أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 9

mainThumb

11-12-2013 03:04 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 9

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

قلق  روسيا من الإنسحاب الأطلسي : إن مجرد إعلان حلف شمال الأطلسي نيته الإنسحاب من أفغانستان في أواخر سنة 2014 ، وأنه لم يعد مهتما في البقاء في هذه البلاد ، بل وانه محبط بسبب توالي الضربات المؤلمة والقاتلة التي وجهتها للحلف حركة طالبان ورجالاتها المنتشرون في جبال أفغانستان ، مجرد ذلك ، ألهب أفئدة الروس رعبا وفزعا ، وراحوا يتململون ويتأففون على هزيمة حلف الأطلسي في أفغانستان ، وهم الذين اكتووا بنيران التجربة نفسها ، وتجرعوا مرارة الهزيمة والإحباط والإنهيار من نفس الكأس ، مكث جيش الاتحاد السوفيتي المكون من 120 الف جندي مدعوما بحلف "وارسو" محتلا أفغانستان قرابة العشر سنوات ، منذ 25 ديسمبر / كانون اول 1979 ولغاية الإنسحاب الكامل وبشكل رسمي في 15 فبراير/شباط 1989م ، قتل من جنوده حوالي 15 الفا ، بينما قتل من الأفغان 1,2 مليون أفغاني ، وهجر اكثر من عشرة ملايين ، استخدم فيها الجيش الأحمر احدث انواع الأسلحة واكثرها فتكا وتدميرا ، وأحرقوا الأخضر واليابس ، وقضوا على آلاف الهكتارات من الغابات التي حولوها الى رماد بحثا عن المجاهدين الأفغان ، وتفنن الأفغان في قتل الروس ، حتى اوقعوا في قلوبهم الرعب ، بل وخلق الأفغان لروسيا ما يسمى بـ"عقدة افغانستان " المرعبة " ، هذه العقدة عجلت في  هزيمتهم من افغانستان ، وسرعت في اعلان "غورباتشوف" عن انهيار الاتحاد السوفيتي" ، كان انهيارا مدويا ، تشضى فيه الاتحاد السوفيتي الى عشرات الدول ، لقد اطمأن الروس على بلادهم ، وعلى حلفائهم في آسيا الوسطى، حينما احتل حلف شمال الأطلسي أفغانستان ، بل وقدموا للحلف خدمات عسكرية لوجستية ومادية وفتحوا له حدود الدول الصديقة والحليفة لروسيا ، مثل اوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان ، للعبور الى اراضي افغانستان وادخال آلياتهم العسكرية اليها ، لأن حلف الأطلسي قدم خدمات أمنية عظيمة لروسيا باحتلاله افغانستان ، بل ويتأكد لنا ، ان الاحتلال الامريكي والأطلسي لأفغانستان لا لمحاربة الارهاب كما اشاعوا ذلك في العالم ، بل خوفا على روسيا والجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى من الوقوع تحت تاثير حركة طالبان الأفغانية ، التي بدأت بالفعل بالأتصال مع الجماعات الاسلامية في الجمهوريات الاسلامية بغرض تحريكها للسيطرة على مقاليد الحكم هناك ، وهو ما يشكل خطرا مباشرا على وحدة وسلامة الاتحاد الفدرالي الروسي .

جاء القلق الروسي مبكرا بعد سماعهم أنباء حول إمكانية انسحاب حلف الأطلسي من أفغانستان ، وهو الأمر الذي دفع بوزير الخارجية الروسي" سيرغي لافروف" الى الاسراع في الدعوة الى ضرورة ان تقدم "قوة المعاونة الأمنية الدولية " التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، إخطارا الى مجلس الأمن بتنفيذ المهام المطروحة عليها قبل ان ترحل عن أفغانستان في العام 2014م ، كما أشار " لافروف" في كلمته التي ألقاها في مؤتمر خاص بأفغانستان عُقد في العاصمة الأفغانية كابول في 14 حزيران 2012 ، الى ان :" مجلس الأمن الدولي أوكل لهذه القوة مهمة محاربة الإرهاب ومكافحة المخدرات في أفغانستان " ، وفي الأول من شهر آب سنة 2012 ، التقى الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين" بوحدة من قوات المظلات الروسية في مدينة "اوليانوفسك" بمناسبة حلول يوم قوات المظلات الروسية ، شارحا للجنود الروس هناك ، لماذا تمُد روسيا يد العون الى حلف شمال الأطلسي"الناتو" في أفغانستان "؟؟ ، وتبين من شرحه أن:" توفير التسهيلات "للناتو" لإستخدام اراضي وأجواء روسيا لنقل قواته والإمدادات اللازمة لها من اوروبا الى أفغانستان، ومن أفغانستان الى اوروبا، يستجيب لمصالح روسيا التي ترى لها مصلحة في استتباب الأمن في أفغانستان ، ومن أجل ذلك تُساعد روسيا "الناتو" حتى تُنجز قواته مهمة إعادة الأمن والسلام الى أفغانستان ، وتؤمن حدود روسيا الجنوبية" ، وعبر "بوتين" عن عظيم أسفه لمجرد "تفكير جميع الدول التي تشارك في أحداث أفغانستان بالهروب من هناك سالمين ... ولهذا لا نساعدهم في القدوم الى أفغانستان بقدر ما نساعدهم في الرحيل ، إنه أمر مؤسف ، فقد قطعوا تعهدات على أنفسهم وعليهم أن ينفذوها حتى النهاية" ،  وحينما سؤل الخبير الروسي في شؤون الأمن الدولي السيد " اليكسي فينيكو" يوم31 /7/2012 في "قناة روسيا اليوم الفضائية " ،  ان عام ألفين  وأربعة عشر سيشهد  إنسحاب  القوات الأمريكية من أفغانستان، ما قراءتكم لمرحلة ما بعد الانسحاب وتأثير ذلك على حسابات واشنطن في المنطقة؟

أجاب " فينيكو" :" أعتقد أن هناك عدة إمكانيات لتطور الأحداث في أفغانستان، لكنني وفي كل الأحوال أشعر بالتشاؤم تجاه مستقبل حكومة حامد كرزاي.. وأظن أنه يخطئ بإظهار استقلاليته عن الولايات المتحدة.. الأوضاع ستتطور كما كان عليه الحال لدى انسحاب القوات السوفييتية عام ستة وثمانين .. حينها توصلت القيادة السياسية في الاتحاد السوفييتي إلى استنتاج بتحويل الحرب إلى معركة أفغانية داخلية وتسليم السلطة إلى نجيب الله..

وفي ذاك العام حاول نجيب الله إجراء حوار، وكما كان واضحا فإن الحوار نجح وفي عام تسعة وثمانين إنسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان تاركة هذا البلد تحت سلطة نجيب الله ، ولكن سرعان ما اشتعلت الحرب مرة أخرى بين القبائل ولم يستطع نجيب الله الامساك بالسلطة طويلا.. وفي عام إثنين وتسعين تمت الإطاحة بحكومته.. هذا السيناريو بإعتقادي سيطبق على الحكومة الحالية في أفغانستان.. في حال سحب القوات الأمريكية ونقل الصلاحيات لكرزاي لإجراء الحوار الداخلي، ستستأنف الحرب ،هناك من يقول أن كرزاي نجح في ضم قادة طالبان المعتدلين، ولكن علينا أن نعلم أن طالبان تتكون من أربعة قبائل متناحرة فيما بينها . أضف إلى ذلك تعاطف باكستان مع بعض قوى طالبان والخلافات بين البشتون والطاجيك والأوزبيك، ولذلك فأن الحرب أتية لا محال بعد انسحاب الأمريكيين.. وبشكل أو بأخر ستنضم كل من طاجيكستان وأوزبيكستان كذلك، وبهذا فأن روسيا ستواجه حربا إقليمية على حدود دول معاهدة الأمن الجماعي.. ولكن السؤال هنا ماذا سيفعل الأمريكيون حينها؟ هناك عدة سيناريوهات ولعل أهمها هو إبقاء واشنطن على قوات خاصة لحماية قصر كرزاي لإخلائه في حالة الخطر أو يمكن أن يتركوه أيضا بالنظر إلى طبيعة الأمريكين في هذه الأمور".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد