ، ولا بكثرة الأدعية والصلوات ، ولا بكثرة شتم العدو وسبه وسب من تعاون معه ، وعد الله يتحقق لمن لا يقنط من روح الله ، ويعمل ويصبر ويقاوم ويضحي  ويناجز العدو ، ويتحمل المشاق والمتاعب والمصائب ، ويتمتع بطول نفس وصبر على تحقيق المنجزات ، وعدم الاستسلام للضعف ايا كان مصدره ، ماديا او معنويا ، عسكريا ام مدنيا ، هذه هي معالم الطريق نحو تحقيق النصر ، وهو ما تمتعت به حركة طالبان على مدار اكثر من 12 عاما ، منذ 2001 ولغاية 2013 م ، وهي تواجه أشرس وأعظم قوة عسكرية وتحالف عسكري لم يعرف له تاريخ البشرية مثيلا ، كان من المفترض وفق موازين القوى التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي ، مقارنة مع ما تمتلكه حركة طالبان من قدرات عسكرية ، من المفترض ان تذوب حركة طالبان امام المطر المنهمر من الصواريخ والقنابل الفتاكة التي لم تستخدم الا في أفغانستان ، تنصهر وتذوب لا في غضون سنوات كثيرة ، بل في غضون شهور معدودة ، لقد استخدم حلف الأطلسي من الذخيرة والقنابل والأسلحة ما يفوق اضعاف اضعاف ما تم استخدامه في الحرب العالمية الثانية التي انهزمت فيها المانيا واليابان وخضعتا للإحتلال الامريكي المباشر حتى الآن ، بل  ان الصبر والمقاومة وابتكار تكتيكات قتالية جديدة لدى حركة طالبان ، لا سيما في الخمس سنوات الأولى من الاحتلال الامريكي لإفغانستان ، قلب المعادلة رأسا على عقب ، وجعل نتائج الحرب والقتال تتحول تدريجيا لصالح المجاهدين الأفغان ، وهو ما شكل قلقا وانزعاجا كبيرا لدى القيادة الامريكية والغربية على حد سواء ، ومن هنا انطلقت بداية التفكير الجدي بالتخلي عن الاحتلال لأرض افغانستان ، وتركها لمصيرها المحتوم ، وهو ما دعا رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "ريتشارد هاس" ،في مقالة نشرها في صحيفة " نيوزويك"  الى الإنسحاب من أفغانستان بوصفها حربا لا يمكن تحقيق النصر فيها ، مؤكدا على ضرورة إعادة توجيه الولايات المتحدة لسياستها في افغانستان نحو خيار اللامركزية بحيث توفر مزيدا من الدعم للقادة المحليين ، وأن تسلك نهجا جديدا مع حركة طالبان ، مشددا على ان الحرب التي تخوضها أمريكا في أفغانستان لن تنجح ولا تستحق ما يبذل من أموال ودماء " ، من هنا بدأ يدب القلق والخوف والمصير الأسود للتحالف الغربي في افغانستان عبر الصحافة الغربية من خلال مقالات الصحفين والكتاب والمحليين السياسيين والاستراتيجيين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد