لا يوحد الفكر مواقف معتنقيه

mainThumb

21-01-2014 12:00 PM

إذا كانت التعددية أصل الأشياء ومنشؤها (وهذه العبارة جزئية عنوان كتابنا الجديد الذي سيصدر قريبا) وهي بالفعل كذلك, إذ خلق الله الكون وما عليه من أحياء وجمادات تعدديا, والتعددية سمة عامة وشاملة لكل الموجودات الحسية والملموسة وغير الملموسة, أي تعم الصعيدين الماكروي والمايكروي في كل ما يتعلق بالوجود, فإنها  تقع في مقدمة أولويات التحضر والتقدم وتحقيق المصلحة العامة بكل تجرد وتفان.

في السياسة وعلومها, تأتي التعددية في مقدمة المفاهيم الراسخة في تعدد الأحزاب فكرا ومبادئ وأيدولوجيات وشعارات.وفي الوقت ذاته تتعدد مواقف أعضاء الحزب الواحد من القضايا العامة التي تواجه العمل الحزبي ونشاطه وحراكه المنتظم في الحياة العامة للمجتمع.

وللفكر الحزبي الذي يتبناه الأعضاء في أقوالهم وفي طروحاتهم صيغة عامة لا تتطابق مفرداتها لدى كل عضو من الأعضاء.

فقد فسر الاشتراكيون الاشتراكية تفاسير مختلفة كل حسب رؤيته للواقع من جهة, ولفهمه وخبرته الشخصية من جهة أخرى. والماركسية تكاثرت جماعاتها وتناثرت أفكار كل فصيل من فصائلها فبدت الماركسية كمدارس لكل منها منهاج لا يتفق بالضرورة مع أي من المناهج الأخرى.

وينطبق الحال على الأحزاب الدينية والقومية والليبرالية وغيرها من الانتماءات الحزبية ومنظماتها وجماعاتهت وتياراتها.

لا وجود لفكر يوحد المواقف, ويبرمج النشاطات المطلوب منها تأكيد مصداقيته وصلاحه. ولا وجود لفكر هو وحده المتفق عليه من جماعته بأنه يمثل الحل لقضايا المجتمع ومعضلاته ومشاكله الاقتصادية والتوعوية والتنويرية, حتى تحت تشريعات السمع والطاعة أو مفردات نفذ ثم ناقش, كما دلت عليه أحداث كثيرة منها الانقسامات والانشقاقات والاستقالات والانسحابات التي شهدتها الأحزاب العربية في كل ديار العرب وأقطارهم.

وهذه إحدى المزالق التي تجد الأحزاب نفسها منزلقة إليها في تاريخها, ومنها من اتعظ ومنها من لم يدرك بعد أهمية التغيير في سلوك الأحزاب ومواقفها وفي قدرتها على مواجهة التحديات التي تفرضها طبيعة التحول في المجتمعات التي تشهدها شعوب المعمورة بين فترة وأخرى.

ما يوحد الأفراد ويدعوهم لتجميع قواهم هو الخوف من خطر محدق بهم أو ظلم واقع عليهم. وتتعدد مصادر الأخطار وأشكالها التي تتهدد المجتمعات الإنسانية بين الطبيعية والمصطنعة والمفتعلة. الخطر يوحد ولكنه لا يصهر, ولا يلغي وجود أحد أو قوة أو فئة ..

الأحداث الطبيعية معروفة لدى العديد من المجتمعات كالعواصف والفياضانات والزلازل والبراكين التي توحد حهود المتضررين منها لمقاومة آثارها الضارة والمدمرة على الأرواح والممتلكات. أما الأخطار المفتعلة فتتلخص فيما تواجهه المجتمعات الإنسانية من توترات داخلية بين القوى السياسية في صراع لا يتورع عن القيام بأعمال القتل والسحل والاغتيال .. للوصول إلى كرسي السلطة وفرض النظام على الناس بالقوة القهرية. وهذا بدوره يوحد مواقف أبناء المجتمع غير المنخرطين في الصراع مع أي طرف من أطرافه, ويحثهم على تنسيق مواقفهم لمواجهة الأخطار التي تحيق بهم نتيجة الصراع دون أن يشاركوا بالضرورة في أي مرحلة من مراحله أو أي عمل من أعماله طوعا واختيارا.

وقد شغلت الأحداث المفتعلة أفكار الناس وأثارت مخاوفهم عندما تركز على الاختلافات الطائفية والعرقية والإثنية والثقافية, فيلتقي أتباع كل طائفة إثنية ثقافية عند مواقف لتوحيد جهودهم في مواجهة الخطر الداهم الذي ينتظرهم.

وربما تكون دوافع التوحد والتلاقي في مواجهة الظلم من أقوى الدوافع وأكثرها حسما في شد المظلومين أزر بعضهم البعض, وتماسكهم في ردود أفعالهم في مواجهة الظالمين والتمرد على سلطتهم, وغالبا ما يفوز من في التخلص من الظلام وأتباعهم, كما حدث لبعض النظم العربية.

الخطر, والخوف منه إذن الذي يواجه الناس من أي منشأ برز أو فعل  ظهر من أبرز عوامل تلاقيهم واتفاقهم دون قيود أو شروط على خطة عمل حمائية لحيواتهم ولمصالحهم ويوحد جهودهم ويوظف إمكانياتهم بالتشارك لتخطي نتائج الخطر وآثاره, وإزالة مصدر الخوف وأسبابه.

ويظل البديل الطبيعي ودليل المجتمع المتنور للتطور والتحول المتماهي مع متطلبات الحضارة في عصر المعلومات والمعلوماتية, في التعددية, وتمثل التعددية المترسخة في وعي المواطن وفي ضميره, والمقوننة في تشريعاته ونظمه الخيار الأمثل للتعايش بالتوافق والانسجام والتآلف والتعاون الطوعي لحماية المكتسبات والمصالح الفردية والجماعية, وردع نوازع الشر العرقي والفكري والثقافي والطائفي والسياسي وتحجيم مستويات الاختلافات وتقليص آثار المصائب والنكبات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد