أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 12

mainThumb

18-12-2013 08:50 PM

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

لقد أدركت ايران التي يُحاصرها المجتمع الدولي من أجل برنامجها النووي ، أنها ستكون الخاسر الأكبر بعد الإنسحاب الأطلسي الأمريكي من أفغانستان ، اذا ما استمرت بموقفها المتصلب ازاء برنامجها النووي ، لذلك بدأت بوضع بدائل براغماتية للحلول تضمن لها مستقبلها ، وانكبت الزعامة الإيرانية على دراسة الموقف الجديد ، فعقدت مؤتمرا دوليا لمكافحة ما يُسمى بـ " الإرهاب " ، تحت عنوان :" عدم ترك واشنطن والغرب يتفردان بإدارة هذه العملية " ، وذلك في 27 يونيو 2011 ، وتداعت الى حضور هذا المؤتمر العديد من الدول ، الصين وروسيا والشرق الأوسط ، واتفق رؤوساء أفغانستان " حامد قرضاي" والباكستاني " آصف علي زرداري" ، والإيراني "محمود أحمدي نجاد" ، على توحيد جهودهما لمكافحة التشدد الديني ( ويقصدوا بذلك حركة طالبان الأفغانية السنية) ، وأنشطة المجاهدين الأفغان ، وكانت فكرة المؤتمر ايرانية خالصة ، دعا اليها "محمود احمدي نجاد" وأطلقها عام 2010 ، في كلمة القاها في الأمم المتحدة ، حيث قال:" ان بلاده تُريد عقد مثل هذا المؤتمر لما للإرهاب من آثار سلبية ومشاكل في العديد من دول العالم ، لاسيما في الشرق الأوسط كما في الولايات المتحدة واوروبا " ،  واوردت صحيفة الوسط البحرينية في 26 يونيو 2011 ، رسالة للمرشد الأعلى لجمهورية ايران  موجهة لمؤتمر طهران " مكافحة الإرهاب " ، ندد فيها "آية الله علي خامنئي" بما وصفه الاستغلال الغربي للتهديد الذي يمثله الإرهاب ، وان الحسابات الشيطانية لقوى الاستكبار هي استغلال الإرهاب كأداة لتحقيق مآربهم اللامشروعة ، وهو ما اقترفوه فعلا " ، اما الزعيم الأفغاني "حامد قرضاي" فقد تناول في خطابه في افتتاحية المؤتمر الى :" أن أنشطة المسلحين في تصاعد مستمر  في بلاده ، رغم الجهود التي تبذلها حكومته (وفق تعبيره) قائلا:" للأسف ، ورغم كل كافة الإنجازات التي أُحرزت على صعيد التعليم والبنية التحتية وإعادة الإعمار ، لم يتحقق السلام ولا الأمن في أفغانستان ، بل ان الإرهاب آخذ في التزايد ، مُهددا أفغانستان والمنطقة أكثر من أي وقت مضى " ، في حين أشار الزعيم الباكستاني "آصف علي زرداري" الى ان " الإرهابيين ينتهكون مباديء البشر والسماء بقتلهم إخوانهم في الإنسانية ، الإرهابيون ليس لهم دين ، وان الهجمات أسفرت عن مقتل 35 الف شخص في باكستان ، بينهم خمسة الاف من رجال الأمن ، فضلا عن الخسائر المادية التي ناهزت 67 مليار دولار " ، لقد اعتمدت ايران سياسة المعايير المزدوجة في تعاملها مع الملفات العربية ، وبالأخص الملف الأفغاني ، فينما ترفع شعار ا يتضمن نُصرة المستضعفين في العالم ، نراها من جهات أخرى مؤيدة الحرب ضد الشعب الأفغاني ، وضد حركة طالبان تحديدا ، تلك الحركة التي تُمثل الإرهاب من وجهة نظر الإدارة الإيرانية والإدارة الأمريكية والأطلسية ، وفي نفس الوقت يؤكدون على مطالبتهم  ان حل الأزمة الأفغانية المستعصية تكمن في " إنسحاب حلف شمال الأطلسي منها " ، كما حصل في المؤتمر الإقليمي الخامس للتعاون الاقتصادي بشأن أفغانستان ، الذي عُقد في " دوشنبي" عاصمة جمهورية طاجيكستان " ، في 26 /3/ 2012م ، حيث شنَّ " محمود أحمدي نجاد" انتقادا لاذعا وشديدا  للإدارة الأمريكية والناتو بشأن أحتلالهم لإفغانستان ، معتقدا أن " الإستقرار في أفغانستان يعتمد على سرعة خروج امريكا والناتو من هذا البلد ، ونحن واثقون (كما يقول نجاد) من أنه مع خروجهم ستُحل حتى مشكلة المخدرات " .

وحينما لاحت بوادر اإنسحاب حلف شمال الأطلسي من أفغانستان ، دب الرعب والقلق والحيرة في الأوساط الإيرانية ، وبدا الخبر مزعجا للإدارة الإيرانية ، الدولة التي اطمأنت على حدودها الشرقية مع أفغانستان منذ الاحتلال الامريكي سنة 2001 وحتى اليوم ، هذه الطمأنينة فوجئت بصعقة شديدة وأليمة ، انسحاب من كان يؤمن لهم حدودهم الشرقية الى غير رجعة ، الأمر الذي دفع بالسلطة الإيرانية الى أخذ مسألة افنسحاب الأمريكي والأطلسي على محمل الخطورة الفائقة ، الخطورة التي تهدد أمن واستقرار الدولة الإيرانية ، ولا نستغرب موقف السلطة في ايران من هذا الإعلان ، حينما طالب رئيس البرلمان الإيراني بسرعة التحرك من أجل تدارك الإنهيار الأمريكي في أفغانستان ، داعيا الى إنقاذ حكومة "حامد قرضاي" في كابول، بينما طالب "محمد خزاعي " مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة في جلسة خاصة لمجلس الأمن " بتحفيز الولايات المتحدة على التماسك في أفغانستان في مواجهة " الظلاميين والإرهابيين " ، وانتقد دعوة الاتحاد الأوروبي الى فتح مفاوضات مع طالبان .

كان الحديث عن مفاوضات غربية مع حركة طالبان ، بمثابة إنحراف في بوصلة إيران في المنطقة ، الأمر الذي دعاها أكثر من مرة الى التأكيد على خطورة حركة طالبان وتطرفها وإرهابها ، وأنها (اي ايران) ستساعد الناتو للقضاء عليها ، ويبدو ان عداء إيران للأفغان ، ولحركة طالبان تحديدا ، حركها للتحالف مع الشيطان الأكبر ، وهو ما كشفت عنه صحيفة " لوفيجارو" الفرنسية  ، الجمعة 22 تشرين الثاني /نوفمبر 2013 ، حيث كشفت الصحيفة عن مفاوضات سرية تجري بين واشنطن وطهران حول أفغانستان والعراق وسوريا ، وأوضحت الصحيفة الى انه :" بينما تجري مفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بين الدول العظمى وطهران ، هناك مفاوضات أخرى جرت خلال الأسابيع الأخيرة ولكن " سرا " بين دبلوماسيين أمريكيين وإيرانيين ، ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مصدر خليجي قوله :" أن المفاوضات "السرية" بين الجانبين تركز على أربعة أمور ، أفغانستان ، العراق ، سوريا ، وكيفية تعزيز العلاقات التجارية بين طهران وواشنطن  بعد توقيع إتفاق بشأن النووي ، وفيما يتعلق بالمفاوضات السرية بشأن أفغانستان ، أوضح المصدر ان واشنطن ترغب في أن تقوم إيران بتسهيل إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان  العام المقبل 2014 م ، بينما أكدت صحيفة " كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية  ان الذي رعى هذه الاجتماعات هي سلطنة عُمان ، ةبرعاية السلطان قابوس مباشرة .

يبق السؤال المطروح ، وهو السؤال الأخطر بالطبع ، هل تفكر إيران باجتياح أفغانستان واحتلالها مستغلة الإنسحاب الأمريكي الذي سيحدث فراغا هائلا ومفزعا في افغانستان ، وهو ما أكد عليه موقع " المختصر " الإلكتروني الإخباري في أحدث تقرير يصدره الموقع عن الدور الإيراني في أفغانستان  30 تشرين الثاني 2013 م ، وهو بعنوان :" أمريكا تراهن على إيران في مواجهة طالبان " ، حيث نوهت الصحيفة الى أنه :" ومنذ نجاح واشنطن في احتلال البلاد وإسقاط حكم حركة طالبان نهاية عام 2001 دفع إدارة أوبا ما لضرورة البحث عن حليف قوي يستطيع إعادة ترتيب الأوضاع في البلاد والعمل على الحفاظ على المصالح الأمريكية وعدم ترك البلاد تقع بين مطرقة القاعدة وسندان طالبان ، ومما أحيا الآمال بتكرار تجربة الحليف الإيراني السابق الذي لعب دورا مهما في دعم مساعي واشنطن في احتلال أفغانستان وهو ما اعترف نائب الرئيس الإيراني حينذاك محمد علي أبطحي به حين كشف على هامش ندوة دولية في دبي عام 2004انه لولا الدعم الإيراني لواشنطن لما استطاعت احتلال العراق وأفغانستان وهو ما يسعى نافذون من داخل البيت الأبيض للاستفادة منه مجددا بالتزامن مع بدء تحول طهران لقوي عظمى إقليمية" ، وأكدت الصحيفة على ان الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة تماما القناعة في التحالف مع ايران للحيلولة دون وصول طالبان الى السلطة ، مؤكدة في هذا الصدد على : " أن واشنطن وعبر الرهان على طهران وحلفائها لكبح جماح طالبان والقاعدة لا يقتصر على الصعيد العسكري فقط بل أن واشنطن تريد توظيف هذا الدور لإقناع طالبان بالانضمام للعملية السياسية والاعتراف بالياتها بعد فشلها لسنوات طويلة في دحر قدراتها الميدانية بل أنها ترى ان إيران وحلفاءها قد يستطيعون تحقيق ما فشلت فيه عبر ترويض طالبان والعمل على فك ارتباطها مع القاعدة في المستقبل المنظور والقبول بما رفضته طوال السنوات الماضية وهي مقامرة قد لا تربحها واشنطن لاسيما أن الوضع في أفغانستان يبدو أكثر تعقيدا مما تتخيل أو أن رهانها على طهران غير منطقي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد