أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 33

mainThumb

08-03-2014 10:08 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 33

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

لقد كان أكبر المتضررين وأكثرهم خسارة وتضحية وازهاقا للأنفس والأموال من الحرب الأطلسية على أفغانستان للتخلص من حركة طالبان التي تحتضن تنظيم القاعدة في بلادها، هما، الشعب الأفغاني اولا، والشعب الأمريكي ثانيا، والشعب الأفغاني منقسم على نفسه، فمنهم من انخرط في حلف الأطلسي وتعاون تعاونا مطلقا للإطاحة بحكومة طالبان والتخلص منها الى غير رجعة، وقد تحقق لهم ذلك وعلى يد القوات الأمريكية المدججة بالسلاح المتطور الفتاك ، ومنهم، أي الأفغان، من تجرع مرارة الهزيمة والخسارة وأُجبر على التخلي عن السلطة رغم أنفه ، وهي حركة طالبان والفصائل الإسلامية الأفغانية المتحالفة معها، وفي مقدمتهم "الحزب الإسلامي" بزعامة "قلب الدين حكمتيار"، وقد أشرنا سابقا في سياق حديثنا عن سيناريوهات الأزمة الأفغانية، ان المنطق والعقل يشيران بكل تأكيد وبكل الحجج الدامغة الى  ان حركة طالبان ومن يناصرها في طريقهما الى الزوال ، لتصبح من تاريخ وماضي أفغانستان ، وليس من حاضره او مستقبله ، الا أن هذا المنطق طفق يتكسر  بمعاول العزيمة الإستثنائية التي تمتع بها المجاهد الأفغاني ، وصبره الذي يعُزي كل صبر به ، اما الشعب الأمريكي فكان الخاسر الأكبر بعد الشعب الأفغاني ، وقد أشارت مواقع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" ، وموقع "الناتو" وموقع "وكالة المخابرات الأمريكة " ومراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية مضافا اليها الصحافة والإعلام ، اشارت وبلغة الأرقام الى الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الشعب الأمريكي في حربه على أفغانستان ، وباستطاعة الباحثين الرجوع اليها في كل وقت ، حيث توفر المعلومات الكاملة حول مشروع أمريكا الخاسر في أفغانستان ، والحقيقة ، ان الشعب الأمريكي الذي وافق اول الأمر على احتلال أفغانستان ، هو نفسه راح يتراجع يوما بعد يوم عن الاستمرار في تأييد الحملة العسكرية الأمريكية التي تشنها على أفغانستان ، وذلك بكل تأكيد نتيجة لردة الفعل العنيفة التي ظهرت من قبل حركة طالبان ضد الوجود الأمريكي ، حيث ألحقت بصفوف القوات الأمريكية والأطلسية عموما خسائر فادحة في الأرواح والأموال ، وكان لردة فعل الشارع الأمريكي الدور الأبرز في تغيير بوصلة الوجود الأمريكي والأطلسي والدولي في أفغانستان ، مضافا اليها ردود فعل بريطانيا وفرنسا والمانيا واسبانيا وايطاليا والدنمارك وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ، التي ضغطت شعوبها عليها وسحبت قواتها المقاتلة من أفغانستان ، قبل الموعد المقرر للإنسحاب في نهاية سنة 2014 .

ومع اننا اشرنا في مقالات سابقة الى ردود الفعل الأمريكية السلبية تجاه الحرب في افغانستان ، بل واعترافها بالهزيمة الصريحة امام حركة المقاومة الإسلامية الأفغانية "طالبان" ، نجد الكاتب الأمريكي " جو غلينتون Joe Glenton" في مقالة له نشرها في صحيفة "ذي اندبندنت " الأمريكية ، بتاريخ 19 ديسمبر /كانون الأول 2012 ، يُلخِص فيها بايجاز بالغ  ، السر الذي يقف وراء الإنسحاب الأمريكي والأطلسي من أفغانستان ، تحت عنوان :" الهجمات الداخلية ، والرفض الشعبي الأمريكي : هما الأسباب وراء الإنسحاب من أفغانستان  " " Insider attacks and Public rejection, These are the reasons were withdrawing from Afhanistan " ، كما ان موقع "فورن بولسي " الأمريكي ، نشر مقالة بتاريخ "3 فبراير/شباط 2014" ، للكاتب والمحلل السياسي الأمريكي "ستيفين والت Stephen Walt" ، حملت العنوان :" أكبر  عشرة أخطاء ارتكبت في الحرب الأفغانية ""Top  10 Mistakes Made in the afghan war " ، وأطلق  الموقع الأمريكي " العد التنازلي للإنسحاب" " Countdown to Drawdown .org" ، مشروعا مستمرا ومتجددا يشرف عليه نخبة من الأمريكان المهتمين والرافضين للحرب الأمريكية على أفغانستان ، بُغية توسيع دائرة الرافضين والمناوئين للحرب الأفغانية ، وقد أصدر الموقع مقالة غاية في الأهمية حملت العنوان :" عشر حقائق حول الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ""10 facts about us withdrawal from Afghanistan " ، ونحن معنيون بالكشف عن تلك الأخطاء العشرة ، وتلك الحقائق العشر ، التي أضحت مؤشرا طبيعيا على رفض المجتمع الأمريكي للحرب على أفغانستان ، وبلا اي تردد او تحفظات .

هي " عشر حقائق ، وعشرة أخطاء ، في الحرب الأمريكية الأطلسية على أفغانستان " ، أما الأخطاء العشر  ة، فجاءت كما اقتنع بها الشارع الأمريكي ، على النحو التالي :

الخطأ الأول : محاولة الولايات المتحدة الأمريكية الذهاب للحرب وحدها ، حيث تحركت آلة الحرب والقتال الأمريكية وعقب احداث 11 سبتمبر 2001 مباشرة لخوض الحرب ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة منفردة ، ودون طلب المساعدة من أحد ، بينما أبدت العديد من الدول الأوروبية ، وبالأخص دول حلف شمال الأطلسي ، ابدت استعدادها لخوض الحرب جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة ، الا ان الإدارة الأمريكية وعلى لسان وزير دفاعاه " دونالد رامسفلد " رفضت بشكل قاطع مشاركة حلف الأطلسي في الحرب على أفغانستان ، بقوله لهم :" لا ، شكرا " ، واندفعت ادارة "جورج بوش" لخوض الحرب بمفردها ، ظنا منها انها ستحسم المعركة بسهولة ، في تحالفها مع تحالف الشمال الأفغاني ، وكانت وجهة النظر الأمريكية صائبة الى حد بيعد ، حيث حسموا المعركة بسرعة ، وأعلنوا عن تحقيق "النصر" بسرعة ايضا ، وهو ما أغرى الإدارة الأمريكية  في الإنقضاض على صيد كبير وجديد ، هو "العراق" ، للإطاحة "بصدام حسين " ، الا ان دخول "جورج بوش" في حربه على العراق سنة 2003 ، كانت بمثابة المنقذ لحركة طالبان التي نجحت في اعادة بناء قواتها ورص صفوفها ومواجهة الوجود الأمريكي في افغانستان ، بل والحاق الضرر بالآلة العسكرية الأمريكية .

الخطأ الثاني : العاصفة على "تورا بورا" ، كان السبب والدافع الرئيسي المعلن وراء الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان ، هو القبض على "أسامة بن لادن" او قتله ان استطاعوا ، ولكن لسوء حظ الإدارة الأمريكية ، ولسوء حظ "بوش ورامسفيلد" لم يتمكنا ، لا من قتله ، ولا القبض عليه ، بل كان لتردد الإدارة الأمريكة ، وضعف تنسيقها مع القوات الأفغانية ، وتأخرها في شن حرب كاسحة على "تورا بورا" معقل "بن لادن" ، دورا في منح الفرصة "لبن لادن " للهروب باتجاه "باكستان " ، فكان على الإدارة الأمريكية ان لا تدعه طليقا لمدة ثماني سنوات ، وكانت امريكا قد انتصرت في حربها على الإرهاب .

الخطأ الثالث : وضع الدستور الأفغاني ، كان لإنشاء حكومة أفغانية مؤقتة في ديسمبر 2001 ، لتقود مرحلة ما بعد طالبان ، إنجازا دبلوماسيا كبيرا للإدارة الأمريكية ، ولكن للأسف ، وقع الدستور الجديد الذي اعتمد سنة 2004 ، في زلة وسوء تصور "ill - conceived" غير مدروس العواقب ، بحيث خلق هذا الدستور حكومة أفغانية مركزية مطلقة السيادة ، تجاهلت منظومة القيم للمجتمع الأفغاني ، مانحة الرئيس الأفغاني سلطات واسعة جدا ، لكنها افتقرت لضوابط تأسيس الدولة المدنية الحديثة ، وعجزت عن احداث بنية جديدة لأفغانستان ، دستور عاجز كل العجز عن محاربة الفساد والمحسوبية "irresistible " ، مما جعلها تقع ضحية المعونات الخارجية .

الخطأ الرابع : الألتفاف نحو العراق ، لم تكن حملة "جورج بوش" على العراق سنة 2003 خطأ سياسيا وعسكريا فحسب ، ولا كارثة على الشعب العراقي والأمريكي معا ، بل الكارثة ، تحويل جهود الموارد العسكرية والمخابراتية من الصراع في أفغانستان ، الأمر الذي منح فرصة ثمينة جدا لحركة طالبان ان تجمع صفوفها من جديد وتستأنف حركة المقاومة ضد الوجود الأمريكي في أفغانستان .

الخطأ الخامس : الحشد العسكري 2009"The 2009 Surge" ، كان لدعوة الرئيس الأمريكي الجديد "باراك اوباما" اثناء حملته الإنتخابية سنة 2008 ، سحب القوات الأمريكية من العراق ليتمكن الجيش الأمريكي من التركيز على "الحرب الحقيقة  Real War" في أفغانستان ، ثم استسلام الإدارة الجديدة لضغوط العسكريين  في إرسال قوات اضافية الى افغاسنتان ، بلغت 17 الف جندي عندما تولى "اوباما " ادارته الجديدة ، و 30 الف جندي آخر في خريف سنة 2009 ، جاءت هذه القرارت لإصلاح عيوب قاتلة ارتكبتها الإدارة الأمريكية ، وذلك لأن حركة طالبان لا زالت تتمتع بملاذات آمنة في أفغانستان ، فقد أدت زيادة القوات الأمريكية المقاتلة في الإغانستان الى ارتفاع حاد في عدد الضحايا الأفغان والأمريكان معا ، والتي أدت الى تقويض تأييد الراي العام الأمريكي للحرب على أفغانستان .

الخطأ السادس : تحديد المهلة "أي مهلة الإنسحاب من أفغانستان " ، حيث اعتبر ذلك من القرارات الخاطئة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بقيادة "باراك اوباما" ، حيث صرح اكثر من مرة ، وفي أكثر من موقع ، اثناء حملته الإنتخابية ، عن احتمالية الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ، مما اعطى حركة طالبان انطباعا جيدا حول الأثر الكبير الذي احدثته الحركة في صفوف القوات الأمريكية  وقوات حلف شمال الأطلسي ، وهو ما شجعها اكثر فأكثر على رص صفوفها وتعزيز مقاومتها .

الخطأ السابع : خفض مستوى الدبلوماسية " Downgrading Diplomacy " ، إنها فترة إنهاء الحرب ، وبناء حكومة افغانية تعمل لصالح عملية المصالحة التي من شأنها تُفضي الى دمج العناصر المعتدلة من حركة طالبان ضمن المجتمع السياسي ألفغاني الجديد ، ولكن ، للأسف لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية جادة في إحداث تلك المصالحة ، ولا حتى عملية السلام بين الفصائل والقوى ألفغانية المتصارعة ، وهو ما جعل المبعوث الأمريكي الخاص في بأفغانستان " جيمس دوبينز James Dobbins" ، يعترف بالخطأ الذي وقعت به الإدارة الأمريكية من ترددها بل وتلكوئها في احداث مصالحة حقيقية بين الفصائل الممتحاربة ، حيث لم تبدي الإدارة الأمريكية اي اهتمام بعملية المصالحة الا في وقت متأخر اي الى سنة 2011 ، وكان من المفروض على الإدارة الأمريكية الدفع بقوة نحو تحقيق السلام والمصالحة وهي في ذروة تواجدها العسكري في أفغانستان ، بدلا من الانتظار حتى تخفيض عديد القوات الأمريكية والأطلسية ، مما أوقعها في فشل ذريع  ولم تحقق اية مكتسبات في مضمار إشراك كافة القوى الأفغانية والإقليمية التي قد تساعد في فرض حالة من الأمن والإستقرار .

الخطأ الثامن : فقدان التأييد الشعبي "Losing Public Support" ، وهو الفيصل في جر الإدارة الأمريكية نحو الإنسحاب من أفغانستان ، طبعا نتيجة ارتفاع عدد القتلى في صفوف القوات المسلحة الأمريكية والأطلسية ، ولم يستطع ، لا "جورج دبليو بوش" ولا "باراك اوباما" من إقناع الشارع الأمريكي بان الحرب التي تخوضها بلادهم في افغانستان تستحق كل تلك التضحيات والتكاليف ، فالشعب الأمريكي أيد الحرب على أفغانستان لتحقيق اهداف سريعة ومن ثم العودة الى الوطن ، لا من أجل "لانهاية للحرب" ، ولا من تقسيم افغانستان ، بينما تكلف الحرب دافعي الضرائب الأمريكيين مبالغ ضخمة جدا ، اكبر عشرات المرات من الناتج المحلي الإجمالي لإفغانستان ، ولم تعد الإدارة الأمريكية مُقنعة للشعب الأمريكي في الاستمرار في الحرب وضخ الأموال.

الخطأ التاسع : الفشل في إدارة "الحلفاء المشاغبين" "Failure to Manage Unruly Allies " ، يعتقد الكاتب بانك حتى تكسب الحرب في أفغانستان فان الأمر يتوقف على وجود فريقين ، اولهما الحكومة الأفغانية الغارقة في الفساد والفوضى ، والفاشلة وغير  الكفوءة ، وهي ايضا غير راغبة للإستماع الى نصائح الولايات المتحدة الأمريكية ، اما الفريق الثاني فهي باكستان ، التي راحت تلعب مع حركة طالبان ، بينما تضع حكومة باكستان الحجارة امام الجيش الأمريكي ، ولسوء الحظ ، فان القادة الأمريكان لم يدركوا اهمية التحالف مع مثل تلك الدول القادرة على تغيير الأمور باتجاه النصر ،

الخطأ العاشر : التناقضات الإستراتيجية ،" Strategic Contradictions" ، أدت التناقضات الاستراتيجية لدى الإدارة الأمريكية الى خلق حالة من عدم التركيز على تحقيق الأهداف المعلنة ،  بل لم تستفد من الدروس السابقة مطلقا ، وهو ما جعل وزير الدفاع الأمريكي "روبرت غيتس" السابق وفي سنة 2011 ، يصرح:" في رأيي ، ينبغي على اي وزير دفاع امريكي في المستقبل ، والذي يقدم المشورة الأمنية للرئيس الأمريكي  لكي يرسل قوات عسكرية كبيرة لتحارب في آسيا او في الشرق الأوسط او افريقيا عليه قبل ذلك "أن يفحص رأسه " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد