الأردن .. دولة أحزاب أم أحزاب دولة ؟

mainThumb

04-04-2014 03:45 PM

يربط بعض الأردنيين للأسف وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب السياسية لدينا و بين ما يسمعه من وسائل الاعلام المختلفة عن مصطلحات و مشاريع تنمية حزبية كالدعوة الى التمكين الديمقراطي و الوعود بممارسات ديمقراطية فعّالة, بأن هنالك ثمة وضع صحي و نوعي و متطور يشهده العمل الحزبي , و بأنه بات قاب قوسين أو أدنى لدخول الأردن إلى نادي الدول الديمقراطية , التي تنعم فيها الأحزاب السياسية بالإرادة و التمكين و العمل الحر  .

في الواقع إن تحليل صورة الوضع الحالي للأحزاب السياسية لدينا تكشف لنا عن وضع مزري , و لا يخلو من النقد السلبي , متعدد الأوجه , و التي تؤكد المقولة القائلة " بأن الدولة لدينا مستعدة لإنفاق الملايين من الدنانير لتتحدث و تروج حول الديمقراطية و التنمية الحزبية, و لكنها غير مستعدة مطلقاً في الوقت الراهن لإتخاذ أي إجراء ديمقراطي واحد يصب في ذلك الإتجاه ؟!

تلك المقولة و ذلك الوضع هو ما يجعلنا نتسائل على الدوام " لما و لماذا و أين  " حينما نتحدث  عن حقيقة هذا الوضع .

فالمنطق يقول , أين هو دور الأحزاب الإفتراضي في التواجد بفاعلية و حيوية داخل مجلس النواب ؟ و في تشكيل الحكومات البرلمانية ؟ و متى كانت كذلك ؟

و أين دور تلك الأحزاب الافتراضي لتؤدي دورها الذي أُنشئت لأجله لتكون معارضة وطنية نموذجية بنّاءه, تعارض الحزب الحاكم الفائز بتشكيل الحكومة ؟

و لماذا ما زالت تتدخل الأجهزة الأمنية على إختلاف مسمياتها علانية في تأسيس الأحزاب السياسية و إيقافها و رفضها و زرع العيون داخلها ؟

و لماذا سمحت و تسمح , بل و تشجع ,  دون وجود أدنى معايير مشترطة لتحقيق التنمية الحزبية , على إنشاء الأحزاب الفردية التي لا تحمل فكراً أو رؤية أو تواصلاً , و تغدق عليهم بالدعم و المعالي و الرضا , و لم تتفضل و لو لمرة واحدة من باب التنمية الحزبية الحقيقية  بأداء دور الرقيب و السائل و الطارق لأبواب الأحزاب , للإستسفار عن أوجه الإنفاق المالي لديها أو خطة العمل السنوية او مدى تواصل شريحة المجتمع معها ؟ فيما لو كانت تصبو نحو التنمية الحزبية حقيقية لا إدعاءً  ؟

و لماذا نسمع في الأردن دون غيره من دول أندية الديمقراطية الحزبية , كما يزعم مروجوا ذلك الإنتقال  بمصطلح الحزب الوسطي و بمصطلح الحزب الموالي ؟

فهل في العمل الحزبي ما يتطلب الترويج لوجود أحزاب وسط ( بين ماذا و ماذا ) ؟ أم أنه كما يُعلمنا المنطق أن الحزب تقوده المواقف و الظروف ,  إما تأييد و إما معارضة لبرنامج او مشروع حكومي ما ؟

و الموالاة هنا ضد من و لمن ؟ علماً أن  جميع الاحزاب السياسية على إختلاف ألوانها السياسية مرخصة قانوناً و ذات أهداف واضحة و ليس لديها أي خلاف حول طبيعة و وجود النظام الملكي , فلماذا وُجدت الأحزاب الموالية و تم الترويج لها ؟

لماذا لم تحارب الدولة لدينا العرف السائد و الذي بات يأخذ حكماُ أقوى من القانون و الدستور ( كالتضييق و المنع من تولي الوظيفة او الحرمان من المقعد الدراسي أو المشاركة بسبب إنتماء الأب او الجد لحزب سياسي ) رغم أن الدستور و القانون منعا مسائلة المواطن بسبب إنتمائه الحزبي ؟

لماذا لم تروج الدولة حقيقةً لتصحيح المفاهيم السلبية في العمل الحزبي التي يعاني منها و بسببها , بدل الترويج للوعود الديمقراطية حتى تكون اقرب الى المصداقية و الواقعية ؟

و أين دور وزارة الشئون السياسية و البرلمانية (الشبيه بدور معهد التنمية الحزبية )  في تنمية الفكر الحزبي و برامجه و بناء القدرات الداخلية للأحزاب و التمكين الإعلامي لها و توعية المواطنين بالثقافة الحزبية , أم أُختزل الدور ببضعة ورش للعمل ؟

أين هي الخطوات الحقيقية في تنمية العمل الحزبي و نحن نتحدث عن نسبة أقل من 2% فقط من مجموع السكان ممن ينخرطون أو يؤيدون أو يعملون في العمل الحزبي ؟

ألا يستحق مثل هذا الوضع المزري من دولتنا أن تسعى لتصحيح مفهوم المعارضة النموذجية للأحزاب و توضيح دورها الحقيقي و الترحيب به , بأنها وُجدت لتحافظ على الوطن و المواطن كما هو دورها تماماً ,  و أن وجودها حالة طبيعية و ليس عبءً عليها كما يتهيأ لها , نتيجة تطور و نمو فكر المجتمع.

ألا يستحق مثل هذا الوضع أن تسعى الدولة لدينا للتعريف بمعنى الإخلاص الحقيقي للوطن ,متمثلاً بالعمل على مراقبه أداء الحكومة من التغول أو الإعتداء على حقوق الوطن و المواطنين  , و أن تُعرف لنا معنى المواطنة و الإنتماء الحقيقيين بأنهما يتمثلان بالعمل على خدمة المجتمع و تغليب المصلحة العامة , و الدفاع عن حقوق المواطنين تحت قبة البرلمان و مسائلة الحكومة عن أي تقصير .

و أن تبادر لتُعرف لنا معنى الولاء الحقيقي , بأنه يتمثل بإحترام و تقدير النظام السياسي و ليس إطلاق الترهيب و التشكيك و صفة الخيانة على من قدّم او تقدم بإنتقاد بنّاء , بعيد كل البعد عن الخيانة و عدم الولاء كما تفسره الدولة .

الأحزاب لم تُختلق لتكون شماعةً أو عبءً ديمقراطياً كما توضحه صورة الوضع الحالي لدينا للأسف , لان هذه الشماعة ستنكسر لا محالة يوماً ما بسبب زيادة هذا  الحمل الزائد .

و لم تًختلق الأحزاب لتقدم الولاء و الإنتماء المزيفين و بيع المواقف و التغاضي عن الأخطاء مقابل تحقيق مكاسب هي في الأصل من حقوق المواطنين و من مخصصات التنمية المفروضة لها بالاصل , و ليست منًة او منحة موهوبة ؟

نريد أحزاباً فاعلة و مؤثرة يتلمس المجتمع و المواطن مزايا وجودها , و قبل أن نحلم أو نطالب بمثل هذه الصورة ,ينبغي على دولتنا الموقرة أن تجيب على سؤال تطرحه على نفسها , هل هي مستعدة للتنازل عن بعض الصلاحيات لصالح الأحزاب إذا أردنا تفعيل وجودها و تنمية العمل الحزبي ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد