الجريمة المنظمة بين الوقاية والعلاج

mainThumb

29-12-2013 10:13 PM

لفت انتباهي الكاتب ماهر ابوطير في مقالته الموسومة "العصابات المسلحة " والمنشورة في صحيفة الدستور بتاريخ 28/12/2013؛ يتحدث الكاتب فيها عن تنامي ظاهرة العصابات الجماعية في الدولة ويقدم بعضا من المقترحات لمواجهتها.
    أتفق مع الكاتب المحترم فيما ذهب اليه بقوله " ميزة البلد ان ظاهرها يبدو ناعما ، غير أن تحت هذه النعومة عالما من البلاءات التي ننكرها في مواقيت فخرنا واعتزازنا!." وقوله " فإننا بالتأكيد سنشهد نموا في عالم العصابات، و " أن الجريمة في البلد كانت فردية ، ويوماً بعد يوم تحولت إلى جريمة منظمة ، من عصابات المخدرات الى عصابات السيارات وما بينهما.


    غير أنني لا أتفق مع طرح الكاتب لمواجهة هذه الجريمة المنظمة ؛ حيث يقترح اعادة مراجعة القوانين بشأن العقوبات في حال وجود عصابات، و تزويد الامن العام بتقنيات ومعدات مختلفة ، وتحسين اوضاع ومزايا كادر الأمن العام ، وإطلاق حملة امنية ضخمة تشارك بها عدة جهات وتوجه ضربات قاسية لهذه العصابات.


في علم الإستراتيجية ؛ فإن ماذهب اليه كاتبنا ؛ يعالج بعض مخرجات الجريمة " نتائجها " ، وذلك يشبه المسكن الطبي لبعض الأمراض المستعصية ؛ فهو يخفف ألمها ؛ وربما يخفيه ولكن سرعان ما يتفاقم ذلك الألم بعد انتهاء الفترة الزمنية لمفعول المسكن !.
وفي علم الإستراتيجية أيضا ؛ فإن حل أي مشكلة ؛ مهما كان نوعها ؛ يبدأ بتشخيص الأسباب الرئيسة لظهورها ؛ ومن ثم يصار إلى معالجة الجذور الأقوى وفقا لأولويات مدروسة علميا بعيدا عن الارتجالية والتخمين.


    والتساؤل : ماهي الأسباب الرئيسة لظهور الجريمة المنظمة ، سواء في الأردن او في أي مكان في العالم ؟!، تجيب على جانب منها دراسة علمية للبروفسور عبدا لهادي مصباح زميل الاكاديمية الأمريكية للمناعة ونشرت هذا العام ، حيث طرحت الدراسة العديد من الاسباب منها أسباب بيولوجية،  أسباب بيئية، اسباب اجتماعية والإدمان ، ومما لفت نظري اسبابا قد لا نوليها أي اهمية مثل التلوث والغذاء !.


     أظهرت الدراسة أن نقص بعض العناصر الغذائية مثل : الزنك ، والسيلينيوم ، والنياسين ، والترببتوفان ، وحامض  البانتوثنيك ، وفيتامين B6، وفيتامين C ، والحديد ، والماغنسيوم وغيرها له دخل وثيق بظهور بعض الأعراض العدوانية ، والميل تجاه العنف !.


     كما أن التلوث من خلال الكيماويات والمبيدات الحشرية والسموم ، وبعض أنواع الأسمدة الكيماوية ، والكيماويات الزراعية بشكل عام تؤثر على نمو مخ الطفل ، وعلى جهازه المناعي ، وعلى الهرمونات التي تفرز من الغدد الصماء ، ولعل الاضطراب الذي يحدث في هرمون الغدة الدرقية يكون له علاقة وثيقة بالتوتر والعصبية ، وضعف مستوى التعلم والإدراك والذكاء ، وتأخر الاستجابة للمنبهات المختلفة ، كما أن هرمون الثيروكسين يؤثر أيضا على هرمون الكورتيزول الذي له علاقة بالعدوانية والانفعال ، والذي يؤثر بالسلب على الجهاز المناعي .


    ان الأسباب السابقة ويضاف اليها العوامل اجتماعية ، وتشمل الفقر، والظلم ، والبطالة ،والفراغ ، والضغط العصبي والظروف المعيشية السيئة التي تولد الحقد والغضب والمرارة  والتي أصبحت ماثلة للعيان في الدولة جميعها تؤدي إلى العنف.
في علم السلوك ؛ الإنسان تحركه حاجاته غير المشبعة ؛ حيث تخلق دافع باتجاه نمط سلوكي يلبي هذه الحاجة ،  والمختصين في علم الإدارة والسلوك ؛ يعرفون نظرية الحاجات التي طورها ابراهام ماسلو ؛ حيث رتب الاحتياجات البشرية بشكل متصاعد تبدأ بالاحتياجات الفسيولوجية (المأكل ، المشرب ، المسكن والزواج ) وتليها الحاجة للأمن ، ثم الاحترام والتقدير وتحقيق الذات ، ولا يمكن أن ينتقل الإنسان الى إشباع حاجة مالم يشبع الحاجة التي تسبقها ؛ وبالمناسبة فهذه النظرية مأخوذة من القرآن الكريم " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " ، وفي الأردن ، يعتبر العامل الاقتصادي من اهم أسباب الجريمة فالمجرم  قبل ارتكابه للجريمة يجد نفسه مطوقاً بظروف مادية قاسية ، سواء كان  عاطلا أو أن دخله لا يكفيه ومن ثم يزداد لديه الشعور بالحرمان ، وعندئذ يندفع تلقائياً الى السلوك الإجرامي !!!.


لا أعتقد أن الدولة ستنجح في محاربة الجريمة المنظمة أو الحد منها من خلال زيادة كادر الأمن العام والدرك وتزويدها بأحدث التقنيات ، فأجهزة الأمن تقوم بواجبها على الوجه الأكمل ولديها أفضل التقنيات الحديثة ولا ينقصها العدد أو العدة ، لكن الدولة ستحقق نجاحا ملموسا إذا اقدمت على علاج الأسباب وإشباع احتياجات الناس ، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاهتمام بحقوق الفرد بشتى انواعها صحة وتعليما وتكافؤا في الفرص ودخلا ماديا معقولا ؛ إضافة الى تعزيز الرقابة على الغذاء ومحاربة التلوث ، وإعادة النظر بالمناهج التعليمية.


وبغير ذلك قفد لا نتفاجىء بأن يتحول بعضا من رجال الأمن والعديد من فقراء الدولة الى دعم العصابات المنظمة ؛ أو الانخراط ضمن صفوفها ؛ وخاضة عندما يرون هوامير الفساد ينعمون بأموال الشعب نهبا وسلبا وهؤلاء المحرومين يحرسون قصورهم في دابوق وعبدون !!!.

a.qudah@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد